جنون البشرّ
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
تشتّد الأزمات الإجتماعيّة ضراوة وترتفع معها نِسَب الفقر والبطالة والجريمة والتمزّق الأسري والتفكّك الإجتماعي ويضحي المجتمع غير القادر على إدارة أزماته، عُرضَة لأشكال النزاعات والتدخّلات الخارجيّة كافة، فيفقد سيادته ويصبح على طريق الإضمحلال.
ليس من حدود للجشع البشريّ، كما أنّه ليس من حدود للغباء البشريّ الناتج عن هذا الطمع. يكدِّس القيّمون على مقدّرات المجتمعات الثروات لدرجة أنّهم يصبحون عاجزين عن إدارتها، في وقت تفتقر فيها بعض فئات نفس المجتمع إلى أدنى مقوّمات الحياة الكريمة.
بين طبقات المجتمع غُربَة تفوق الغربة بين مجتمع وآخر.
الفروقات بين محتكري الثروات من جهة والطبقات الإجتماعية المُعدَمة من جهة أخرى لا يتصوّرها عقل، أكان من حيث ظروف المسكن أو المأكل أو العناية الصحيّة، ولن أتكلّم عن النشاطات الترفيهيّة وتوابعها.
إنّ البذخ الذي نشهده في العالم اليوم لمذهل حقًا في وقت يقضي أطفال بالألوف فريسة الجوع والعطش وفقدان الدواء، عدا عن أعداد هائلة منهم تملأ الشوارع إمّا للتسوّل أو للقيام بأعمال تصنّفها القوانين غير شرعيّة.
إضافة إلى ذلك تزداد أعداد المشرّدين وملتحفي السماء والمرضى دون علاج، وترتفع أعداد المدمنين على شتّى أنواع الممنوعات ولائحة كوارث المجتمع الحديث تطول.
في نفس الوقت نرى السباق إلى التسلّح مُستعِر، سباق تنفق عليه البشريّة ما يفوق أضعاف ما تحتاجه من أجل تضميد جراح الفئات المعدومة تعميم السعادة لبني البشر.
أيّ نوع من الجنون هذا؟
هل احتسبوا كم أسرة فقيرة تستطيع كلّ طلقة مدفع أن تُطعِم؟
هل احتسبوا كمّ مستشفى ودار عجزة ومركز تأهيل ذوي الحاجات الخاصة يستطيعون أن يبنوا بثمن طائرة حربية؟
هل يوقنون كم ينعكس المجهود الحربي سلبًا على مستوى الحياة والرفاه لدى الشعوب؟
وهذا السباق النووي، هل احتسبوا كلفته وهل تحسّبوا لتبعاته؟ وإلى متى ستبقى الدول الفقيرة مكبّ نفايات العالم الصناعي النوويّة؟
كم أنت قويّة يا شركات صناعة الأسلحة والذخائر، شعوب برّمتها مع حكوماتها تخضع لأهدافك الربحيّة!
أنت تقيمين حكومات وتسقطين حكومات، تعزّزين مجتمعات وتذلّين مجتمعات!
حروبكم وقودها الضعفاء والمعوزين، تزجّونهم في حروبكم العبثيّة وتدفعونهم إمّا إلى الفناء وإمّا الى المرض، وليست أكثر سوءاً منكم سوى شركات إستخراج وإنتاج الطاقة. أنتما وجهان لعملة واحدة وتكملان بعضكما البعض.
كم أنتم ضعفاء يا بنيّ البشر، تلهثون وراء المجد الباطل وتفتحون آذانكم لرنين الذهب وتصمّونها عن أنين البؤساء!
حدّثني أحدهم منتقدًا إحدى الدول العظمى قائلًا أنّها لم تربح حربًا واحدة خاضتها.
أجبته بأنّها لا تتوخّى ربح الحرب. إنّها فقط تتوخّى الحرب!