حرية الصحافة وشهداء الكلمة

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

اليوم، الثالث من أيار/مايو، هو اليوم العالمي لحرية الصحافة كما أعلنتها منظمة الأمم المتحدة في العام 1993، مما يعني ان السنة هي الذكرى الثلاثين لإطلاق هذا الإعلان.

تعتبر الأمم المتحدة، في صفحتها المخصصة لهذه المناسبة، انه، خلال العقود الثلاثة التي مرت منذ الإعلان عام 1993، قد حصل تقدم "ﻓﻲ ﻣﺟﺎل ﺗﻣﻛﯾن اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ اﻟﺣرة وﺣرﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾر ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ أﻧﺣﺎء اﻟﻌﺎﻟم"، خصوصا ان التطور التكنولوجي قد ساهم ودعم هذا المنحى نحو الحريات. ولكن، تعتبر منظمة الأمم المتحدة ان " ﺣرﯾﺔ اﻹﻋﻼم وﺳﻼﻣﺔ اﻟﺻﺣﻔﯾﯾن وﺣرﯾﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾر" يتعرضون "للهجوم ﺑﺷﻛل ﻣﺗزاﯾد، ﻣﻣﺎ ﯾؤﺛر ﻋﻠﻰ إﻋﻣﺎل ﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن اﻷﺧرى".

وتتطرق المنظمة الأممية في الصفحة نفسها، الى الازمات الاجتماعية التي تعصف بالبشرية والى الظلم المستشري في العالم، والى ترافق ذلك مع موجات كبيرة من التضليل، مما ينعكس سلبا على العمل الديموقراطي.

وفي امكنة أخرى من الصفحة المتخصصة، تشدد منظمة الأمم المتحدة على اعتبار الصحافة مفتاحا لكي تتمتع البشرية بجميع حقوق الانسان الأخرى.

انطلاقا من هذه النقطة، لا بد لنا من ان نذكر، وقد مضى عشرة أيام على ذكرى بداية المجازر الأرمنية التي بدأت في 24 نيسان/ابريل، كما نحن على مسافة ثلاثة أيام من عيد الشهداء، 6 أيار/مايو، في لبنان والشام، وفي كلتا الحالتين كان جل الضحايا من الصحفيين والكتاب الذين اعدمتهم السلطنة العثمانية.

يوم السادس من أيار هو عيد الشهداء في لبنان، وقد سمي لاحقا عيد شهداء الصحافة، كما هو عيد الشهداء في الشام.

في ذلك اليوم من العام 1916، أعدم حاكم بلاد الشام في ذلك الحين، والذي لقب بجزّار الشام، 21 كاتبا وصحافيا ومثقفا من منطقة المشرق الانطاكي، وكان قد سبق ذلك، اعدام 10 اشخاص قبل سنة تقريبا.

انها دوما الكلمة!

الكلمة تزعج، لأنها نور، والنور لا يحبه أبناء الظلمة!

ترى أصحاب الكلمة، ذوي الضمير الحر والمنطق الصريح، يواجهون بصدورهم الطغاة والظالمين، ويرتد هذا الامر عليهم ويلات!

الكلمة مفتاح الوعي، ومن يقولها يكون قد فتح سبل الوعي للناس، الذين يقرؤون ويسمعون.

الكلمة وسيلة الكرازة، سبيل تغيير العقول، وبث الوعي وارشاد العامة الى سواء السبيل.

حاول الطغاة خنق الكلمة بشكل متكرر في التاريخ، لكنهم لم يفلحوا، اذ لا شيء يعيق السيل الهادر، وفي النهاية تنتصر الكلمة.

المثقفون والمفكرون، وهم عادة من الكتاب والصحافيين، كونهم منتجين للكلمة التي توقظ العقول، يشكلون الخطر الأكبر على الطغاة والفاسدين، لذلك يكونون في صدارة من يفتك بهم الطاغية الفاسد.

منذ ان تجرع سقراط السم، الى سارو ويوا، الكاتب النيجيري، الى الذين يقتلون كل يوم في بلادي كما في العالم بسبب الكلمة، المسار واحد، اسمه الشرف والصدق والوعي.

ليس صدفة ان "في البدء كان الكلمة"، كما ان السيد عندما قال لتلاميذه ان "اذهبوا وبشروا جميع الأمم" انما كان يعول على الكلمة!  

Previous
Previous

متحدون في الصلاة

Next
Next

د. بيتر مكاري ووفد من