عيد قيام كرسيّ بطرس في أنطاكية 22 شباط/ فبراير، إنطلاقة الكنيسة من المشرق إلى كلّ العالم

"أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي..." (متّى 16: 18)

بطرس... سمعان بطرس، الصخرة و"هامة الرّسل"، هو التلميذ الذي أوكله السيّد المسيح مهمّة بناء كنيسته ورعاية خرافه، إختاره على الرّغم من أخطائه لإحدى أسمى المهمّات التبشيريّة ليكون رئيسًا للرّسل وعلامة لوحدتهم لا سيّما في خدمة وحدة الكنيسة. قال له السيّد "أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (متّى 16: 18).

كانت لبطرس الرّسول حياة جدليّة مليئة بالتحدّيات والمعوقات لكن مُفعمَة بالكرازة والإيمان ما جعله من أكثر المقرّبين من يسوع المسيح. بطرس، قائد الإثني عشر رسولًا وفق ما أُطلق عليه من لقب، نكر السيّد المسيح ثلاث مرّات لكنّه عاد إلى ذاته وتاب. أمّا بعد موت المسيح فعزَم على الحفاظ على ميراث معلّمه من خلال التبشير وترسيخ الأخوّة في الإيمان.

 تحتفل الكنيسة بعيد قيامة كرسيّ بطرس في روما في 18 كانون الثّاني/ يناير الّذي يصادف بداية أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين، وبتذكار قيام كرسيه في أنطاكية في 22 شباط/ فبراير.

وبإسم بطرس تبدأ لائحة الرسل الإثني عشر في أناجيل متّى "اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ" (10: 2)، مرقس (3: 16) ولوقا (6: 14)، وسفر أعمال الرسل (1: 13) "وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى الْعِلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا: بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَسِمْعَانُ الْغَيُورُ وَيَهُوذَا أَخُو يَعْقُوبَ". وذلك لأنّه كان من أوّل المدعوّين إلى مجموعة الإثني عشر تلميذًا عقب تلمذته على يد يوحنّا المعمدان.

إلّا أنّ إسم بطرس يرمز إلى دلالات عدّة قد تصف حياته الإيمانيّة ومسيرته التبشيريّة. بدايةً كان إسمه سمعان بن يونا أو شمعون بالآراميّة السّريانيّة أي السّامع والطائع والخاضع. أمّا السيّد المسيح فدعاه كيفا وهي لفظة سريانيّة تعني الصّخرة أو الحجر، لتصبح باليونانيّة بِتْرُس Petros وبالعربيّة بطرس.

 ماذا عن ولادة بطرس ونشأته؟

ولد سمعان بطرس في قرية بيت صيدا الّتي تقع على الضفّة الشماليّة من بحيرة جناشر (طبريا)، وسكن في قرية كفرناحوم مع أخيه أندراوس الّذي كان أيضًا من بين الرّسل الـ12. ويشير الإنجيل المقدّس إلى أنّ الربّ يسوع دخل إلى كفرناحوم برفقة تلاميذه "وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَجْمَعِ جَاءُوا لِلْوَقْتِ إِلَى بَيْتِ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ مُضْطَجِعَةً مَحْمُومَةً، فَلِلْوَقْتِ أَخْبَرُوهُ عَنْهَا. فَتَقَدَّمَ وَأَقَامَهَا مَاسِكًا بِيَدِهَا، فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى حَالًا وَصَارَتْ تَخْدِمُهُمْ (مرقس 1: 29-31، لوقا 4: 38).

أمّا مهنة سمعان فكانت صيد السمك كأخيه أندراوس. لم يكن عالمًا من علماء الناموس ولم يحصل على أيّ رتبة دينيّة حتّى أنّه لم يكن كاهنًا أو كاتبًا أو فرّيسيًّا. إنّما أتقن اللّغة الآراميّة السّريانيّة وتلقّى منذ صغره علوم الشّريعة والناموس في مدرسة مجمع قريته. ولمّا تفرّق رسل المسيح ليتوجّهوا إلى كلّ أنحاء المسكونة بهدف التبشير بقي بطرس في أورشليم واليهوديّة ليستمرّ بكرازته، لكنّه تحمّل هناك الكثير من التعب والعذاب وحتّى السّجن دفاعًا عن كلمة الحقّ.

 خلال رحلاته التبشيريّة، إنتقل بطرس عام 35 أو 36 إلى أنطاكية حيث أقام كرسيّ رئاسته وواصل بشارته وأنشأ كنيسة أنطاكية الّتي دُعي التلاميذ فيها مسيحيّين أوّلًا، وبقي هناك حتّى عام 42. لذا يُعتبر البطريرك الأنطاكيّ اليوم خليفة الرّسول في هذه الكرسيّ ليتّخذ بطاركتنا لقب "بطريرك أنطاكية وسائر المشرق" منذ القدم وحتّى اليوم.  

تاريخيًّا كُتب الكثير عن بطرس الرّسول وتأسيسه لكنيسة أنطاكية الّتي كانت عاصمة الشرق. المؤرّخ غبطة البطريرك أفرام الأوّل برصوم، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس (ت 1957) قال: "أمّا كنيسة أنطاكية فقد أثبت التقليد الكنائسيّ القديم الراهن، الّذي أجمعت عليه نخبة ممتازة من أئمّة النصرانيّة الأوّلين، وعلمائها ومؤرخّيه الأقدمين، أنّ القدّيس بطرس الرسول بشّر فيها بالدّين المسيحيّ وهدى وعمَّدَ فيها خلقًا كثيرًا وبنى أوّل كنيسة وسنّ للمؤمنين الإتّجاه في الصّلاة إلى الشّرق وأسّس فيها كرسيه الرسوليّ الأوّل وكان هو أوّل أساقفتها أي بطاركتها الّذين إليه يتسلسلون وممّن صرّح بهذا، العلامة أوريجانس (256+) وأوسابيوس القيصري (340+) والقدّيس أفرام السّريانيّ (373+) ومار يوحنّا ذهبيّ الفمّ (407+) والمعلّم هيرنيمس (420+) ولا سيّما مار سويريوس الأنطاكيّ (538+) الّذي أيّد هذه الحقيقة في خطبه ورسائله سبع مرّات وذكر رئاسته على الرسل وتقدّمه ثماني مرّات" (الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة لغبطة البطريرك أفرام الأوّل برصوم طبعة حمص  1940 مج 1 ص 44 و45).

ومن أنطاكية نقل بطرس الرسول كرسيه إلى روما بإلهام من الله عام 43، وأوكل القدِّيس أوديوس ليكون أسقفًا خلفًا له على كنيسة أنطاكية. بقي بطرس 25 عامًا يدير كنيسة روما إلى حيت إستشهاده مصلوبًا عام 67 في عهد نيرون، فطلب من صالبيه أن يصلبوه رأسًا على عقب معتبرًا نفسه غير مستحقّ لأن يصلب كسيّده. علمًا أنّ جسده وُضع في بازيليك القدّيس بطرس في الحاضرة الفاتيكانيّة. 

دائرة التواصل والعلاقات العامة


Previous
Previous

فيديو - مدرسة الثانويّة الخاصّة في حلب تشعّ نورًا من جديد

Next
Next

مجلس كنائس الشرق الأوسط ينعي قُدس الأنبا يوحنا قلته