عيد البشارة ووحدة الانسان في مريم
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
في الرابع والعشرين من آذار من كل عام، تحتفل الكنيسة بعيد البشارة، بشارة سيدتنا مريم العذراء، والدة الاله، والدة الانسان، والدة المؤمنين.
يشكل فعل البشارة بحد ذاته حدثا فريدا في مسار الايمان المسيحي كما في مسار الخلاص البشري، حيث ان الرب اختار أمته مريم من بين كل نساء العالمين لكي تحمل في احشاءها الطفل الذي سوف يحمل خطايا العالم.
كم هو عظيم فعل البشارة وكم كانت عظيمة تلك اللحظات، حين حضر ملاك الرب الى مريم، وأعلن لها انها سوف تكون والدة الاله، والدة المخلص.
لا يستطيع عقل ولا تستطيع كلمات ان يصفوا ما قد يكون قد اختلج في قلب ونفس مريم من مشاعر وهي تعتلي مسار القداسة.
انها المختارة التي سوف تعطي العالم ما لم يمل من انتظار قدومه منذ الفيات عدة.
كم انت وديعة وحكيمة يا مريم لكي يختارك الرب وسيطة لقدوم المخلص الى العالم!
كم انت جميلة يا مريم، يا امي، يا ام الله، يا مُحبة، يا راقية، يا من تلف بدفئها برد العالم!
منذ ذلك الزمان والاجيال تقدسك وتتعبد لك وتكرس نفسها على اسمك القدوس!
انت شفيعة الإنسانية المعذبة، ولكنك شفيعة لبنان المدمى الذي ما فتئ ينزف منذ عقود.
انت الرمز الوحيد الذي لم يختلف عليه اللبنانيون، الذين يختلفون على كل شيء.
على اسمك اجتمع اللبنانيون، وحول بشارتك يتحلقون كل سنة في يوم الخامس والعشرين من شهر آذار، شهر الربيع، شهر الام.
لقد حول اللبنانيون هذا اليوم مناسبة وطنية في البداية، ومن ثم أصبح عيدا وطنيا، تحتفل فيه المؤسسات المعنية بعيدك، عيد بشارتك التي لا ولن يختلفوا حولها.
في هذا العيد يجتمع اللبنانيون، على مختلف مسمياتهم الدينية، في دور العبادة، ويرتلون مريم وبشارتها التي كانت بداية الزمن الخلاصي.
على اسمك يا مريم تجتمع الاضداد والمتناقضات والمتنافرات، في حالة اجماع ايماني ووطني عز نظيره.
انت الرمز الذي يجمع البشر، ويؤالف القلوب ويجعل التأخي بين الناس امرا بديهيا.
انت رمز الام، وقد اختصرتِ كل ما تحمله الامومة من مزايا وصفات.
الترانيم والاناشيد والاغاني التي اجترحها الابداع البشري لكي تصف مزاياكِ وصفاتكِ، لم تفي بالغرض حتى اليوم.
كل ما قيل قليل، كل ما أنتج يسير، لان صفاتك تملأ الكون.
بشارتك أضحت رمزا لبشارة كل ام بمولود جديد تأتي به الى العالم.
الوعد الذي قطعته للعالم بمجيء المخلص استحال وعدا بكل مخلوق جديد يحل في العالم، لان الباري قد خلقنا على صورته ومثاله.
الوعد الأهم هو ان تتماهى كل ابنة تأتي الى العالم مع مريم، في قدوتها وصبرها وصلابتها وعزتها.
الوعد هو ان يعطي المجتمع للمرأة حقها، وان يعترف لها بمكانتها، على صورة السيدة التي انجبت المخلص، وان يوقن انها هي الشريك الأساسي والاولي في بناء المجتمع عبر منظومة قيمه، وان على يديها تترعرع العظيمات ويترعرع العظماء.
يا مريم الام، يا مريم البشارة، يا نبع المحبة والحنان، انت القادرة على توحيد الانسان وثنيه عما تسوغه له نفسه الحاضرة دوما للسقوط!
مباركة لك بشارتك، لأنك عبرها قد بشرتي العالم!