في اليوم العالميّ للّاجئين
العنف ضدّ المرأة قضيّة تراوح مكانها
اللاجئات الأكثر عرضة للخطر، فهل من يسمع وجعهنّ؟
لا للزواج المبكر، لا للتحرّش، لا للضرب، لا للعنصريّة، لا للتمييز... شعارات يُعمل على تحويلها إلى واقع مُعاش مع مجموعات من السيّدات في جلسات التوعية حول العنف القائم على النوع الإجتماعيّ الّتي تنفّذها دائرة الدياكونيا والخدمة الاجتماعية، مكتب بيروت، في مجلس كنائس الشرق الأوسط على مدار السّنة. شعارات تتجسّد في خانة "لا للعنف"، في مواجهة واقع أليم عنوانه "لا قوانين"؟؟!!!
في الحقيقة لا قوانين مجدية أو ربّما لا تطبيق لقوانين تحمي المرأة اليوم نتيجة للسّياسات المجحفة بحقهنّ والّتي تتّخذها بعض الدول في منطقتنا. واقع لا يمكننا الهروب منه لا سيّما وأنّ نسبة العنف ضدّ المرأة في ارتفاع متواصل في العالم والشرق الأوسط. الأرقام والإحصاءات المتوفّرة في هذا الإطار تؤكّد ذلك!
أكثر من إمرأة واحدة من بين كلّ 4 سيّدات في العالم تعرّضن للعنف المنزليّ، و27% من النساء الّلواتي تتراوح أعمارهنّ بين 15 و49 عامًا وقعن ضحيّة العنف الجسديّ أو الجنسيّ من قبل شركائهنّ، بحسب دراسة نشرت تفاصيلها صحيفة The Washington Post الأميركيّة في شباط/ فبراير 2022.
أمّا في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، فـ 35% من السيّدات على الأقلّ تعرّضن لنوع من أنواع العنف من قبل شريكهنّ، بحسب دراسة نشرها البنك الدوليّ في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2021، حيث أظهرت أيضًا أنّ نحو 18% من الفتيات دون الثامنة عشرة عامًا أرغمن على الزواج المبكر. هذا إضافةً إلى ازدياد نسبة العنف مع الفئات المهمّشة خصوصًا النازحات قسريًّا والوافدات اللّواتي يعملن في الخدمة المنزليّة.
نازحات ولّاجئات هربن من الحروب والأزمات في بلدانهنّ بحثًا عن الأمان والإستقرار في بلد آخر يقدّم لهنّ حياة أكثر كرامة ويمنحهن حقوق المواطن في "وطن". إلّا أنّ الخطر ما زال يحدق بهنّ والعنف ما زال يلاحقهنّ. لذا يسعى مجلس كنائس الشرق الأوسط عبر دائرة الخدمة والإغاثة – دياكونيا، مكتب بيروت، إلى مرافقتهنّ ومساعدتهنّ في مواجهة العنف والحدّ منه عبر جلسات توعية، حولّن خلالها وجعهنّ ووجع كثيرات إلى أمل، رفعن في سياقها شعار جديد يحفّزهنّ على عدم الإستسلام: بلّغي! لا للضعف، معًا لمستقبل مشرق، معًا للمساواة، معًا لحقوق المرأة...
مع بعض تلك السيّدات نلتقي في مستوصف السيّدة العذراء في منطقة السبتيّة في لبنان، التابع لمجلس كنائس الشرق الأوسط، نستمع إلى قصصهنّ ونعيش، ولو لدقائق، مرارة واقع فُرض عليهن كلاجئات.
لا للزواج المبكر "حسّيت أنّو دفنت حالي بالحياة عبكّير"
حول أهميّة التوعية على خطورة الزواج المبكر حتّى لو عُقد عن قناعة، تروي خولة محمّد العلي تقول: "تزوجّت بعمر الـ16. الحمدالله زوجي كتير منيح وعندي 4 أطفال وكتير مبسوطة. بس تمنّيت لو كمّلت دراستي قبل ما إتزوّج، حسّيت أنّو دفنت حالي بالحياة عبكّير. التهيت بولادي وزوجي وما شفت شي من حياتي وما كمّلت دراستي. أهلي نصحوني أنو كمّل دراستي وما جبروني على الزواج بس أنا اخترت هيدا المسار بس ندمت بعدين. بنصح كلّ بنت ما تتزوّج قبل الـ18 سنة وتتابع دراستها. أنا حرمت حالي من حقوقي بس بعدين حسّيت بالندم".
وتابعت أنّها شاركت في جلسات التوعية حول العنف القائم على النوع الإجتماعي وتعلّمت كيف تتعامل مع أولادها في حال واجهوا أية مشكلة أو عنف وكيف تتعامل أيضًا مع زوجها خصوصًا بحال التعرّض للعنف".
عن الواقع العام الّذي تعيشه المرأة اليوم أضافت خولة "عم لاحظ أنّو بالمجتمع في كتير تحرّش وفي زواج مبكر وهيدا غلط. في بنات بيهربوا من أهلن وبيتزوّجوا وفي تنمّر بالبيت خصوصي من الأب على الأمّ أو من الأب على البنات. وفي بنات بتفكّر أنّو الزواج هيّن وبعد شهر أو شهرين ممكن تتطلّق. لازم يكون في كتير جلسات توعية خصوصي للبنات من 10 سنين وما فوق. مثلًا شفت بعيلة أنّو في إمّ عم بتنبّه بنتا أنّو ما تتزوّج بعمر 15 سنة، بس البنت ما سمعت من إمّا. مشان هيك جلسات التوعية بتوعّي البنت على خطورة الخطوة لي عم تعملا".
لا للتمييز "إنتو سوريّات ما بي حقّلكن..."
نور الإنصاري سيدة أخرى من اللواتي يتابعن البرنامج شدّدت وبأسف عما يتعرّض له اللّاجئون في لبنان من تمييز لا سيّما السيّدات الّلواتي ما زالن تخفن من التبليغ عن مشاكلهنّ بسبب عدم وجود جهات ترعاهنّ في سوريا وحتّى قوانين تحميهنّ في لبنان.
وعن حالتها الإجتماعيّة تروي: "تزوّجت بعمر 17 سنة بإرادتي، كنت بالصفّ التاسع وتركت دراستي. حملت بعمر 18 سنة وأنا ضدّ أنّو فتاة تتزوّج تحت عمر 18 مشان هيك كتبت بالجلسة اليوم أنا مع الزواج فوق سنّ الـ18، خصوصي أنّو ما قدرت إحمل لحتّى تكوّن رحمي. عندي 3 أولاد بس ما عم يتعلّموا لأنّو بمدارس الدولة هون في تمييز بين السّوري واللّبناني وفي عنف خصوصي لفظي وضرب، والمدارس الخاصّة غالية علينا. وكمان في تمييز من جهّة الدخل لأنّو نحنا من الجنسيّة السّوريّة".
أمّا عن الجلسة الّتي تشارك بها فقالت "عم بتوعّيني على كتير مواضيع وعم آخذ أكبر قدر من المعلومات. بدوري بوعّي بناتي الـ3، أعمارن 10 سنين، 9 سنين و3 سنين، وهيك برافقن ل ما يوقعوا بالخطأ أو يتعرّضو للعنف بكلّ أشكالو".
أضافت "كسوريّين بلبنان ما في تطبيق لقوانين بتحمي حقوق المرأة وفي تمييز عنصري خصوصًا أنّو كتير عالم بتقلنا أنّو إنتو سوريّين ما بحقّلكن. بسوريا بعدنا متحفظين ومتشدّدين وما في جهات أو دار أمان بتحافظ على حقوق المرأة وحتّى كمان ما في جلسات توعية ودعم نفسي، كرمال هيك بتضلّ المرأة خايفي أنّو تحكي".
نور تنصح كلّ إمرأة على التبليغ في حال تعرّضها لأي نوع من أنواع العنف "وما تضلّ ساكتة وتلجأ لمؤسّسات بتحميها وتتمسّك بالأمل لأنّو متل ما رح تسكت رح يسكتو كمان بناتا. وإذا حدا اشتكى رح تتعاون معو وتساعدو".
معًا لمستقبل مشرق
من خلال روايات خولة ونور وباقي السيّدات المشاركات ندرك مدى استفادتهنّ وامتنانهنّ من جلسات التوعية الّتي شاركن فيها. نسأل المدرّب المتخصّص د. سمير شلاوويت الّذي رافقهنّ خلالها عن أهميّة هذه الجلسات يقول "نقوم بتوعية السيّدات على خطورة العنف. وتتيح لنا الجلسات الحديث عن بعض المواضيع الشّائعة المهمّة والخطرة في مجتمعاتنا.
كما نشرح خلالها أنواع العنف وتداعياته بشكل مفصّل لنتطرّق بالتّالي وبشكل خاصّ إلى العنف القائم على النوع الإجتماعي وسُبل التصدّي له. من هنا نشدّد على أنّ العنف ليس مرضًا نفسيًّا بل جريمة يعاقب عليها القانون. هذا إضافةً إلى التوعية حول العنف الجنسيّ والثّقافي أيّ الزواج المبكر...".
أضاف "تتخلّل الجلسات أنشطة مختلفة، فعلى سبيل المثال طلبنا من السيّدات أن يتخيّلن أنّهنّ في تظاهرة ضدّ العنف القائم على النوع الإجتماعي حيث كتبن على أوراق وكأنّها لافتات شعارات تعبّر عن وجعهنّ، كي نقوم بعدها بتبادل الأفكار وتقديم الحلول المناسبة الّتي تكمن في التبليغ وعدم السّكوت واللّجوء إلى الجهات المعنيّة مشدّدين على السريّة والخصوصيّة الّتي تعتمدها المساعدة الإجتماعيّة كي تساعدهنّ على اتّخاذ القرارات المناسبة من تلقاء أنفسهنّ. كما نوزّع لهنّ منشورات تضمّ إرشادات ضروريّة للحدّ من العنف وأرقام الجمعيّات المعنيّة بحمايتهنّ".
من هنا يشير د. شلاوييت إلى أنّ "نسبة العنف الأسريّ قد ارتفعت بسبب عوامل عدّة آخرها كان تفشّي جائحة كورونا وفرض الحجر المنزليّ... ما يشكّل دليلًا على أنّ نسبة التبليغ ارتفعت أيضًا مقارنة بالأعوام الفائتة. لذا، بات من الضروريّ توعية الأطفال على المساواة بين الجنسين وتحفيزهم على الحوار والتبليغ في حال التعرّض للعنف أو أية مشكلة أخرى. وكذلك من المهمّ سنّ وتطبيق قوانين تراعي المرأة وتضمن حمايتها لا سيّما وأنّ واقع القوانين ما زال غير فعّال بسبب الخوف وعدم المعرفة في سُبل التلبيغ، وذلك أيضًا لأنّ المواطنين لا يؤمنون أصلًا بجودة تطبيق القوانين".
لا تقتصر جلسات التوعية على مرافقة السيّدات خلالها فقط وإنّما تتيح أيضًا لمن ترغب من المستفيدات أن يلتقين بالمساعدة الإجتماعيّة في مستوصف السيّدة العذراء الآنسة ساندي بطرس كي تساعدهنّ في جلسات خاصّة على إيجاد حلول مناسبة لتخطّي مشاكلهنّ.
بدورها تؤكّد ساندي على ارتفاع نسبة العنف الأسريّ ضدّ المرأة جرّاء الظّروف المعيشيّة والضغوط اليوميّة الّتي يعيشها المواطنون. لذا تتوجّه إلى كلّ إمرأة قائلةً "لكلّ مشكلة حلّ، فتحلّي بالصّبر وتمسّكي بالأمل".
نعم تمسّكي بالأمل، انتفضي على الظّلم وارفعي صوتك عاليًا صونًا لكرامتك وحفاظًا على حقوقك!
آمني أنّك الحاضر والمستقبل وجزء لا يتجزّأ من المجتمع، فالتغيير يبدأ معك ومن خلالك!.
دائرة التواصل والعلاقات العامة