المؤسّسات ضمان الاستدامة وحجر زاوية التقدّم الإجتماعي

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

ألقيت هذه الكلمة خلال لقاء القسّ الدكتور بول هايدوستيان

رئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الإنجيليّة

ووفد المجلس في جامعة هايكازيان

 

حضرة القسّ الدكتور بول هايدوستيان،

رئيس إتحاد الكنائس الإنجيلية الأرمنيّة في الشرق الأدنى،

رئيس جامعة هايكازيان ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط،

إنّه لمن دواعي سرورنا أن نتشرّف بعقد هذا اللقاء معكم، الفريق العامل في مجلس كنائس الشرق الأوسط وأنا، وذلك من ضمن برنامج الزيارات التي نقوم بها إلى رؤساء المجلس كما إلى القيادات الكنسيّة.

يسّرنا أن نلتقي بكم في جامعة هايكازيان، هذا الصرح العلمي التاريخي الذي صارع ويلات الحرب وصمد واستمر رغم مرارة ذاك الزمن وحافظ على دوره التربوي عندما كانت المؤسّسات تتراجع الواحدة تلو الأخرى، ونحن أعلم الناس بذلك.

نستطيع أن نقول بكلّ بساطة: إنّ الكنيسة معتادة على ذلك، واتحاد الكنائس الأرمنيّة الإنجيليّة في الشرق الأدنى منها، إذ أنّه خلال القرن ونصف القرن من عمله في منطقتنا قد عايش المجازر والويلات التي حلّت بالأرمن والسريان والروم الأناضوليين.

إنّنا إذ نهنئ إتحادكم بمناسبة مرور 175 عامًا على تأسيس الكنيسة الإنجيليّة الأرمنيّة نتمنى له دوام الإبداع والإنجاز ورفد المجتمع بإمكانيات تصونه وتطوّره على الصُعد كافة. خلال هذه الحقبة من الزمن أسّس الإتحاد أو ساهم بتأسيس صروحًا لا عدّ لها ولا حصر، التربويّة منها والإنسانيّة والتنمويّة والصحيّة والثقافيّة واللائحة قد تطول.

لقد شارك عدد واسع من أعضاء الإتحاد، بقناعة وعمق كبيرين، في عمل المجلس وقاموا بجهود حثيثة من أجل نشر رسالة المسيح والثقافة المسكونيّة في شتى أنحاء الشرق الأوسط وكانوا قدوة في ذلك. إنّ ما شهدناه من دينامية وإنجازات إتحادكم خلال زيارتي الأخيرة إلى حلب مع مجلس الكنائس العالمي والأكت الليانس هو الدليل القاطع على ذلك.

 نهنّئكم ونقول لكم أنّنا جميعًا شركاء في الشهادة ليسوع المسيح وفي تضميد جروح المستضعفين وثقيلي الأحمال الذين تجسّد من أجلهم في هذا العالم. إنّ ربّ الخلاص لم يهمل نواحي الحياة الأخرى، بل شفى المرضى وأطعم الجياع وأعاد الإعتبار والكرامة إلى من أبلسهم محيطهم وحكم عليهم وهدر دمهم. لقد وُجدنا لكي نعمل من أجل حياة أفضل للإنسان.

نحن في المجلس، على صورة المتجسّد الذي أتى شفاءً للعالم، وبالتكامل مع الكنائس وعبر تنمية التكامل بينها، وهي جميعها تشكّل كنيسة المسيح الواحدة الأحدة، بيعة الربّ، نحاول أن نقوم بالدور المناط بنا على أفضل وجه ممكن، كما تحدّده الكنيسة.

المجلس مكان تفاعل بين مؤسّسات تباعدت تاريخيًّا، لا بل تنافرت وكانت على عداء مع بعضها البعض أحيانًا، وهذا يجعل دورنا محفوفًا ببعض الصعوبات والكثير من التحدّيات ويتطلّب منا الحذر في مقاربة بعض الأمور الخلافية، المُعلنة منها والمُضمرة.

لا شك أنّ الثقافة المسكونيّة قد خطت خطوات كبيرة منذ تأسيس المجلس ولكن الطريق ما زالت طويلة أمامنا. نحن اليوم، على عتبة الخمسين كمؤسّسة، إلى جانب الإحتفال بهذه الذكرى كيوبيل ذهبي، نحتاج إلى وقفة مع الذات نتشارك فيها المؤسّسات الكنسية وذلك من أجل تقييم ما انجز وما لم ينجز، مع التركيز على الإخفاقات بقدر التركيز على النجاحات. يشمل التقييم أيضًا الإقتراح الذي سلّمتني إيّاه خطيًّا في الجمعيّة العامة حول قرارات وتوصيات الجمعيّات العامّة السابقة وما طبّق منها وما لم يطبّق، ولماذا.

لقد مرّ المجلس بحقبة خطيرة كان خلالها وجوده مهدّدًا، ورحل عنه جزء كبير من الفريق وتراجعت خدماته ووهنت فعاليته واضمحلت ثقافته التنظيميّة، بحكم إرفضاض مجتمعه عنه. عندما نقول مجتمعه، نرمز إلى هذا الكمّ الهائل من الناس التي كانت تعمل وتتفاعل ضمنه من فريق عامل، والأهم، من مندوبي الكنائس في مختلف لجان المؤسّسة.

لذلك، لقد وضعنا نصب أعيننا ليس فقط إعادة تكوين البنى المؤسّسيّة للمجلس، إنما أيضًا الثقافة التنظيميّة، مجموعة القيم والمثل وطرق التفكير وأنماط التصرّف والنظرة إلى العالم. لقد ورد هذا الهدف كأولويّة في الخطة ذات السنوات الأربع التي وضعناها العام الفائت والتي قبلتها اللجنة التنفيذية آنذاك قبل أن تطرح على شركائنا الدوليّين.

هنا لا بدّ لي أن أعلمكم أنّنا سنطرح هذه الخطة أمام اللجنة التنفيذيّة المنتخبة من أجل المشورة والتعليق وربما التطوير.

لا بدّ لنا أيضًا أن نوضح أنّ مقاربتنا كانت بمنطق الإطار الاستراتيجي وليس بمنطق الخطّة الاستراتيجية وذلك من أجل تأمين هامش تحرّك واسع لمختلف برامج المجلس وفرقه العاملة. الإطار يؤمّن هامش تحرّك وتطوّر لا تؤمنه الخطّة التي قد تلزم الفرق العاملة ببعض الأهداف التي تحتاج إلى تعديل حسب المتغيّرات المحيطيّة. إنّ العمل في منطقة مثل الشرق الأوسط يتطلّب نسبة عالية من القدرة على التوافق والتأقلم بحكم التحوّلات المتسارعة التي تجري فيها.

إضافة إلى ذلك، يشكّل التفاعل مع هذا المحيط المتقلّب وسيلة أساسيّة للبحث الدؤوب عن تحديث للدور الذي على المجلس أن يضطلع به. المجلس ليس لا ما- بعد الكنيسة ولا ما-فوق الكنيسة بل هو ما- بين الكنائس وهنا يكمن التحدّي الأساسي للدور الذي يقوم به: أن نجعل "المناطق" القاحلة بين الكنائس حقول خصب وتفاعل وعمل مشترك. أستطيع القول أنّ المجلس قد نجح بعض الشيء في بعض المجالات ولكن يبقى هناك الكثير لكي يقوم به وهذا ما سنطرحه تدريجيًّا أمام اللجنة التنفيذيّة ابتداءً من اجتماعها الحضوري القادم.

أما الأمر الآخر الذي نحتاج أن نبلوره تدريجيًّا، فيصبح جزءًا من الثقافة المؤسّسيّة للمجلس، فهو نمط اتخاذ القرارات. لا بدّ لنا من إيجاد توازن بين ضرورة المتابعة والمراقبة التي هي من أولى واجبات الهيئات التقريريّة في المؤسّسات، مثل اللجنة التنفيذيّة، وضرورة السرعة في التحرّك التي يحتاجها فريق العمل في يوميّاته. التوازن بين هاتين الضرورتين سهل الإرساء وقد بلورنا في هذا السياق بعض الإقتراحات التي سنطرحها خلال الإجتماع القادم أيضًا.

حضرة القسّ العزيز بول هايدوستيان،

نرحّب بكم في بيتنا المشترك، رئيسًا للمجلس عن العائلة الإنجيليّة ورئيسًا لاتحاد الكنائس الإنجيليّة الأرمنيّة في الشرق الأدنى، حيث خدم، منذ ما يقارب نصف القرن، في الموقع ذاته، القسّ الدكتور هوفانس أهارونيان، رئيس الإتحاد وأوّل رئيس للمجلس عن العائلة الإنجيليّة، منذ تأسيسه عام 1974 وحتى العام 1985. لقد كان أحد "الآباء المؤسّسين" وتميّز، إلى جانب علمه، برجاحة الرأي وبعد النظر والهدوء وهذا بعض ما عندكم.

على بركة الله نسير، مفعمين بالمحبّة التي زوّدنا بها السيّد ومعتصمين بإيمان دهري لا يلين، واضعين نصب أعيننا إنشاء وتطوير المؤسّسات، الضمانة الوحيدة لمستقبل أفضل للإنسان.

بيروت، جامعة هايكازيان، 27 تموز 2022

Previous
Previous

معًا نتكاتف ونصلّي

Next
Next

خلال زيارة وفد من مجلس كنائس الشرق الأوسط