القِدّيسون رافائيل ونيقولاوس وإيريني المستشهدون في لسفوس (+1463م)

كتب سيرة هؤلاء القدّيسين الجُدد الأب جيراسيموس الجبل المقدّس في أوائل السِتِّينات مِن القَرن العشرين. معلوماته استَمدَّها مما أفضى به العديد مِن الذين أظهَرَ القدّيسون ذواتهم لهم. استشهادهم كان في اليوم التاسع من نيسان 1463 ويُعَيَّد لهم في هذا اليوم من أسبوع التجديدات من كل عام.

قبل العام 1959 كان الصَمت يَلفّ ذِكراهم، أمّا في تلك السَنة شاءَت العِناية الإلهيٌَة أن يُكشَف عنهم النقاب. شهادتهم كانت بقرب قرية "ترمي" في جزيرة لسفوس، في دير تَسَمَّى على إسم ميلاد والدة الإله كان يقع على تلة كارياس. يومذاك كانت تُجرى حفريّات في المَكان فإذا بالعامِل يصطدِم بقبر فيه عِظام شَخص غَير معروف. ولمّا كان مِمَّن لا يُبالون بالإلَهِيّات فإنّه تعامَل والعِظام بطريقة غير لائِقة. لهذا عُوقِبَ بطَريقَة غير مَنظورَة مِن قِبَل الشخص صاحِب العِظام.

فإنَّ هذا الذي طَواه النِسيان أظهَرَ ذاته قِدّيساً لذلك العامِل ووَبَّخَه وأدَّبَه، ثمَّ ما لبِثَ أن أعادَ إليه عافِيَته في النفس والجسد معاً. في نِهايَة المَطاف تغَيَّرت حَياة هذا العامل فمَالَ إلى التَقوى وصارَ مُذيعاً بالنِعمة التي كانت مُقيمَة في صاحب العظام.

هذه كانت مُقَدّمة الغَرائِب والعَجائِب التي جرَت، بعد ذلك، على تَلَّة كارياس، أي الموضع الذي قام فيه دير والدة الإله. فإنّ قِدِّيساً مَجهولاً أخَذَ يظهر بِتَواتُر لعَدَد كبير من النِسوَة التَقِيّات. كان يظهَر لهُنَّ في الحِلم وفي اليَقَظَة. ظهَرَ أيضاً لعدد مِن الرِجال والأولاد. بعض من هؤلاء كان مُواطناً وبعضهم غريباً عن تلك الناحية. ظهر لهم بطُرُقٍ شَتّى. كانوا يرونه في أحلامهم وفي صَحوِهم وجهاً لوجه. يتَحَدَّث إليهم ويكشُف لَهُم، بالتفصيل، ما يختَص به وبرفاقه الشهداء، مِمّا لم يكن معروفاً من أحد حتّى ذلك الحين.

على هذا النَحو تَسَنَّى للمؤمنين أن يتعرَّفوا إلى هويَّة هؤلاء القِدّيسين وكَيفِيَّة استشهادهم والأمكِنَة التي جاؤوا مِنها والمَكانة التي كانت لهم في حياتهم على الأرض.

وقد أخبَرَ القِدّيس أنَّ إسمه هو روفائيل وأنّه وُلِدَ في جزيرة إيثاكا. إسم أبيه هو ديونسيوس. نشَأ على التَقوى من قبل أمّه، بصورة خاصة، هي التي رَبَّته تربية مسيحيَّة. تلقَّى، وقت مَعموديَّته، إسم جاورجيوس، ودُعِيَ روفائيل لمّا ترَهَّب. صارَ كاهناً وتَرَقّى إلى رِتبَة أرشمندريت وبروتوسنكلوس.

+ لمّا اجتاح الأتراك القسطنطينيّة عام 1453 كان هو راهباً في مَقدونيا، وكان الشمّاس نيقولاوس مُعاوِناً له. سنة 1454 هرَبَ الاثنان من مرفأ الكسندروبوليس في مَركب خفيف إلى جزيرة لسفوس بعدما وصَلَ الأتراك إلى تراقيا. وصلا إلى "ترمي" واستَقَرّا في دير والدة الإله. هناك تَسَنّى لروفائيل أن يصير رئيساً للدَير وأباً روحياً.

سَنَة 1463 أغارَ الأتراك على الدَير وأسَروا الرهبان فيه. كابَدَ هؤلاء عَذابات جَمَّة نتيجة ذلك. جَرَّرَ الأتراك القِدّيس روفائيل، بعنف، من شعره ولحيته، وبعدما ربطوه إلى شجرة ضربوه بعنف شَديد، ثُمَّ حَمّوا أسلحتهم وطَعَنوه وجَرَّحُوه. أخيراً قَضوا عليه بوَحشِيَّة بالِغَة إذ نَشَروه وفَصَلوا حَنكَهُ عن رأسه. حدث ذلك في التاسِع من نيسان 1463م.

أمّا نيقولاوس الشَمّاس فعُرِّضَ للتعذيب، فلفظ أنفاسه خلال ذلك. ظهر لبعض المؤمنين برِفقَة القِدّيس روفائيل، كما ظَهَر لوحده أيضاً وإبّانَ مَوضِع ضريحهُ حيث وجدوا رُفاته. هذه المُعطَيات كشفها القدّيسان، لاسيَّما القِدّيس روفائيل، لعدد مِن المُؤمنين وقد تطابَقَت رِواياتهم.

بالإضافة إلى هذين القِدّيسين جرى استشهاد فتاة صغيرة إسمها سلام (إيريني)، إبنة شَيخ القرية في ذلك الوقت وإسمه باسيليوس. عمرها كان اثنَي عشر عاماً. قطعوا ذراعها ثم ألقوها في وِعاء فخَّاري وأحرقوها في محضر والدَيها. وقد تمَّ اكتِشاف الإناء الفَخّاري بعدما كَشَفَت هي عنهُ وكَشَفَ أيضاً القِدّيسان روفائيل ونيقولاوس.

إلى جانِب هؤلاء الثلاثة تَمَّت، أيضاً، شَهادة باسيليوس وماريّا والدَي إيريني ومُعلِّم القَرية ثيودوروس. وُجِدَت عِظامهم في مدافِن قريبة من مدافِن القِدّيسين الثلاثة بعد الكَشف عنها بالرؤى.

هذا وقد طلب القِدّيسون الثلاثة روفائيل ونيقولاوس وإيريني أن يُحتَفَل باستشهادهم يوم الثلاثاء بعد الفصح وأن تُرسَم لهم الإيقونات وتُوضَع لهم خِدمة خاصّة. يُشار إلى أنّه بفضل ظُهورات الشُهداء الثلاثة هذه تمّ الكشف، أيضاً، عن إيقونة صغيرة للرب يسوع ونبع ماء. وإنَّ عجائِب وأشفِيَة جَرَت، مذ ذاك، ولا تزال إلى اليوم. ومما كشفته ظهورات القِدّيسين أيضاً أنَّ دير كارياس سبق له قبل زمانهم أن كان ديراً للنساء وأن القراصنة أغاروا عليه سنة 1235م وقتلوا العديد من الراهبات. وقد ورَدَ أنه كانت بينَهُنَّ الرئيسة وإسمها أولمبيا، وهي مَولودة في البليوبونيز، وراهبة إسمها أفروسيني. هاتان إستُشهدتا في 11 أيار سنة 1235م.

شَفاعتهم تكون معنا جميعاً، آمين

Previous
Previous

" شهود وشهداء في الأناضول"

Next
Next

فيديو - رحلة حج للاعلاميين الى دير مار انطونيوس قزحيا- شمال لبنان