في اليوم الدوليّ للأخوّة الإنسانيّة وأسبوع الوئام العالميّ بين أبناء الأديان

العراق نموذج والمبادرة مسكونيّة

الإنكليزيّة.

تقبُّل الإختلاف، تقبّل الآخر، إحترام الثّقافات والأديان والمعتقدات على تنوّعها في سبيل ترسيخ ثقافة الأخوّة الإنسانيّة. تعزيز الحوار بين أبناء الأديان والثّقافات في سبيل السّلام والإستقرار الإجتماعي ...

كلّ هذه القيم تشكّل عناوين لمبادئ وقيم يتبنّاها مجلس كنائس الشرق الأوسط وكثير من المرجعيات الإنسانيّة العالميّة بينها الأمم المتّحدة بالطبع، لكن يبقى السّؤال الأهمّ: هل من ترجمة واقعيّة لكلّ هذه العناوين الإنسانيّة أم تبقى مجرّد شعارات وحبرًا على ورق؟

ثمة مبادرات وطنيّة وعالميّة عدّة ساهمت في تعزيز روابط الأخوّة الإنسانيّة، كان أهمّها مبادرتين دينيّتين دوليّتين نتج عنهما تسمية الأمم المتّحدة تاريخ 4 شباط/ فبراير من كلّ سنة اليوم الدوليّ للأخوّة الإنسانيّة ليُحتفل به للمرّة الأولى عام 2020.

إحدى هذه المبادرات شهدها العالم في هذا التاريخ مع توقيع "وثيقة الأخوّة الإنسانيّة من أجل السّلام العالميّ والعيش المشترك". مبادرة تاريخية وقّعها قداسة البابا فرنسيس وسماحة شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيِّب في أبو ظبي؛ لتكون وفق مقدّمة الوثيقة "إعلانًا مُشتَركًا عن نَوايا صالحةٍ وصادقةٍ من أجل دعوةِ كُلِّ مَن يَحمِلُونَ في قُلوبِهم إيمانًا باللهِ وإيمانًا بالأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ أن يَتَوحَّدُوا ويَعمَلُوا معًا من أجلِ أن تُصبِحَ هذه الوثيقةُ دليلًا للأجيالِ القادِمةِ، يَأخُذُهم إلى ثقافةِ الاحترامِ المُتبادَلِ...".

أمّا المبادرة الثّانية فجاءت كامتداد لوثيقة الأخوّة الإنسانيّة هذه، حيث أطلق قداسة البابا فرنسيس رسالته العامة الثّالثة بعنوان "Fratelli Tutti" أي "جميعنا أخوة" ووقّعها في 3 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2020، ليلة عيد القدّيس فرنسيس الأسيزي، في مدينة أسيزي الإيطاليّة.

هذا إضافةً إلى الزّيارة الرّسوليّة الّتي قام بها قداسة البابا فرنسيس إلى العراق في آذار/ مارس 2021 بهدف العمل على تعزيز الأخوّة الإنسانيّة والحوار والعمل على بناء السّلام، حيث التقى بمختلف المرجعيّات الدينيّة والثقافيّة العراقيّة ومع الشّعب العراقيّ بكلّ أطيافه، لتشكّل الزّيارة بارقة أمل وسط كلّ ما مرّ به العراق من حروب وخلافات.

هذا العراق الّذي يبقى نموذجًا في الشّرق الأوسط الجريح، بات متمسّكًا بأمل التغيّير من أجل مستقبل أخويّ على الرغم من كلّ التغييّرات والمستجدّات والتحوّلات الإقليميّة والدوليّة التي تعصف بالمنطقة.

في السياق نفسه، استكمل مجلس الكنائس العالميّ ومجلس كنائس الشرق الأوسط مبادرة اللقاءات الإستشارية التي بدأت بـ "مؤتمر الحوار بين الأديان حول التضامن الديني والتماسك الإجتماعي في العراق" الّذي عُقد في بيروت عام 2017، وقاما بترجمة ثمار هذه المبادرات في مؤتمر ثان تحت العنوان نفسه عقد في بيروت من ١٣ الى ١٥ كانون الأوّل/ ديسمبر ٢٠٢١، بمشاركة 40 شخصيّة تمثّل مرجعيّات وقادة من مختلف الأديان والمكوّنات والطوائف العراقيّة.

وفي اليوم الدوليّ للأخوّة الإنسانيّة وأسبوع الوئام العالميّ بين الأديان، 1 - 7 شباط/ فبراير، من المفيد الإضاءة على أبرز آراء بعض المشاركين في المؤتمر الّذين بحثوا في كلّ السُبل المتاحة من أجل تقريب المسافات بين العراقيّين، فما هي إذًا تطلّعاتهم؟ وكيف يعكسون صورة المجتمع العراقيّ؟

 سماحة الشّيخ رحيم أبو رغيف

 سماحة الشّيخ رحيم أبو رغيف، رئيس منتدى الوسطيّة والإعتدال في الثقافة والفكر، شدّد على أهميّة الحوار مع الآخرين، وقال أنّ "الحوار يؤدّي إلى قناعات بين الطرفين ممّا يسهم في الإنتقال من مرحلة العداوة إلى الخصومة وبالتّالي من الخصومة إلى مرحلة إلغائها. علينا إذًا العمل على تصفير الخصومات مع الآخر حتّى لو اختلف معك. لذلك علينا أن نستمرّ في معركة الخير الّتي تقودها الكلمة الطيّبة والفكر السليم لا سيّما وأنّ الخير تميل له النفوس البشريّة".

وأضاف "علينا أن نشعر الآخر بأنّنا نتبنّى خطابًا خيّرًا يبثّ المحبّة بين الناس. نريد زرع ثقافة الحبّ والودّ والسّلام وليس ثقافة العنف وعدم قبول الآخر".


د. علي بخت التميمي


أمّا د. علي بخت التميمي، رئيس منظّمة أفق للتنميّة البشريّة، المدير التنفيذيّ لشبكة تحالف الأقليّات العراقيّة وباحث في العدالة الإنتقالية والأنثروبولوجيا، فاعتبر أنّ المؤتمر "باب لفتح ملفّات مهمّة ومفصليّة للعراق وللمنطقة خصوصًا وأنّ العراق يُعتبر أحد أهمّ الدول بإرثه الحضاريّ ووجوده وتنوّعه الثّقافيّ الإثني والدينيّ".

وتابع "هذا التنوّع يحتاج إلى إدارة ومأسّسة، فالمؤتمر الّذي نشارك فيه أوضح النقاط الإجتماعيّة الّتي ننطلق عبرها لمعالجة الإنتهاكات والخروقات لا سيّما وأنّه يشمل كلّ الأطياف والمكوّنات العراقيّة".


د. ابراهيم البرزنجي

من جهّته رأى د. ابراهيم البرزنجي مسؤول البحوث والدراسات والإرشاد الديني في وزارة الأوقاف والشّؤون الدينيّة في حكومة إقليم كردستان العراق أنّ الإستشارات الّتي يشاركون فيها "ضروريّة من أجل تجاوز العقبات لا سيّما وأنّها ساهمت في تقريب وجهات النظر بين كلّ الأديان".

وعن المشاريع المستقبليّة بعد المؤتمر العراقيّ قال "سأنّفذ برنامجًا خاصًّا في وزارتي من خلال المؤسّسات التابعة لها عبر إبرام اتفاقيات تعاون مع مجلسي الكنائس العالميّ والشرق الأوسط وبعض المؤسّسات الّتي تعرّفت عليها في لبنان. كما سأسعى إلى إقامة ورش عمل لتعزيز ثقافة تقبّل الآخر وحوار الأديان والتماسك الإجتماعي".


سماحة الشّيخ محمد الفيصل

بدوره تحدّث سماحة الشّيخ محمد الفيصل، عضو مجلس سليمان العراق وإمام خطيب في جامع الصدّيق، عن إيجابيّات المسار العراقيّ وقال "استمعنا إلى مختلف الآراء من كلّ المكوّنات بدون أن يتكلّم أحد بالنيابة عن الآخر. وهذا ما يتيح الفرصة لتأسيس عمل مشترك وطروحات ثقافيّة متنوعّة تؤدّي إلى رؤية مشتركة عراقيّة تبني مسار تنوّع وتسامح ووئام مجتمعي".



السيّد فارس كيتي

وفي السّياق نفسه، أشار السيّد فارس كيتي، مستشار المجلس الرّوحاني الإيزيدي، إلى أنّ هذا المسار "يشكّل نقطة انطلاق ونحن بحاجة إلى وضع آليّات عمل مستمرّ. في الديانة الإزيديّة عمل متواصل لترسيخ المفاهيم الّتي تحثّ النّاس على إحترام الآخر وعلى ضرورة حماية التنوّع والتعايش مع كلّ مكوّنات المجتمع العراقيّ. علمًا أنّ الأقليّات هي الّتي تبادر عادةً إلى تعزيز هذه المبادئ وتتمنّى من المكوّنات الأخرى أن تساهم أيضًا في تحقيق الأهداف المرجوّة".


سماحة الشّيخ ستار جبار حلو

أمّا سماحة الشّيخ ستار جبار حلو، رئيس ديانة الصابئة المندائيين، فطرح بعض الحلول من أجل مستقبل أخويّ أفضل وقال "من الضروريّ أن يضيء الإعلام على كلّ المكوّنات الدينيّة. كما من المهمّ أن يحصل أبناء الوطن على فرصة تسمح لهم ببناء عراق أفضل كلّ بحسب إختصاصه".

كما تطرّق إلى التطرّف مشيرًا إلى أنّه "آفة تقتل المجتمع وكلّ تعايش سلميّ أو فكرة تدعو إلى الحوار مع الآخر ومحبّته. لذا علينا محاربة التطرّف بتجفيف منابعه، وألّا نسمح للآخرين بأن يفرضوا علينا سلامًا أو مقياسًا للسلطة، وإنّما نحن كعراقيّين نفرض السّلام بأنفسنا فعلينا بالتّالي النظر إلى وطننا وكأنّه عراق واحد".


السيّد عاصي كريم رجب

في هذا الإطار شدّد السيّد عاصي كريم رجب، ممثّل الديانة الكاكائية، ومنظّمة ميثرا للتنمية والثقافة اليارسانيّة، على أهميّة دور الإعلام وقال "علينا التركيز داخل مجتمعاتنا على الخطاب الإعلامي لا سيّما عبر مواقع التواصل الإجتماعيّ، إضافةً إلى ضرورة التأكّد من الأخبار الكاذبة وإستخدام عبارات جيّدة وهادفة إلى التعايش وتقبّل الآخر".



السيّدة اوات طيّب

أمّا السيّدة اوات طيّب، ممثّلة الديانة الزرداشتيّة، فأشادت بالمؤتمر العراقيّ حيث "تعلّمنا الكثير خلاله لأنّه يسعى إلى نشر ثقافة التعايش وتقبّل الآخر، مسلّطًا الضوء على أهميّة دور الإعلام في ترسيخ هذه المبادئ".





في هذا المؤتمر الذي هدف إلى متابعة التوصيات الأولى ومناقشة التحديّات المستجدّة والآفاق المستقبليّة للتماسك الإجتماعي في العراق، تمحورت النقاشات حول ثلاث قضايا ذات التأثير المباشر على واقع التماسك الإجتماعي في العراق وهي الواقع الدستوري والقانوني والتربية والإعلام.

في هذا السّياق، إتّفق المجتمعون على مبادئ عدّة لتكون أسسًا للعمل المشترك في ما بينهم وهي الكرامة الإنسانيّة، الدولة المدنيّة الّتي تحفظ حقوق الجميع وتعزّز مبدأ المواطنة الحاضنة للتنوّع، مناهضة خطاب الكراهيّة والتطرّف، المساءلة والعدالة ومحاربة الفساد، ووثيقة الأخوّة الإنسانيّة وبيان زيارة قداسة البابا فرنسيس الى العراق ولقاء المرجعيّات فيه.

يأتي اليوم الدوليّ للأخوّة الإنسانيّة هذه السّنة بمثابة صرخة دوليّة تندّد بالعنف وخطاب الكراهيّة والعدائيّة... ودعوة للعمل من أجل السّلام والعدالة والاستقرار.

وهذا ما يسعى إليه مجلسي الكنائس العالميّ والشرق الأوسط منذ تأسيسهما لأنّه معًا نمشي ونعمل في سبيل السّلام، نتكاتف ونتواصل ونبني الجسور بغية زرع قيم الأخوّة والحوار والتعاضد بين البشر.


دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

معًا نتكاتف ونصلّي - صوم الباعوثة

Next
Next

اليوم الدوليّ للأخوّة الإنسانيّة - 4 شباط/ فبراير