طرائق عمل الكنيسة في بناء السلام – ١
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
تجذر السلام في المسيحية
لقد سمي يسوع ملك السلام لأنه اختار أن يكون فداء عن خطايانا لمصالحة البشر مع الله. لقد أصلح علاقتنا المنكسرة مع الله ورممها حتى نتمكن من نيل السلام. إن تلقي هبة الحياة الأبدية من يسوع يعيد سلامنا مع الله ويسمح لنا أن نحب الآخرين كما يحبنا الله، وبالتالي يتم استعادة علاقتنا مع الآخرين أيضًا. لذلك، أصبح هو الطريق الذي يتصالح به البشر مع الله ويحصلون على السلام مع أنفسهم أولاً قبل أن يحصلوا عليه مع البشر الآخرين.
هذا هو أساس السلام في الكنيسة.
بهذه الطريقة نصبح صانعي سلام، كما يُدعى يسوع ربنا ملك السلام – وهو، بفعل ذلك، يضع مسؤولية تاريخية على المسيحيين والكنيسة.
في الوقت نفسه، يطمئن يسوع المؤمنين: "لقد كلمتكم بهذا ليكون لكم سلام. في الدنيا ستواجهون المحن؛ ولكن ثقوا، أنا قد غلبت العالم.» — يوحنا ١٦:٣٣
كون المسيحية إيمان المحبة، فإن منهج السلام القائم على الإيمان يجد جذوره في تعاليم يسوع المسيح وأفعاله، التي أساسها المحبة. هذه هي الطريقة التي يمكنها بها أن تحدث فرقًا في العالم، لأنه، كما ثبت عبر تاريخ البشرية، لا شيء أقوى من المحبة.
الكنيسة في بناء السلام
في بناء السلام، الكنيسة مدعوة إلى استخدام ميزتيها التفاضليتين، مما يعني ان الطرائق المعتمدة هي ثنائية الأبعاد:
أولا عبر الكلمة: الكنيسة مدعوة الى استخدام "الكلمة": "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" (يوحنا 1: 1). الكلمة هي المجال الذي تكون فيه الكنيسة فعالة: الكلمة التي تشفي، الكلمة التي تطمئن، الكلمة التي تبارك، والكلمة التي تربي، على أساس "المحبة" في مفهومها المسيحي.
ثانيا عبر الممارسة: الطريقة التي تُعاش بها "الكلمة" في العالم. يشمل ذلك العمل على جميع المستويات الاجتماعية، من المعيشية إلى الطبية، إلى التعليمية، إلى المجالات التنموية. إنها الطريقة التي تتجسد بها "الكلمة" من خلال الممارسة التطبيقية.
ان المسيح الذي جاء لخلاصنا، أطعم الجياع، أعان المعوزين، شفى المرضى، حمى المستضعفين، علم الشعب، وأعاد الاعتبار للمرأة الزانية.
الكلمة: "الكلمة والخطاب والعقل" وتشمل الابعاد التالية:
1- تعزيز ثقافة السلام بين المؤمنين والمواطنين:
كما ذكرنا في البداية، على المسيحيين أن يكونوا في سلام مع الله ومع أنفسهم ليكونوا أدوات سلام الله كما يقول القديس فرنسيس الأسيزي. يتحقق ذلك من خلال التعليم المسيحي الصحيح والفهم الصحيح للإيمان المسيحي. مدارس الكنيسة، وكذلك الأبرشيات والمنظمات الكنسية المختلفة هي القنوات لتحقيق ذلك.
هذا السلام الداخلي والمصالحة مع الفادي يمكن أن "ينتقل" الى العديد من فئات المجتمع غير المسيحية، الذين يحتفظون بدينهم الأصلي. يمكن أن يصبح هذا النمط من السلوك سمة اجتماعية وثقافية.
2- تعزيز الحوار بين كافة فئات المجتمع
الكنيسة مدعوة لأن تكون البادئ والداعم لمبادرات الحوار مع مختلف فئات المجتمع: الدينية، العرقية، الاجتماعية، الثقافية، الديموغرافية، وغيرها. ويجب أن تكون مواضيع الحوار هي التي تهم المجتمع في حياته اليومية كما حياته على المدى الطويل: القضايا الملحة.
الحوار وسيلة، وهو، في الوقت نفسه، هدف بحد ذاته:
- هو وسيلة للتوصل إلى حلول حول قضية اجتماعية مهمة واساسية.
- هو هدف اذ انه ينمي ثقافة الانفتاح، ويحقق التقارب بين الجماعات، كما ينمي المعرفة.
ليس من المفترض دائما أن يؤدي الحوار إلى قرار ما. الهدف هو أن يستمر الحوار وهو بالتالي يقلل من العداء بين الناس والجماعات، ويحد من خطاب الكراهية والتنميط وابلسة الآخرين.
3- تنمية المعرفة ومحاربة الجهل والتعصب
من خلال الهيئات التعليمية التابعة للكنيسة تتطور المعرفة وينحسر الجهل.
إن المؤسسات التعليمية التابعة للكنيسة فاعلة وواسعة النطاق. تعد المدارس والجامعات والمراكز الثقافية ووسائل الإعلام ودور النشر وغيرها، وسائل أساسية لتعزيز المعرفة في المجتمع. لذلك، فان الكنيسة مدعوة لاستخدامها كقنوات معرفية. إضافة الى ذلك، ان الكنيسة مدعوة أيضًا إلى إدراج تعليم السلام في المناهج الدراسية، من المدرسة إلى الجامعة.
4- وسائل الإعلام التابعة بالكنيسة
أثبتت وسائل الإعلام المرتبطة بالكنيسة فعاليتها في الشرق الأوسط، وكذلك في جميع أنحاء العالم. تحظى محطات التلفزيون والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي بأعداد متزايدة من المتابعين. وقد أثبتت هذه الأدوات أنها أدوات قوية للتأثير على الناس، مسيحيين وغير مسيحيين، من خلال نشر الكلمة الطيبة. إنها تشكل القنوات اللازمة لتعزيز جميع أنواع الأنماط السلوكية والتأثير على الرأي العام في العديد من القضايا الحاسمة. والكنيسة مدعوة لاستخدامها لتعزيز ثقافة السلام كجزء من عملية بناء السلام.
يتبع جزء ثاني...