بودكاست فيديو - في لقاء خاصّ، نيافة الأنبا أنطونيوس: إسقاط الحواجز بين كلّ الكنائس من أبرز أدوار مجلس كنائس الشرق الأوسط
لذا تُعدّ مصر نموذجًا للعيش المشترك!
بعد انتخابه رئيسًا لمجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الأرثوذكسيّة الشرقيّة في الجمعيّة العامة الثانية عشرة للمجلس، نيافة الأنبا أنطونيوس، مطران الكرسيّ الأورشليميّ والشرق الأدنى للأقباط الأرثوذكس، زار لبنان حاملًا في قلبه هموم أبناء ومسيحيّي المنطقة مدركًا تمامًا معاناتهم جرّاء الأزمات المستفحلة الإقتصاديّة والإجتماعيّة والسياسيّة والصحيّة... التي يرزحون تحت وطأتها.
نيافة الأنبا أنطونيوس والراعي الأمين لكلمة الله متمسّكًا بأمله في بناء الجسور بين الكنائس ومشدّدًا على ضرورة تقريب المسافات في ما بينها، جال على كنائس الشرق في بيروت مكلّلًا زيارته بوقفة مسكونيّة في مقرّ الأمانة العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط في بيروت ومستوصف السيّدة العذراء التابع لمجلس كنائس الشرق الأوسط في منطقة السبتية - ضواحي بيروت، أكّد على ضرورة التواصل والتكاتف والعمل على تذليل العقبات بين كلّ العائلات الكنسيّة في الشرق الأوسط.
عن تطلّعات نيافة الأنبا أنطونيوس وكيف يصف دور مجلس كنائس الشرق الأوسط المسكونيّ وكيف تعمل الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة للتلاقي مع سائر الكنائس. عما هو دور الكنيسة في مرافقة الشّباب وأسئلة عديدة حملناها إلى نيافته قبل مغادرته لبنان، وأجاب عليها في لقاء خاصّ وعفوي أجريناه معه في كنيسة السيّدة العذراء والقدّيس مار مرقس الرسول في بطريركيّة الأقباط الأرثوذكس في بيروت.
نكاتف ونتواصل ونبني الجسور
بدايةً وكرئيس لمجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الأرثوذكسيّة الشرقيّة وممثّل الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، أعرب نيافة الأنبا أنطونيوس عن سعادته بدور مجلس كنائس الشرق الأوسط الإجتماعيّ، قال "الدور الّذي يقوم به المجلس فعّال في رفع المعاناة عن الشّعوب خصوصًا في ظلّ الظّروف الإقتصاديّة الصّعبة الّتي تمرّ بها. لكن كما قد ذكرت في زيارة المقرّ الرئيس للمجلس فإنّ دوره أكبر بكثير لا سيّما في التقارب بين الكنائس".
وشرح نيافته "صحيح أنّ مجلس كنائس الشرق الأوسط يقدّم خدمات مختلفة لدعم الفئات الأكثر ضعفًا ويساهم في ترميم الكنائس المتضرّرة جرّاء الحروب، الّا أنّ دوره الأكبر يكمن في تقريب المسافات بين الكنائس خصوصًا وأنّه الجهة الوحيدة القادرة على تحقيق هذا الهدف المُرتجى".
أمّا من ناحية الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة فيضيء نيافته على الاستعدادات الدائمة لملاقاة سائر الكنائس على اختلافها وتنوّعها مشيرًا إلى أنّ "الكنيسة القبطيّة بدأت بالحوارات اللّاهوتيّة مع الكنائس الأخرى من زمن البابا كيرلس السادس، ليترسّخ هذا الدور في أيّام البابا شنودة، حيث تواصل الكنيسة لقاءاتها مع كلّ الطوائف مع البابا تواضروس الثاني. هذا إضافةً إلى إنشاء لجان في المجمع المقدّس تختصّ بهذه اللّقاءات كلجنة خاصّة للحوار مع كنيسة الرّوم الأرثوذكس الكنيسة البزنطيّة عمومًا ولجان خاصّة بالتقارب والحوارات اللّاهوتيّة مع الكنائس الكاثوليكيّة والبروتستانتيّة والأنغليكانيّة...".
يتابع نيافته "تسعى الكنيسة دائمًا إلى مدّ الجسور بين مختلف الكنائس لا سيّما عبر برنامجها الخاصّ بالحوار القائم منذ الستّينات. لكن لا تستطيع الحوارات أن تكون من طرف واحد، لذا يأتي دور مجلس كنائس الشرق الأوسط وتوجّهه في إسقاط الحواجز بين كلّ الكنائس".
يلفت نيافته إلى أنّ "مرجعيّتنا هي المجمع المقدّس وأقوال الآباء منذ العصور الأولى حيث القضايا المسكونيّة متّفق عليها من قبل الكنائس. نستند إذًا على أقوال الآباء والكتاب المقدّس".
خطوة تلو الأخرى نحقّق معًا الأهداف المرجوّة
نسأل نيافة الأنبا أنطونيوس عن رأيه وتطلّعاته المستقبليّة في ما يختّص بدور الكنيسة القبطيّة والكنائس الشرقيّة في مجلس كنائس الشرق الأوسط، يقول "كما ذكرت سابقًا نجد الكثير من نقاط الإختلاف بين الكنائس ولا يمكننا البحث بها في آن واحد. لذا علينا البدء بمعالجة إحدى النقاط لنستمرّ بالتّالي في مناقشة النقاط الأخرى الّتي تلي. من المهمّ أن تقوم كلّ كنيسة بإعداد ورقة بحثيّة تقدّم فيها معطياتها التاريخيّة ومعتقداتها في شأن كلّ نقطة يتمّ دراستها".
ويضيف "تختلف الكنائس مثلًا على موعد عيد القيامة. لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ المجمع المسكونيّ الأوّل الّذي ضمّ ممثّلين عن مختلف الكنائس، كان قد درس أطر تحديد موعد معيّن لعيد القيامة. علينا أن نعود ونبحث في تاريخ هذه المسألة ونتشاور في الأسباب الّتي أدّت إلى تغيير موعد عيد الفصح. نضع كلّ النقاط أمامنا ونناقش كلّ نقطة بمفردها لنستنج بالتّالي أسباب الخلاف في ما بيننا".
من هنا يعود الأنبا أنطونيوس ويشدّد على دور مجلس كنائس الشرق الأوسط قائلًا "صحيح أنّه يسعى منذ تأسيسه لتخفيف المعاناة عن الشّعوب في ظلّ كلّ المصاعب والأزمات الإقتصاديّة الّتي يمرّون بها عبر خدمات إجتماعيّة مختلفة، إلّا أنّ للمجلس دور آخر أساس يكمن في تجسيد ما أراده السيّد المسيح في أن تكون كنيسة واحدة. لذا تأتي مهام مجلس كنائس الشرق الأوسط في العمل على خطوات عدّة عبر الملاقاة والتواصل. علينا البدء بالعمل وخطوة تلو الأخرى يمكننا تحقيق الأهداف المرجوّة".
الكنيسة ملجأ آمن للشّباب
وسط كلّ الظّروف المعيشيّة والمساعي الكنسيّة لمرافقة المؤمنين، يعيش الشّباب تحدّيات جمّة بحيث يواجهون مستقبلًا مجهولًا، لذا تسعى الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة إلى التخفيف من يأسهم عبر أنشطة مختلفة تقوم بها بتوجيهات وبركة قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة. في هذا الإطار، نسأل نيافة الأنبا أنطونيوس، كيف يمكنكم إقناع الشّباب على التمسّك بأرضهم والبقاء في هذه المنطقة على الرغم من كلّ الصّعوبات؟
يجيب "علينا أن نكون عمليّين. يعاني الشّباب اليوم من صعوبة في إيجاد فرص عمل تحضنهم وتمكّنهم. لذا تعمل الكنيسة على إنشاء مراكز تدريب وتعليم حرف وصناعات تخوّلهم البدء في مشاريع صغيرة في المجتمعات. كما تسعى الكنيسة على تأسيس مستشفيات تقدّم عبرها فرص عمل جديدة".
ويوضح "تحاول الكنيسة خلق فرص عمل لأبنائها وتسثمر طاقاتهم لإفادة المجتمعات وذلك من خلال تعليمهم حرفًا مختلفة كالسّباكة والخياطة والنجارة... هكذا تسهّل الكنيسة طريق الشّباب كي يتمكّنوا من السّير إلى الأمام، فهي تسهم عبر المدارس ومشاغل التدريب في مساعدتهم فقط على الإنطلاق في حياتهم".
يتابع "تعمل الكنيسة بكلّ طاقاتها على خدمة الشّباب وتهتمّ بهم عمليًّا وروحيًّا. من جهّة كانت الكنيسة قد أنشأت لجنة أسقفيّة تسعى إلى مرافقة الشّباب وخدمتهم على مختلف الصّعد. هذا إضافةً إلى المؤتمرات الّتي تنظّمها من أجل تقريب المسافات بين كلّ الشّباب القبطيّ. أمّا من الناحية الروحيّة فتقوم الكنيسة بإجتماعات ودورات متنوّعة، منها جلسات خاصّة بالمقبلين على الزواج أو مثلًا جلسات أخرى للمتزوّجين حديثًا...".
مصر نموذج للعيش المشترك
على صعيد آخر لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الجمهوريّة العربيّة المصريّة تُعتبر واحة جامعة لمختلف الحضارات والمعتقادات والأديان، فكيف يصف نيافة الأنبا أنطونيوس اليوم العلاقات الطيّبة بين الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة وسماحة الشيخ الأزهر وأخوتنا المسلمين في أبرشيّته والمنطقة؟
يشرح نيافته أنّ "طبيعة العلاقات بين المسلمين والمسيحيّين في مصر وطبيعة العلاقة بين البابا تواضروس الثاني والشيخ الأزهر جيّدة جدًّا وذلك في سبيل بناء مجتمع أفضل. جميع أصدقائنا وإخوتنا هم مسلمين لا سيّما في المدرسة والجامعة ومكان العمل وما زلنا على علاقة جيّدة معهم. نشأنا في مصر في بيئة تعزّز الروابط الإنسانيّة بين الجميع. نشأنا في مجتمع يسعى إلى تذليل الفوارق بين مختلف الأديان. أمّا المصريّون الّذين يغادرون مصر فيسيرون في هذا النهج أينما وجدوا ويتعاملون مع الجميع بتساوٍ ومحبّة".
"في اللّقاءات والإحتفالات الرسميّة نرى البابا تواضروس الثاني جانب شيخ الأزهر والكنيسة جانب المسجد، حيث يتمّ تبادل المعايدات بين الطرفين في كلّ المناسبات"، يتابع نيافته حديثه يؤكّد "عبر علاقاتنا الإجتماعيّة القويّة نبقى دائمًا على تواصل، حيث لا حدود أو فواصل تفرّق في ما بيننا. لذا تُعدّ مصر نموذجًا للعيش المشترك، علّ يتكرّر هذا السيناريو في كلّ الدول".
في نهاية حديثه، تمنّى نيافة الأنبا أنطونيوس، مطران الكرسيّ الأورشليميّ والشرق الأدنى للأقباط الأرثوذكس، ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الأرثوذكسيّة الشرقيّة، "الإبداع الدائم للمجلس في رحلته الطويلة في الكفاح من أجل تقريب المسافات ووجهات النظر بين الجميع. أتمنّى للمجلس النموّ والإزدهار والنجاح في إيصال صورة المسيح إلى كلّ شخص".
وختم "علينا أن نرى حكمة الله في كلّ شيء. الله يستخدم هيئات الكنائس لإيصال مشكلة ومعاناة. نتمنّى أن يصل فكر المجلس إلى كلّ الناس خصوصًا مع الدور المهمّ الّذي يقوم به في خدمة كلّ إنسان في الشرق. ليساعدكم الربّ ويرافقكم دائمًا ومن نجاح إلى نجاح".
دائرة التواصل والعلاقات العامة