موسم الخليقة والطيش البشري
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
هذا الأسبوع، في بداية شهر أيلول/سبتمبر، يبدأ موسم الخليقة ويمتد حتى الرابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر، حيث يُختتم الموسم بلقاء مسكوني موسّع في احتفالية لا تقل بهاء عن احتفالية الانطلاق.
لقد دخل هذا الموسم الكنسي الى الروزنامة المسكونية السنوية، انطلاقا من جهود مسكونية دولية، ووصل الى عندنا، في الشرق الأوسط، عبر مجلس كنائس الشرق الأوسط، منذ ثلاثة سنوات استمرت خلالها النشاطات المرتبطة به بالتوسع حتى أضحت تشمل كل دول المنطقة.
في هذا السياق، لا بد لنا ان نذكر ان المجلس هو المحرك لأنشطة هذا الموسم المسكوني الهام، عبر الدوائر المعنية وبواسطة القيمين المباركين عليها، وحكما عبر الكنائس الأعضاء التي لم تتأخر يوماً عن تقديم كل التسهيلات المطلوبة للنشاطات المسكونية.
في هذا السياق أيضا، لا بد لنا ان نذكر ان الخلوة الفصلية التي يعقدها فريق عمل المجلس على الصعيد المركزي والتي صدف ان تكون في اول يوم من موسم الخليقة، سوف تتمحور حول الهم البيئي من منظور خليقة الخالق التي جعلها للإنسان واحتضنه فيها، اكان من ناحية الصلوات ام من ناحية التأمل والتفكير. سوف يحاضر وينسق ندوات هذه الخلوة خدام من الكنيسة معنيون او قد تخصصوا في هذا الموضوع.
لا بد لنا أيضا ان نشير الى ان المؤتمر الذي عقدته، الشهر الماضي في القاهرة، رابطة كليات ومعاهد اللاهوت في الشرق الأوسط، المنبثقة عن المجلس، قد تمحور أيضا حول الشأن البيئي، وقد طرحت فيه أفكار غنية جدا كما صدرت عنه نتائج تبشر بالخير بالنسبة الى عمل الكنيسة ومعاهد اللاهوت في المجال البيئي في الشرق الأوسط.
اما في المرحلة القادمة، وتحديدا في الرابع والخامس من شهر تشرين الأول/اكتوبر، فسوف يعقد المجلس مؤتمراً حول البيئة والتغير المناخي في جامعتي الروح القدس-الكسليك والقديس يوسف في بيروت بمشاركة دولية ومحلية علمية رفيعة المستوى.
الهم البيئي هو إذاً في صلب عمل المجلس والكنيسة التي لم تبخل على هذا المجال بالخبراء والمتطوعين.
الهم البيئي!
نعم، لقد أصبحت البيئة هما يؤرق المعنيين الواعين لواقع الأمور ومألها على الصعيد البيئي، اذاً الحياتي، بينما ينام، قريري العين، المستفيدون غير المسؤولون لا عن البيئة ولا عن مستقبل الأجيال التي سوف ترث بيئة معطوبة متضررة لا تصلح للحياة البشرية، عكس ما تاقت اليه كل المحاولات التي هدفت في العقود الثلاثة الماضية الى إرساء سياسات التنمية المستدامة.
بعد ان وصل البيئيون خلال العقود الماضية الى مواقع متقدمة في صنع القرار في العالم الصناعي، نجد نفس تلك الشعوب تغير أولوياتها لمصلحة الاستثمار وحسر البطالة وزيادة فرص الاستخدام.
كان من الواضح منذ تسعينات القرن الماضي، ان في العالم مرجعيات اقتصادية سياسية غير معنية بالبيئة، مقابل من كان يستميت في الدفاع عنها. تجد الناشطين البيئيين حاملين تقارير ومشاريع ومقترحات شتى، يجوبون بها مكاتب المرجعيات السياسية والاقتصادية، يحاولون إيجاد مجال للعمل بموجبها، بينما لا يجدون سوى تجاوب محدود، قد لا يتجاوز الكياسة او المجاملة، والتسويف أحيانا.
هناك من يتعامل مع الكوارث البيئية الزاحفة على البشرية وكأنها ترف يمكن اعتماده او غض النظر عنه. اما المتخصصون في هذا المجال، والناشطون فيه، فيمكننا تسميتهم بالأبطال والمناضلين، فهم يعملون بلا كلل ولا ملل، يطرحون الصوت عالياً، لعل من يسمع.
اما بالنسبة الى التشريعات البيئية، والمؤسسات المعنية بتطبيق هذه التشريعات، فان قدراتها وسلطاتها تبقى محدودة بالنسبة الى قوة من يفسدون البيئة المتحكمون بالقرار الاقتصادي والسياسي.
اما البرامج التي تعنى بنشر الوعي البيئي، اكان عبر المناهج الدراسية او عبر حملات التوعية، فهي غير كافية وقدراتها محدودة ولا مجال للمقارنة بين فعاليتها وفعالية الإعلانات التي تروج لما يفسد البيئة. لذلك نشهد انعداما شبه تام للوعي البيئي في بعض مناطق العالم، ويتفاوت هذا الوعي بين بلد وآخر او منطقة وأخرى، او فئة اجتماعية وأخرى.
منطلق الكنيسة، والمجلس طبعا، ان ننقل الوعي البيئي من الحيز العلمي الأرضي البحت الى الحيز الإلهي، وان نقول للناس انكم مسؤولون الحفاظ على الخليقة، هبة الخالق، الهيكل الذي صنعه الرب من اجل حياتكم ونمائكم وإبقاء هذه الخليقة كما هي، ومنع الضرر عنها، لا بل تحسينها قدر المستطاع. الكنيسة تسأل المجتمع: ماذا فعلت بهبة الخالق؟ ماذا فعلت بالأمانة التي سلمك إياها وسخرها لك ولتجويد حياتك يوم وضعك على هذه الأرض؟
ان الاستهتار البيئي، الناتج عن طيش البشرية وجشعها، أصبح التعامل معه يتطلب تحريك العنصر الايماني لكي يدعم العنصر العلمي. ان هذا الطيش في التعامل مع الطبيعة، ومنطقة المشرق الانطاكي قد شهدت تدميرا ممنهجا لبيئتها، يستوجب وضع الناس امام مسؤولياتها الايمانية اذ لم تعد المسؤولية العلمية-الحقوقية تكفي لردع المستهترين.
ان ادخال العنصر الايماني في الدفاع عن البيئة يجعل إلحاق الضرر بها يرقى الى مستوى الخطيئة.
وآخر الدواء الكي!