تأملات في الزمن الصعب

على هامش الزلزال في شمال المشرق الانطاكي

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

لا يستطيع المراقب العادي، كما المحلل الاجتماعي والنفسي، إلا ان يلاحظ ردود فعل الشعوب والدول والناس، إزاء ما يجري من اعمال انقاذ واغاثة في شمال مشرقنا الانطاكي، حيث حصل الزلزال، في دولتين جارتين، تركيا وسوريا.

ان التقارب العفوي الذي ظهر بين الناس، كما بين الشعوب والدول، جدير بالتوقف عنده لما يحمله من وعود إنسانية وسلامية تبشر بالخير لمستقبل البشرية.

لن ندخل في التسميات، لان الجميع يراقب ويرى، ويوقن حكما عما تنكلم.

في الملمات تظهر معادن الناس ويطفو رقيهم على سطح الاحداث، وتبرز طيبتهم الى الملأ، وهذا ما نريد تسطيره في هذه المقالة.

لقد نسيت الدول، والشعوب المتخاصمة، او تناست، او وضعت جانبا، الخلافات والنزاعات بين بعضها البعض، واندفعت بشكل تلقائي تقدم ما استطاعت من مساعدات عملانية وعينية ونقدية الى المجتمعات المتضررة.

ان هذا التصرف يتماشى مع التوجهات الإنسانية التي ما زالت المرجعيات الروحية والإنسانية والأخلاقية، الاهلية والفكرية، تحاول تعميمها عبر العالم، لعقود خلت، وهي، ان تدل على شيء، فإنها تدل على ان التوجيه والتربية والمناصرة للتصرفات الحميدة قد فعلوا فعلهم.

مشاركة الانسان مأسيه، ومد يد العون اليه عند الصعوبات، وتناسي العداوات، والتركيز على العمل الطيب، المترافق مع الكلمة الطيبة، هم أرقى ما يمكن ان يمارسه الانسان في عصر المعرفة والعلم والتنوير والمناقب التي يجب ان ترافق كل ذلك.

لا يمكننا، في هذا السياق، الا ان نثني على هكذا منحى في التصرف وان نعتبر انه النموذج الذي يتوجب على كل الشعوب والحضارات ان تقتدي به، في كل زمان ومكان وتحت كل الظروف.

ان الوقوف الى جانب الضعيف، او المنكوب، هو واجب إلهي انساني بامتياز، وهو معيار التقدم الحضاري والايمان الديني.

والعكس صحيح. ان الاستقواء على الضعيف والتنكيل به، واستغلال وضعه الهزيل، هم أسوأ ما يمكن ان يمارسه انسان بحق انسان آخر. لقد شجبت ذلك الوصايا السماوية والمواثيق الدولية وترذله القيم الاجتماعية والثقافات الشعبية.

لقد خلقنا الرب بشرا متساوين في الكرامة والقيمة، وعلينا ان نبر بإرادته لكي نظهر كم اننا جديرين ان يمنحنا الحياة ومقومات البقاء.

لا شك ان هذه التصرفات التي، اقل ما يقال عنها انها راقية، ومثال في الاخلاق والإنسانية، سوف تؤدي الى الكثير من الإنتاج التوثيقي والإعلامي وسوف يكتب عنها الكثير، ونحن على يقين انها سوف تبني مرحلة جديدة من العلاقات بين الناس، نتمنى على الدول وراسمي السياسات صيانتها عند ادارتهم لمصالح شعوبهم.

لا يسعني، في نهاية كلمتي الا ان اذكّر بكلام السيد المتجسد حين قال لهم:
الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم"

(مت 25 : 40)

Previous
Previous

متحدون في الصلاة

Next
Next

مجلس كنائس الشرق الأوسط ينفّذ المرحلة الثانية من برنامج الشّفاء من الصّدمات والمشورة الروحيّة