قدّاس على نيّة الصحافيّين والإعلاميّين في اليوم العالمي لوسائل الإعلام في كنيسة السيّدة – عمشيت، لبنان 

مجلس كنائس الشرق الأوسط مشاركًا

ترأّس رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام والنائب البطريركي على الأبرشيّة البطريركيّة المارونيّة في منطقة جونيه، سيادة المطران انطوان نبيل العنداري قدّاسًا في كنيسة السيّدة في عمشيت، لبنان، يوم الأحد 12 أيّار/ مايو 2024، على نيّة الصحافيّين والإعلاميّين وجميع العاملين في وسائل الاعلام، لمناسبة اليوم العالمي الثامن والخمسين لوسائل الإعلام، عاونه فيه رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام المونسونيور عبدو أبو كسم، المسؤول الإعلامي في أبرشيّة جبيل المارونيّة الخوري أنطوان عطالله، وخادم الرعيّة الخوري شربل الخوري. 

حضر القدّاس راعي أبرشيّة جبيل المارونية المطران ميشال عون، الرئيس ميشال سليمان، القائم بأعمال السفارة البابويّة المونسنيور جيوفاني بيكياري ممثّلًا السفير البابوي غبطة الكاردينال باولو بورجيا، عضو تكتّل "الجمهوريّة القويّة" النائب زياد الحواط ، النائب السابق ناظم الخوري، نقيب المحرّرين جوزيف القصيفي، مدير المراسم والعلاقات العامة في رئاسة الحكومة لحود لحود، مدير المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهوريّة رفيق شلالا، رئيس الرابطة المارونيّة السفير خليل كرم، رئيس المجلس العام الماروني ميشال متى، قائمقام جبيل بالإنابة نتالي مرعي الخوري، رئيس بلديّة عمشيت أنطوان عيسى، رئيس مجلس إدارة تلفزيون "تيلي لوميير" جاك كلاسي، وفد من مجلس كنائس الشرق الأوسط، رئيسة مركز جبيل في الصليب الأحمر اللّبناني رندا كلاب، الصحافي جوزاف محفوض ممثّلًا المرشديّة العامة للسجون في لبنان المنبثقة من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، وحشد من المؤمنين. 

بعد الانجيل ألقى سيادة المطران انطوان نبيل العنداري عظة تحدّث فيها عن الرسالة الّتي أصدرها قداسة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالمي الثامن والخمسين لوسائل التواصل الاجتماعي بعنوان "الذكاء الإصطناعي وحكمة القلب من أجل تواصل إنساني كامل". وقال: "دأب قداسته على تصويب تعليم الكنيسة في وجه التطوّرات التكنولوجيّة بما فيها الأخبار الكاذبة والأباطيل. وتناول هذا الموضوع في الفترة الأخيرة، أقلّه، في رسائله إلى الهيئة العامة لجمعيّة الأمم المتّحدة، والبرلمان الأوروبي، واليوم العالمي للسلام". 

وفنّد ما جاء في الرسالة: "أوّلًا - كيف يمكن التوصل إلى الحكمة الصحيحة والحقيقية؟ وكيف يمكن ضمان الكرامة الإنسانية؟ إلى جانب تساؤلات عديدة، تثير رسالة قداسة البابا فرنسيس ألمسألة التالية: ما هو الإنسان؟ وما هي خصوصيته؟ وما هو مستقبل الإنسان العاقل في عصر الذكاء الإصطناعي؟ وكيف يمكننا أن نحافظ ونبقى بكل إنسانيتنا في مواجهة وتوجيه التغيير الثقافي الجاري نحو خير الجميع؟ 

ثانيًا: يجب أولا إخلاء الساحة من محتوى القراءات والخطابات الكارثية ومفاعيليها التي تشل العمل إذا ما كنا ننقاد إليها. ويستخدم قداسة البابا ما جاء في دعوة الكاهن والفيلسوف الإيطالي-الإلماني Romano  Guardini  إلى عدم التصلب في المواقف أمام ما هو جديد، ولكنه أطلق تحذيرا نبويا عاجلا في الوقت عينه، وهو يفكر في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، قائلا: مكاننا هو في التطور والمصير. وأن نتكيف مع هذا الواقع، كل واحد في التزام موقعه... 

ثالثًا: يقترح قداسته في هذا العصر الذي يوشك أن يكون غنيا بالتكنولوجيا وفقيرا في الإنسانية، أن نبدأ تفكيرنا إنطلاقا من قلب الإنسان؛ مجهزين فقط بقوة نظرة روحية، وفقط باستعادة حكمة القلب حيث يمكننا أن نقرأ ونفسر ما هو جديد في عصرنا، وأن نكتششف من جديد طريق التواصل الإنساني الكامل. فالقلب بحسب مفهوم الكتاب المقدس هو مقر الحرية وأهم القرارات في الحياة. إنه رمز للإستقامة والوحدة، وهو قبل كل شيء المكان الداخلي للقاء مع الله. لذلك حكمة القلب هي تلك الفضيلة التي تسمح لنا بأن ننسج معا ونجمع بين الكل والأجزاء، والقرارات ونتائجها، وسمو الأفكار وضعفها، والماضي والمستقبل، والأنا والنحن. 

رابعًا: تجد حكمة القلب من يبحث عنها، ومن يحبها يراها ويعمل بها. إنها –أي الحكمة- مع الذين يقبلون النصائح، ومع الذين لهم قلب مطيع، وقلب يصغي، وعطية الروح القدس التي تسمح بأن نرى الأشياء بعيني الله، فنفهم المواقف والأحداث ومعانيها. بدون هذه الحكمة لا طعم للوجود. إنها حكمة القلب بالتحديد التي تعطي طعما للحياة. 

خامسًا: ما هي فرص ومحازير الذكاء الإصطناعي؟ أمام المقارنة بين حكمة القلب والذكاء الإصطناعي، يؤكد قداسة البابا بأنه لا يمكننا أن نتوقع أو نطلب هذه الحكمة من الآلات. فعلى الرغم من أن مصطلح الذكاء الإصطناعي حل اليوم محل المصطلح ألمستخدم في الأدبيات العلمية، وهو التعلم الآلي، فإن استخدام كلمة الذكاء في حد ذاتها أمر مضلل وغشاش. لا شك أن الآلات تتمتع بقدرة هائلة أكبر من قدرة البشر على حفظ البيانات وربط بعضها ببعض، ولكن الأمر متروك للإنسان. وللإنسان وحده أن يشفر أو يفكفك المعنى. وبالتالي لا يتعلق الأمر بمطالبة الآلات أن تبدو مثل البشر، بل بالأحرى إيقاظ الإنسان من التنويم المغنطيسي الذي يقع فيه بسبب هذيان القدرة المطلقة، وهو يعتقد بأنه ذات مستقلة كليا وهو مرجعية ذاته، منفصلا عن كل رابط إجتماعي، ناسيا أنه مخلوق. 

سادسًا: لقد اختبر الإنسان في الواقع بأنه غير قادر على كفاية نفسه ، وحاول أن يتغلب على ضعفه بكل الوسائل. بدأ بالمصنوعات اليدوية في عصور ما قبل التاريخ، والتي استخدمت كامتداد لذراعيه، وصولا إلى وسائل الإعلام المستخدمة كامتداد للكلمة. وقد وصلنا اليوم إلى أحدث الآلات التي تعمل كمساعدة للفكر. ومع ذلك كل واحدة من هذه الأمور والوقائع يمكن أن تلوث بالتجربة الأصلية أو الخطيئة الأصلية، أي الإنسان الذي يريد أن يصير مثل الله، وبدون الله. أي أنه يريد أن يخضع بقوته ما هو عطية تقبلها من الله وعليه أن يعيشها في العلاقة مع الآخرين. 

سابعًا: فالقلب، إذا، يصنع الفرق في استخدام التكنولوجيا والأنظمة. وبحسب توجيه القلب، كل شيء في متناول الإنسان يصير فرصة أو خطرا. وبالتالي فإن أنظمة الذكاء الإصطناعي يمكن أن تساهم في عملية التحرر من الجهل وتسهيل تبادل المعلومات بين مختلف الشعوب والأجيال. ولكن في الوقت عينه يمكن أن تكون أدوات " تلوث معرفي "، وتحريف الوقائع من خلال روايات كاذبة جزئيا أو كليا. ومع ذلك يتم تصديقها كما لو كانت حقيقية. يكفي أن نفكر في مشكلة المعلومات المضللة التي نواجهها منذ سنوات في مسألة الأخبار المزيفة، والتي تستخدم اليوم التزييف العميق، أي إنشاء ونشر الصور والرسائل الصوتية التي تبدو معقولة تماما ولكنها كاذبة. لذلك من الضروري أن نتخذ إجراءات الوقاية اللازمة، وأن نقترح نماذج للتنظيم الأخلاقي، لكي نوقف الاثار الضارة والتمييزية وغير العادلة إجتماعيا لأنظمة الذكاء الإصطناعي. 

ثامنًا: نحن مدعوون، إذا، إلى أن ننمو معا في الإنسانية وبطريقة إنسانية حتى نقوم بقفزة نوعية على مستوى مجتمع معقد، متعدد الأعراق، وتعددية الأديان والثقافات. ومن الضروري أن نتساءل حول التطور النظري والإستخدام العملي لأدوات الإتصال هذه والمعرفة الجديدة. ومن المجدي أن نعرف أن هذه الإمكانيات الكبيرة للخير يرافقها خطر تحول كل شيء إلى حسابات مجردة، فيتحول الأشخاص إلى بيانات، والفكر إلى مخططات مرسومة، والتجربة إلى حالة، والخير إلى استفادة. وأهم ما في الأمر أن ننتهي إلى إنكار فرادة كل شخص وتاريخه، إذ تذوب حقيقة الواقع في سلسلة من البيانات الإحصائية. 

تاسعًا: يمكن ان يساهم استخدام الذكاء الإصطناعي بشكل إيجابي في مجال وسائل الإتصال والإعلام، إن لم يلغ دور الصحافة، بل على العكس إن رافقها، وإن ثمن كفاءة التواصل ألمهنية، وجعل كل عامل في مجالات الإتصالات مسؤولا، وإن أعاد لكل إنسان دور الشخص القادر على نقد التواصل نفسه". 

أضاف: "ويختم قداسة البابا رسالته بتوجيه بعض الأسئلة نذكر منها: أ - كيف نحمي الكفاءة المهنية والكرامة للعاملين في مجال الإعلام والمعلومات؟ ب-كبف نضمن التعاون في العمل في المنصات؟ ج-كيف نتأكد من أن الشركات التي تقوم بتطوير المنصات الرقمية تتحمل مسؤولياتها فيما يتعلق بما تنشره وتستفيد منه، أسوة بما يحدث لناشري وسائل التواصل التقليديين؟ د-كيف نضمن شفافية الإجراءات المعلوماتية؟ ه-كيف نعرف إن كانت الصورة واقعا حقيقيا أم تمثيل؟ و-كيف نتجنب حصر المصادر في مصدر واحد؟" 

وتابع: "عاشرًا - من خلال إجاباتنا على هذه الأسئلة وغيرها سنفهم إذا ما كان الذكاء الإصطناعي يؤدي إلى خلق طبقات جديدة مؤسسة على السيطرة الإعلامية، ويولد أشكالا جديدة من الإستغلال وعدم المساواة، أو، على عكس ذلك، سيجلب مزيدا من المساواة، ويعزز ويدعم إعلاما صحيحا، ويشجع الإصغاء إلى الإحتياجات المتعددة للناس والشعوب. إن الجواب ليس مكتوبا، بل يعتمد علينا. على الإنسان أن يقرر إما أن يصير طعاما للبيانات والخوارزميات وإما أن يغذي قلبه بالحرية وينمو في الحكمة التي تمر عبر القلوب النقية التي ستساعدنا على رص صفوف أنظمة الذكاء الإصطناعي من أجل تواصل وإعلام إنساني بالكامل". 

وتوجّه الى الإعلاميّات والإعلاميّين بالقول: "دعوتنا ورسالتنا، كما هو معلوم، هي احترام ونشر الحقيقة، وهي قاعدة إنجيلية: " تعرفون الحق والحق يحرركم". وتتعاظم الدعوة والرسالة في استعمال وسائل الإعلام وتاثيرها على الرأي العام. ولمجتمعنا اللبناني وكل المجتمعات الحق في إعلام يقوم على الحقيقة والحرية والعدالة والتضامن وبناء السلام. وتقتضي ممارسة هذا الحق أن يكون محتوى إعلامنا، بالوسائل التقليدية أو بواسطة الذكاء الإصطناعي، صحيحا، صادقا، لائقا، مستقيما، دقيقا، محافظا على القواعد الأدبية وحقوق وكرامة الإنسان. إن جمال الحقيقة ينبع من حكمة القلب". 

وختم: "في غمرة هذه الأيام الصعبة والمصيرية نضرع إلى الله مع القديس فرنسيس الأسيزي: " يا رب إستعملني لسلامك، فأضع الحب حيث البغض والحقيقة حيث الضلال". 

وفي نهاية القدّاس قدّم سيادة المطران انطوان نبيل العنداري درعًا تقديريّة لخادم الرعيّة وألقى المونسونيور عبدو أبو كسم كلمة شكر هنّأ فيها الإعلاميّين على دورهم ورسالتهم في نقل الخبر للمواطنين بدقّة وأمانة. 

بعد ذلك انتقل الجميع الى صالون الكنيسة لشرب نخب المناسبة. 

Previous
Previous

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط د. ميشال عبس يحاضر في الاجتماع السنويّ 

Next
Next

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط د. ميشال عبس يشارك في لقاء وداعي للسيّدة باتي تالبوت