قمّة كوب27 بين الوعود والتعهّدات الدوليّة: البشريّة في خطر

تحالف آكت اللّاينس يرفع الصوت عاليًا في شرم الشيخ، ما هي مطالبه؟

الصورة: LWF/ ألبين هيلرت

ترجمة وإعداد إيليا نصرللّه


الصور من أنشطة تحالف آكت اللّاينس خلال فعاليّات COP27 في شرم الشيخ

من أوروبا إلى القارة الآسيويّة والشرق الأوسط تتّجه الأنظارمنذ بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر  نحو مصر. قضيّة المناخ تتصدّر المشهد العام من أرض الكنانة إلى العالم أجمع. مطالب، تصاريح، كلمات، فعاليّات... رُفعت وتجسّدت في إحدى أكبر مؤتمرات الأطراف العالميّة قمّة التغيّر المناخيّ COP27. هناك حيث الوعود والتعهّدات انمزجت مع شعارات ودعوات القيادات الدوليّة المشاركة في سبيل الحدّ من أزمة التغيّر المناخيّ وتداعياته. جميعهم دقّوا جرس الإنذار معترفين بالخطر البيئيّ الّذي يتهدّد البشريّة. لكن هل المبادرات البيئيّة التّي أطلقوها بإسم دولهم في COP27 تبصر النور قريبًا؟ وهل حقًّا سنشهد على تغيير فعليّ نحو مستقبل أفضل عبر مرافقة الدول والفئات الأكثر ضعفًا؟

الصورة: LWF/ ألبين هيلرت

يبقى الوقت كفيل بكشف المستجدّات والوقائع. الّا أنّه مع انتظارنا لأي جديد متّسم بآمال بيئيّة ما زالت معاناة الشّعوب تتفاقم يوميًّا في كلّ أنحاء الأرض لا سيّما في الدول الفقيرة وغير النامية. وفي الأرقام كشفت التقديرات الأمميّة الّتي نُشرت حتّى عام 2021 عن تأثّر ما لا يقلّ عن 30 مليونًا من الناس عالميًّا بسبب التغيّرات المناخيّة لا سيّما في دول إفريقيا أو شرق آسيا جرّاء السيول والفيضانات والجفاف.

من دون أن ننسى أنّ الأنشطة البشريّة خصوصًا في الدول الصّناعيّة والغنيّة أدّت إلى اشتداد حدّة أزمة التغيّر المناخيّ من خلال الإنبعاثات والغازات الصّادرة عنها والّتي تتسبّب بالإحتباس الحراري وأيضًا ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئويّة... ما يعني أنّ العالم سيعاني من درجات حرّ شديدة وهطول أمطار في أوقات غير متوقّعة وارتفاع مستوى المياه في المحيطات والبحار وبالتّالي قد يتعرّض سكّان الأرض إلى خسائر كبيرة في الممتلكات وحتّى الأرواح. هذا عدا عن التداعيات الإقتصاديّة والزراعيّة والإنتاجيّة وزيادة نسبة الهجرة...

من رحم هذه المعاناة ترفع المنظّمات الإنسانيّة والدينيّة المعنيّة صوتها عاليًا إلى قمّة COP27 خصوصًا وأنّها الأكثر قربًا من الناس شاهدةً على وجعهم وآلامهم المتواصلة. تحالف آكت اللّاينس العالميّ والّذي يشكّل مجلس كنائس الشرق الأوسط جزءًا أساس منه، استطاع أن يكون من أكثر الجهات تفاعلًا ونشاطًا في فعاليّات COP27 في شرم الشيخ حيث كان له مطالب وتوصيات واقعيّة مختلفة عزم على إيصالها إلى جلسات مؤتمر الأطراف.

 

دور آكت كمنظّمة دينيّة

في الواقع يشكّل COP27 محطّة مهمّة في مسار عمل المنظّمات الإنسانيّة والدينيّة الّتي لطالما تسعى عبر برامجها إلى تحقيق العدالة المناخيّة ومرافقة الفئات الأكثر تضرّرًا. آكت اللّاينس تدعو الحكومات إلى فهم تغيّر المناخ كمشكلة أخلاقيّة تتطلّب حلولًا أخلاقيّة ومعنويّة. وتحثّ الحكومات للبحث عن حلول تفيد الناس والكوكب والنظم البيئيّة أوّلًا بدلًا من السعي نحو الأرباح. كما تعتبر آكت أنّها مدعوّة مع سائر المنظّمات الدينيّة إلى الإعتناء بخليقة الله والتضامن مع الفئات الأكثر فقرًا وضعفًا.

خلال فعاليّات قمّة COP27 تتّخذ آكت أولويّات متعلّقة بكرامة الإنسان وحقوقه والعدالة بين الجنسين والعدالة بين الأجيال ومشاركة الشّباب وحقوق المهاجرين. لذا تشجّع آكت كلّ المنظّمات الدينيّة على مواجهة الظّلم المناخيّ وكلّ أنواع القمع، وتدعم الشّفافيّة ومبادئ الديمقراطيّة وحقوق الإنسان، مطالبةً بمشاركة المجتمعات الضعيفة بشكل كامل في كلّ مؤتمرات الأطراف وضمان احترامها وحمايتها من الإنتهاكات كافّة.

 

نحو العدالة المناخيّة

في الحقيقة تثبت التجارب أنّ الجهود المبذولة نحو العدالة المناخيّة لا يمكنها أن تنتج ثمارًا جدّيّة من دون استراتيجيّة ورؤية نابعة من أرض الواقع، فما هي إذًا مساعي آكت اللّاينس في هذا الإطار؟ وما هي الرسائل الّتي حملتها إلى COP27؟

الصورة: LWF/ ألبين هيلرت

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ آكت ترفض اعتبار المجتمعات الفقيرة والنساء والأطفال والسكّان الأصليّين والمهاجرين بأنّهم مساهمين في تفاقم الأزمة المناخيّة أو حتّى إنتاج البصمات الكربونيّة. لا بل هي من أكثر المجموعات المتضرّرة حيث تشكّل مسألة تغيّر المناخ قضيّة عدالة. كما تدعو آكت إلى اتّخاذ إجراءات مناخيّة مجدية وأكثر فعاليّة تضمن حقوق الفقراء والضعفاء والنساء والأطفال وتساعدهم على التحرّر من مشاكل الجوع والفقر في سبيل تأمين سُبل عيش أفضل. أيضًا تحثّ الحكومات على البتّ بحلول مناخيّة عبر تقكير استشرافيّ بغية الحدّ من الظّلم الإجتماعي أو الإقتصادي سعيًا للوصول إلى الفئات المهمّشة بما فيها الشّباب والمهاجرين والنساء والفتيات والشّعوب الأصليّة.

وتضع آكت قضيّة حماية النساء والفتيات من ضمن أولويّاتها المناخيّة لأنّها من أكثر الفئات ضعفًا. وتعتبر أنّ العدالة المناخيّة تعتمد أيضًا على المشاركة المتساوية للنساء والفتيات بكلّ اختلافاتهنّ، لا سيّما في كلّ عمليّات صنع القرار المتعلّقة بتغيّر المناخ عبر نهج يحفظ الحقوق. على هذا النحو، يجب، وفق آكت، إدراج الإلتزامات السّابقة الخاصّة بالمساواة بين الجنسين في كلّ الأنشطة المناخيّة.

لم تكتف آكت بهذه المطالب حيث تشدّد على أنّ تغيّر المناخ يهدّد التنمية المستدامة ويعرّض الأشخاص الّذين يعيشون في فقر لخطر أكبر في فقدان حياتهم وسُبل عيشهم. لذا ترى أنّ الحدّ من تغيّر المناخ يسهم في حماية المهمّشين والأجيال المستقبليّة وكلّ المخلوقات من وطأة المعاناة الهائلة الناجمة عن هذه الكارثة البيئيّة. من هنا تحثّ آكت كلّ دول العالم إلى اتّخاذ إجراءات جديّة بهدف معالجة وتجنّب تأثيرات المناخ وحتّى التخفيف منها، والعمل على حدّ المعاناة والخسائر الكبيرة الّتي تتحمّلها المجتمعات اليوم.

كما تقرّ آكت أنّ أعضاءها، بمن فيهم مجلس كنائس الشرق الأوسط، يلمسون التداعيات الخطرة الّتي يفرضها تغيّر المناخ ويهدّد حياة الفئات الأكثر ضعفًا الّتي تحتاج إلى دعم وحماية. هذا وتشدّد على اتّخاذ الإجراءت المناخيّة على المستويات كافّة للعمل على الحدّ من الإحترار إلى أقلّ من 1.5 درجة مئويّة. وإلّا ستبقى التنمية المستدامة بعيدة المنال، ما يعرّض حياة ملايين الأشخاص للخطر.

 

التمويل المناخي: بين تعهّدات جديدة ووعود سابقة

وسط كلّ الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة المناخيّة وحماية الفئات الأكثر تضرّرًا، يشكّل التمويل عنصرًا أساس للمضيّ قدمًا في سبيل التخفيف من آثار التغيّرات المناخيّة والتكيّف معها. لذا لا بدّ من أن تسهم الدول النامية في دعم ومساعدة البلدان الفقيرة لمواجهة أزمة التغيّر المناخيّ لأنّه معًا نبني مستقبل أفضل وأكثر أمانًا.

الصورة: LWF/ ألبين هيلرت

من هذا المنطلق، تطالب آكت اللّاينس الدول المتقدّمة بتجديد التزامها بوعودها الداعمة الّتي تبلغ قيمتها 100 مليار دولار أميركيّ سنويًّا في إطار الحدّ من كارثة التغيّر المناخي. كما تدعو هذه الدول إلى ضمان تسليم 600 مليار دولار أميركي لتغطية الفترة الممتدّة بين 2020 و2025 بهدف تعويض النقص المسجّل حاليًّا. وتعتبر آكت أنّ COP27 يجب أن يضمن التمويل المناخيّ كي يطال المجتمعات الشّعبيّة الّتي تعاني بدورها من أزمة المناخ.

على هذا النحو، تحثّ آكت كلّ الجهات المعنيّة أن تتنبّه في مبادراتها للتمويل المناخيّ على نوع الجنس والإنصاف وحقوق الإنسان والمهاجرين والشّباب. علمًا أنّ النساء والفتيات في كلّ اختلافاتهنّ تُعتبر من أكثر الفئات تضرّرًا من أزمة المناخ، ما يجعل قضيّة اندماجهنّ في كلّ المشاريع المناخيّة مسألة ضروريّة جدًّا. لذا توصي آكت أن يعترف مؤتمر الأطراف COP27 بمساهمة التغيّر المناخي في زيادة نسبة الهجرة وتدعو الدول إلى تسهيل الوصول إلى المسارات المنتظمة لهذه الهجرة. مع العلم أنّ الدول النامية باتت بحاجة إلى إرشادات حول سُبل الوصول إلى تمويل مستدام وكافٍ قد يسهم في تلبية احتياجات المتنقّلين. وتشدّد آكت أيضًا على ضرورة مضاعفة التمويل الّذي تمّ التعهّد بتقديمه خلال COP26، وبالتّالي تسليم هذا الدعم بطريقة شفّافة وعادلة.

 

الخسائر والأضرار: البشريّة في خطر

"الكوكب ليس بخير" هي عبارة تعكس واقعًا مرًّا معاشًا في أرض تصرخ وجعًا جرّاء التداعيات المناخيّة الخطرة. أمّا السؤال المشروع هنا فيبقى: هل يصبح العالم غير صالح للسكن؟

الصورة: LWF/ ألبين هيلرت

للأسف قد نصل في عالمنا إلى وقت عصيب يهدّد مستقبلنا وحياة الأجيال المقبلة خصوصًا وأنّ الخسائر والأضرار الناجمة عن التغيّر المناخيّ تزداد فداحة مع مرور الأعوام. من هنا أصبح مهمًّا جدًّا، بحسب آكت، أن تحظى مسألة الخسائر والأضرار باهتمام أكبر خصوصًا وأنّها تندرج في إطار الركيزة الثالثة لاتّفاق باريس حيث يجب أن تتوافق التدفّقات الماليّة العالميّة مع هذه الإتّفاقيّة.

لذا تشدّد آكت اللّاينس على ضرورة الإلتزام بالتعويض عن الخسائر وأيضًا العمل على تحقيق سائر الإلتزامات الرامية إلى التخفيف من وطأة التداعيات المناخيّة وتأمين المساعدات الإنسانيّة والإنمائيّة. بات ضروريًّا إذًا تخصيص جزء من التمويلات المناخيّة لمعالجة الأضرار. كما تعتبر آكت أنّه ينبغي معالجة مسألة التنقّل البشري الناجم عن  تغيّر المناخ في كلّ التدابير المتّخذة بشأن التكيّف، الخسائر والأضرار.

 

الطموح المناخي والتخفيف من تداعيات التغيّر المناخيّ

تذكّر آكت أنّ عدد قليل من الدول قد أوفت بوعودها الّتي تعهّدت بها في COP26 بشأن العمل على خطط وطنيّة تسعى إلى الحدّ من الإنبعاثات. لذا أصبح أساسًا أن تحافظ الدول على هدف 1.5 درجة مئويّة من خلال معاودة التعهّد بوعود COP26 في زيادة الطموح المناخي. وذلك ممكن عبر زيادة التمويل لدعم الإنتقال إلى طاقة منخفضة الكربون، مواجهة التغيّر المناخيّ وتحقيق التحوّل العادل، وبالتّالي الحدّ من تمويل الوقود الأحفوري والتخفيف من الإنبعاثات عبر مبادرات مختلفة.

 

مبادرات لا يمكنها أن تصبح حقيقة من دون دعم وتمويل من قبل الجهات المانحة لا سيّما الدول الغنيّة الّتي يقع على عاتقها مسؤوليّات كبيرة في التخفيف من الأنشطة المؤدّية إلى التغيّر المناخيّ، وذلك في سبيل مرافقة الدول الأكثر تضرّرًا.

والّا تبقى الوعود الدوليّة مجرّد حبر على ورق...

أمّا من منظور مسيحيّ نعترف كبشر بأنّنا أخطأنا تجاه خليقة الله الّتي جبلها وصنعها بمحبّة من أجلنا. لا بدّ إذًا من استعادة مسؤوليّتنا الّتي أوكلنا بها الله للحفاظ على بيتنا المشترك وحمايته. وبانتظار تنفيذ تعهّدات الحكومات والجهات الرسميّة، قد تسهم الشّعوب بشكل أسرع ربّما في الحدّ من العوامل الّتي تؤدّي إلى التغيّر المناخيّ.

مستقبلنا في خطر... حقيقة لا يمكننا الهروب منها والعمل الجبّار أصبح حاجة ماسّة!

 

دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

معًا نتكاتف ونصلّي - تذكار القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (العائلتان الكنسيّتان الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة)

Next
Next

معًا نتكاتف ونصلّي