هل سمعتم بغزة؟

البروفسور ميشال عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

مضى على حرب غزة، وتشريد وابادة ابناءها، سنة ونصف تقريبا، وما زال العالم يقف متفرجا غير موقن او غير عابئ بهول المأساة التي يعيشها أكثر من مليوني انسان.

صمت مريب اتى بعد محاولات صاخبة قامت بها شعوب من زوايا المعمورة الأربعة، وجرى قمعها وتهديد قيادييها الى درجة زجهم في السجون. نعم، لقد سقطت الديموقراطية وسقطت حقوق الانسان امام امتحان غزة.

صمت مريب امام هول ما يعيشه اهل غزة في مأساتهم اليومية. المشتغلون بالدراسات عن الابادات يعلمون انه بعد القتل المباشر والسريع، يأتي القتل البطيء، الطويل الأمد، الذي يغسل يديهم منه من خططوه ونفذوه. ضع الشعب تحت الحصار فيفنى جوعا وعطشا وبردا او مرضا، ولا من يحاسب ولا من يتهم حتى.

تصلنا يوميا عبر اقنية التواصل، صور عن المآسي التي يعيشها السكان في كل لحظة من يومياتهم واقل ما يقال فيما يصلنا انه مقزز ومهين للنفس الإنسانية. ان تصل الناس الى هذا المستوى من البؤس المدروس والمنظم، فهذه ذروة الوحشية.

اما الامر الذي يدفع الى الانتفاض، فهو وقاحة المشاريع المطروحة والمنوي تشييدها على دماء الأطفال والعجزة وذوي الحاجات الخاصة، وأهالي غزة المشردين والمعرضين للفناء في اية لحظة. سياحة ورفاهية على دماء البشر.

نتساءل اين هيئات حقوق الانسان وكل المتعاطين بالكرامة والخدمات الإنسانية وبكافة شؤون البشر؟ هل اعتاد بصركم على مشهدية المآسي وتعذيب الناس؟ هل اعتاد سمعكم على انين الجائعين وصراخ الموجوعين؟ هل انتفت عندكم المشاعر التي على أساسها نمت كل مؤسسات الخدمات والإغاثة والتنمية؟ هل استحلتم وحوشا بثياب حملان؟

هو العالم يحتفل ويفرح ويمارس كل اشكال البطر والهدر والبذخ، وأطفال غزة لا يجدون قوت يومهم.

انتم يا أطفال غرة شكلتم عار بني البشر! انتم فضحتم النفاق والرياء المستشرين في العالم! انتم وضعتم أصحاب الوعود على المحك وكشفتم زيفهم! في هزال اجسادكم انتم اقوى من جبابرة العالم. قد تسقط اجسادكم، ولكن حقيقتكم قد فرضت نفسها على هذا الوجود.

انتم صمدتم ولستم بمستسلمين مستجدين الحق استجداء!

سوف يسجل التاريخ بطولتكم، يا أطفال غزة وأهلها، بحروف من نور، تبهر ذوي النظرات الخبيثة.

على صورة السيد ومثاله، أنتم تُذبحون وتُصلبون وأنتم على مقربة من جلجلته. على صورة السيد صلبتم وطعنتم بحربة وسقوكم المر. أنتم أبناء ارض المتجسد الذي غير وجه العالم، وها أنتم تسيرون على هداه.

انحني امام بطولتكم، وارثي لجنس بشري تنكر لكم، وأقول لكم ان عين الرب ترى، ولا بد لليلكم ان ينتهي.

إرادة الحياة القوية التي تتمتعون بها، والمعنويات العالية البادية على محياكم، رغم الجوع، هي مخزونكم النفسي للاستمرار، في غياب عالم استقال من قيمه ونزل الى مستوى العجماوات!

Previous
Previous

تذكار القِدّيس الشّهيد في الكهنة أنتيباس أسقف برغاموس (القرن الأول م)

Next
Next

فيديو - مبادرة انسانية محورها مجلس كنائس الشرق الأوسط