ذلك الليل الطويل

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

تقديم الندوة السابعة عشرة حول غزة

بادئ ذي بدء لا بد لي ان اسر اليكم أنى استعرت عنوان مداخلتي الليلة من عنوان كتاب لصديقي، ابن بلدة الناعمة في ساحل الشوف، الاديب والشاعر والاستاذ الراحل محمد يوسف حمود، خريج كلية الشريعة في بيروت واحد الاعمدة الفقرية للمكتبة الوطنية في لبنان، لسبب وحيد، هو اني لم اجد افضل من هذا العنوان لوصف حالة الشعب الفلسطيني، الذي طال ليله اكثر من طاقة البشر على الاحتمال.

مهما طال الزمان، لن ينسى الزيتون غارسه، ولا الحقل فاتح اثلامه، ولا الحجر من قصّبه ولا الثقافة من أبدعها.

خمسة وسبعون عاما وشعبنا في فلسطين يرزح تحت حكم التمييز العنصري والطغيان والاضطهاد والاقتلاع ومصادرة المنازل واحتلال الاحياء وتزوير الأوراق، إضافة الى الاعتقال والاخفاء اقسري والتعذيب والقتل.

كم من قلوب احترقت خلال ثلاثة ارباع القرن هذا، وكم من اسرة تفككت وكم من ناس تركت الأرض وهاجرت وكم من اسر لجأت الى المخيمات في وطنها؟ يا لها من غربة وقهر ووجع ان تكون على قاب قوسين او أدنى من منزل اجدادك وتُحرم السكن فيه لان أحد شذاذ الافاق احتله بقوة السلاح، مدعوما من كيان مفترض يعتبره الغرب أحد واحات الديموقراطية والحريات في بلاد العُرب.

من يطلع على مجريات الحياة اليومية للفلسطينيين، يوقن كمية القهر والاذلال التي يكابدها الفلسطينيون من جراء الصعوبات التي تخلقها قوى الاحتلال والعراقيل التي تضعها في طريق مساعيهم الحياتية.

اما اليوم، ومع ما يجري في غزة، يستذكر الناس كل المجازر التي ارتكبها الاحتلال والذي جعلها أساسا لكيانه، كذلك الاجرام الذي يمارسه بشكل يومي حتى لأصبح ملازما لحياة الفلسطينيين.

كل ذلك يجري على الأرض المقدسة التي تجسد فيها السيد، ونشر رسالته، وظلم وحوكم وصلب ومن ثم انتصر على العدم.

ان الذي يجري في غزة قد وصفناه في البيان الذي وزعناه صباحا في مجلس كنائس الشرق الأوسط، لذلك لن نعيد وصفه من جديد، بل سوف نستمع الى شرفاء، رفضوا ان يكونوا كالشيطان الاخرس، فوظفوا فكرهم وقيمهم في مناصرة قضية شعب ما زال صامدا في وجه الظلم، يقاوم المخرز بالعين ويتحمل شظف العيش وهو متمسك بأرضه وتراثه.

نسأل أنفسنا كل يوم، اين هم شرفاء العالم واحراره لا يصرخون في وجه الظلم والاضطهاد؟ لماذا ينتصر التضليل الإعلامي الذي يمارسه اعلاميون مأجورون على الحقيقة؟ لماذا لا يصدق الناس من يقول لهم حقيقة ما يجري على ارض فلسطين؟ هل أصبحت الحقيقة مقتصرة على ما تذيعه وسائل الاعلام؟ الجميع يعلم من يسيطر على الاعلام في العالم ومن يحسن توليف الصور والمشاهد الحية وتزويرها.

هل أصبح المجتمع الدولي اصم تجاه انين الأطفال وبكاء الحزانى؟ والغرب المسيحي اين هو من كل ذلك؟ هل نسي ان المسيح قد اوصاهم بهؤلاء؟ هل أصبح بريق النفط والغاز أفضل من بهاء آيات الانجيل؟

هل أصبحت مصانع الأسلحة والذخائر تملي على البشرية قيمها؟

انها لعودة الى بدائية ظنناها قد افل زمانها، ولكن يبدو ان الجنس البشري باق على حاله مع بعض الزخرفة او بعض من الأقنعة.

أيها الحضور الكرام،

شكرا لكم جميعا، إكليروس وعلمانيين، قبلتم دعوتنا خلال ساعات، ولبيتم نداء الضمير والانتماء بشجاعة، فأتيتم تشهدون على قضية شعب سوف يسجلها التاريخ بأحرف من نور.

شكرا لكونكم منارات في محيطكم ما زلتم تسطعون في عتمة ذلك الليل الطويل.

الشكر موصول أيضا للمستشارين الثلاثة في مجلس كنائس الشرق الأوسط، المسؤولون عن برنامج الكرامة الإنسانية، لتلبيتهم السريعة وقدرتهم على تنظيم هذه الندوة خلال ساعات قليلة، وليكن الجميع على يقين ان دوي هذه الندوة سوف يسمع بعيدا، بعيدا جدا.

18.10.2023

Previous
Previous

مومنتوم أسبوعيّة إلكترونيّة من مجلس كنائس الشرق الأوسط

Next
Next

مع غزّة: رفضًا للإبادة الجماعيّة