المجلس الى الأردن، نحو حقبة جديدة

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

يتوجه وفد من مجلس كنائس الشرق الأوسط، في بداية الأسبوع الطالع، الى المملكة الأردنية الهاشمية المباركة، باستضافة كريمة من مطران الأردن للروم الأرثوذكس، سيادة المطران خريستوفوروس عطالله الجزيل الاحترام، من اجل افتتاح المكتب الجديد للمجلس في عمان، عاصمة المملكة، بعد ان استضاف غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث الجزيل الاحترام، بطريرك المدينة المقدسة، مكتب المجلس ودعمه لحقبة طويلة من الزمن.

وكان قد سبق هذه الزيارة مخاض استمر أشهرا، كان خلاله التفاعل وتبادل الأراء مستمرا بين المطرانية والمجلس، حيث ان تغييرات حصلت في طبيعة الدعم الذي قدمته بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية، ومطرانية الاردن، المباركتين من الرب. وكان قد سبق هذه الزيارة أيضا، زيارة تحضيرية لوفد من المجلس من اجل متابعة بعض الأمور.

يتطلع المجلس الى إعادة تعزيز تواجده الإقليمي، الذي انحسر لفترة، لأسباب عديدة لا سبيل للدخول فيها، وهو بذلك، يعول على الكنائس من اجل تقديم الدعم لاطلق اي عمل يقوم به، كل عمل، اذ لا يغيب عن بال الفريق العامل، ولا للحظة، ان المجلس قد وجد، منذ تأسيسه، لخدمة الكنيسة والمجتمع، وان ليس له قضية خاصة به خارج إطار هذه الخدمة التي انتدب المؤسسون نفسهم وانتدبوه لها.

المملكة الأردنية الهاشمية، هذه البلاد المزدهرة التي شهدت، وما زالت، تطورا ملموسا على كل الصعد، العلمية والتقنية والفكرية والثقافية، هذه البلاد يحيا فيها المسيحيون، كما سائر ابناءها، حياة الهدوء والاستقرار، رغم وجودها على تقاطع سياسي-امني هو الأخطر في العالم.

الاشتراك في الحياة، بغض النظر عن الخلفية الدينية او العرقية او غيرها، هي سمة أساسية من سمات المملكة، وهذا ليس بمستغرب، اذ بفضل جد العائلة المالكة، نجا الجزء الأكبر من الأرمن والسريان من المجازر التي طالتهم في بداية القرن العشرين، والتي جردتهم من بلادهم وحياتهم وثرواتهم.

من منا لا يعرف الرسالة التي أرسلها الحسين بن على الهاشمي، شريف مكة، عام 1917 الى ابناء المنطقة العربية وجيشه هناك يكلفهم بها حماية الأرمن والسريان والمحافظة على حياتهم خلال الإبادة الجماعية الأرمنية. انها شهادة للتاريخ.

لقد جاء في نص الرسالة كما وردت في المصادر التي نشرتها:

"بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده
من الحسين بن علي ملك البلاد العربية وشريف مكة وأميرها إلى الأمراء الأجلاء الأماجد الأمير فيصل والأمير عبد العزيز الجربا، السلام ورحمة الله وبركاته.
أما بعد صدرت الأحرف من أم القرى بتاريخ 18 رجب 1336 نحمد الله الذي لا إله إلا هو إليكم ثم نصلي ونسلم على نبيه وآله وصحبه وسلم. ونخبركم بأنا والثناء له تبارك وتعالى بصحة وعافية ونعمة.
وإن المرغوب بتحريره المحافظة على كل من تخلف أطرافكم وجهاتكم وبين عشائركم من الطائفة اليعقوبية الارمنية، تساعدونهم على كل أمورهم وتحافظون عليهم كما تحافظون على أنفسكم وأموالكم وأبنائكم وتسهلون كل ما يحتاجون إليه في ظعنهم وإقامتهم فإنهم أهل ذمة المسلمين والذي قال فيهم صلوات الله عليه وسلامه من أخذ عليهم عقال بعير كنت خصمه يوم القيامة وهذا من أهم ما نكلفكم به وننتظره من شيمكم وهممكم والله يتولانا وإياكم بتوفيقه والسلام عليكم ورحمة الله وبركته".

هذه الروحية، وهذه الذهنية، تشكلان حجر الزاوية للوعي التاريخي الذي على أساسه تنهج المملكة، والتي بفضلها، يحيا المسيحيون مع أبناء وطنهم في الأردن حياة مساواة ووئام واستقرار.

في نفس السياق، هذه النفسية هي التي تكمن وراء رعاية المملكة للاماكن المقدسة، وحمايتها والاعتناء بها.

لقد اظهر لنا تعاطينا مع الفريق العامل في المطرانية، بقيادة صاحب السيادة، كم انهم متمتعون بالمزايا التي تؤمن النجاح، ونحن نقولها في معرض الوصف وليس التقييم، وكم ان العمل المسكوني واعد في المستقبل القريب.

سوف يبقى مجلس كنائس الشرق الأوسط مكان لقاء للمسيحيين مع بعضهم البعض، كما هو أيضا، وكما يثبته تاريخه، مكان لقاء بين المسيحيين وسائر أبناء اوطانهم، في توجه اجتماعي انساني قائم على المحبة التي بني عليها ايماننا. ان التماسك الاجتماعي هو أولوية الأولويات في توجهات المجلس الاستراتيجية.

عملنا في الأردن يحظى، منذ تأسيسه، بترخيص حكومي رسمي، وباحتضان ملكي وحكومي مشكورين، وهو استمرار لما قد قامت به الإدارات وفرق العمل المتعاقبة التي اطرت وواكبت نشاطات المجلس هناك. لقد كانت مشاريعنا متنوعة ومن ضمن تفاعل مع المحيط الاجتماعي الاقتصادي الثقافي في المملكة، وبإشراف الكنائس الأعضاء، ونحن بصدد توسيع نطاق هذه الأنشطة لكي تشمل مجالات مستجدة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في تجانس بين توجهات الكنائس وسياسات الدولة العامة في شتى القطاعات.

ختاما، لا بد لنا ان نؤكد ان المجلس هو في خدمة الكنيسة، وفي خدمة المجتمع عبر الكنيسة، لذلك، سوف يكون، بإمكانياته المتواضعة، والتي سوف ترتفع مع تقدم العمل، سندا لكل ما يؤول الى استمرار التقدم والاستقرار والسلم الأهلي والتضامن الاجتماعي في هذه البلاد المباركة.

والله ولي التوفيق، ويده مع الجماعة!

Previous
Previous

التحرّش الجنسي وحفظ الكرامة الإنسانيّة

Next
Next

فيديو – قضايا إنسانيّة وتاريخيّة في الطاولة المستديرة