الأكت ألليانس، مجلس الكنائس العالمي، ونحن

البروفسور د. ميشال عبس

امين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط

شهد العالم، منذ بضعةِ أيامٍ، حدثا مسكونيا إنسانيا، تنمويا، وثقافيا بامتياز، هو انعقاد الجمعية العامة الرابعة لمؤسسة أكت ألليانس، واسمها يعني بالعربية "رابطة الكنائسِ تعمل معاً".

والأكت ألليانس ومجلس الكنائس العالمي، تشكلان القطبان الدوليان للحركة المسكونية في العالم، اذ بينما تضم الأولى الى عضويتها ما يفوق الثلاثمئة وخمسين كنيسة تعتنق المسكونية، تضم الثانية الى عضويتها ما يفوق المئة وخمسين هيئة تنموية مسكونية تابعة للكنائس المشارُ اليها.

تعتبر هاتان المؤسستان من أكثر منظمات العالم التصاقا واهتماما بالقضايا الإنسانية، من حقوق الانسان الى التنمية، مرورا بالدفاع عن كافة القضايا المحقة في العالم. ان تاريخَهُما مرصعٌ بإنجازاتٍ على كل الصعد، وتشكلان نموذجا يقتدى للمؤسسات العاملة في هذا المجال. إضافة الى ذلك، فان موقف المؤسستين من كافة القضايا الإنسانية الشائكة يشكل فخرا للكنائس الأعضاء.

نحن، في مجلس كنائس الشرق الأوسط، نُعتبر مؤسسةً مسكونيةً إقليمية، اذ اننا نغطي منطقة محددة وليس كل العالم كما هو حال الأكت ألليانس ومجلس الكنائس العالمي، وكنائسنا أعضاء في هاتين المؤسستين.

لا بد لنا ان نشير هنا، ان مجلسنا الشرق-اوسطي هو على علاقةٍ وثيقةٍ مع هاتين المؤسستين العالميتين، وان التنسيق بيننا هو على أفضل ما يكون، كما تسود علاقاتَنا المودة والاحترام. نحن في شراكةٍ دائمةٍ معهما بحكم عضوية كنائسنا والرابط الذي جمعنا منذ التأسيس.

ولكن العلاقة بيننا ليست فقط مؤسسية، بل هي ايمانيةٌ أيضا بحكم ايماننا المسيحي الواحد، وارتباطِنا المسكوني الذي لا يزعزعه شيء.

هناك طبعا مصالحَ يجري تأمينُها للمنطقة، اكان من ناحية تمويل المشاريع، او تأمين التشبيك والاتصالات، او التزويد بالكفاءات الانسانية، ولكن الرابطَ الفعليَ يبقى الرابط الايماني الذي يجعلنا نشعرُ ونعملُ على اننا واحد. البعدُ المادي موجودٌ، انما هو ترجمة للرابط الايماني المعنوي الذي يجمعنا.

انه لامر يبعث الى الاطمئنان في النفس ان تشعر أنك جزء من عائلةٍ متراميةِ الأطراف، هي العائلة المسكونية، الفاعلة في المجتمع الدولي، كما في المجتمعات التي تنتمي اليها الكنائس والمؤسسات الأعضاء. إنك تشعر أنك تنتمي الى قضية عظمى هي توحيد بيعة السيد وخدمةِ من تجسد لأجلهم.

في الجمعية العامة الرابعة ل أكت ألليانس، التي عُقدت في اندونيسيا بين 28/10 و01/11 2024، كان مجلس كنائس الشرق الأوسط حاضراً بكل قدراته عبر زملاءٍ أعضاءَ في فريق العمل، عبر أعضاءٍ في لجان المجلس، وعبر الكنائسِ الأعضاء، وقد انتُخب أحد الكوادر العليا في المجلس عضوا في مجلس إدارة الأكت ألليانس، وهذا مؤشر للعلاقة الوثقى التي تربط المجلس بكلتا المؤسستين، والمستندةِ على المصداقيةِ التي يتمتع بها المجلس في الأوساط المسكونية العالمية، كما على الشفافية والثقة في التعامل مع هاتين المؤسستين.

لقد اشترك مندوبو المجلس بكافة النشاطات التي نُفذت خلال هذا الحدث، من جمعية الشباب العامة، الى الجمعية العامة للأكت ألليانس، الى كافة الأنشطةِ الأخرى، كما أجرى مندوبنا الى الجمعية العامة للشباب، وهو من دائرة التواصل في المجلس، عدة مقابلات، خصوصا مع الصديقين العزيزين السيد رودلمار بوينو دي فاريا، امين عام الأكت ألليانس، والقس البروفسور جيري بيللاي، امين عام مجلس الكنائس العالمي، وهما قائدين بارعين لمؤسساتهم، وغيرَهما، وهذه المقابلات هي بصدد التوليف تحضيرا لنشرها.

ان التفاعل الإيجابي بين الأكت ألليانس ومجلس الكنائس العالمي والمجالس المسكونية الإقليمية، ومنها مجلس كنائس الشرق الأوسط، يُظهر بوضوح كم ان الحركة المسكونية حول العالم متماسكةٌ، وكم ان قيمها وتطلعاتِها تزداد رسوخا يوما بعد يوم، مؤشرين الى توق المسيحيين نحو الوحدة في الشهادة لرسالة السيد الخلاصية. لقد أصبحت مؤشراتُ الشراكةِ المتقدمةِ، والوحدة في بعض الأحيان، ظواهرَ واضحةً في مسار المسكونية حول العالم، وهي أعمقُ بكثيرٍ من مؤشرات الفُرقة او الانقسام. هنا، لا بد لنا ان نسطر بحروف من نور دور هاتين المؤسستين العالميتين المباركتين في هذا المسار الطويل الأمد الذي يتطلب الكثير من التضحية والصبر.

يتابع مجلس كنائس الشرق الأوسط مسيرته التي اصبحت في عامها الخمسين، بالتنسيق مع هاتين المؤسستين العالميتين، التين تعتبران علامة فارقة في تاريخ المسيحية الحديث، كما تتابع المسكونية طرح تحديها على من يريد الامعان في رسالة السيد تقسيما اوشرذمة، لانه اوصانا "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي." (يو 17: 21)، وكما شدد الرسول بولس في رسالته الى اهل كورنثوس "وَلكِنَّنِي أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنْ تَقُولُوا جَمِيعُكُمْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلاَ يَكُونَ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٌ، بَلْ كُونُوا كَامِلِينَ فِي فِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ،" (1 كو 1: 10).

ان الحالة التي وصلت اليها البشرية اليوم، والدرك الذي انحدرت اليه حضارة الحداثة، ووضع انسان الحداثة المأزوم، يشكلون اسباباً كافيةً لان نتحد في دفاع مستميت عن مصير بني الانسان، لان رسالة السيد المتجسد، ومسراه وقيمه هي الوسيلة الوحيدة لإنقاذ الإنسانية التائهة في غياهب الضلال.

ان التحدي لكبير، ولكن أرادة المؤمنين تبقى اقوى.

Previous
Previous

مومنتوم، أسبوعيّة إلكترونيّة من مجلس كنائس الشرق الأوسط

Next
Next

البروفسور د. ميشال عبس مشاركًا في اجتماع الأمناء العامين الإقليميّين بدعوة من مجلس الكنائس العالمي