كلمة غبطة البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان في خدمة الصّلاة المسكونيّة لمناسبة ختام "موسم الخليقة" في بكركي
في التالي كلمة غبطة البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان، كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الكاثوليكيّة، في خدمة الصّلاة المسكونيّة الّتي نظّمها مجلس كنائس الشرق الأوسط لمناسبة ختام "موسم الخليقة 2022"، عشيّة عيد القدّيس فرنسيس الأسّيزي، الإثنين 3 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2022، في الصرح البطريركيّ في بكركي، لبنان.
لقد قرأت في بعض الصفحات التي نُشرت سابقًا عن جمال هذا اليوم للإستماع إلى صوت الخليقة. نعم إنّه يوم رائع وفرصة ثمينة خصوصًا للأسرة المسيحيّة التفكير والتأمّل والإصغاء إلى صوت الخليقة، لأنّها مناسبة تحيي فينا الأمل والنشاط للعمل سويّة بدون تفرقة وتمييز وانحياز بين أفراد جميع الأديان. إنّنا أولاد الله، أولاد خالق واحد ولا يحقّ لنا التمييز بين أبناء العائلة الواحدة.
لقد قرأت أيضًا عن الهدف الذي يصبو إليه هذا اليوم من فرصةٍ مرتبطةٍ بالأسرة وممتلكات العائلة والمنزل، ما يعنى الإنسان على هذه الأرض الغنيّة بجمالها ومحتوياتها من خضار وطعام وحيوانات وطيور وأسماك، غنيّةٌ في بحارها وجبالها ووديانها فكل هذا هو عطيةٌ من الخالق إلى خليقته. ونحن نستهتر بها لأهداف غريزية، لا أخلاقية ولا صحية ولا إجتماعية. نكرانٌ للجميل أمام كل هذه القيم النبيلة المقدمة لنا بسخاء.
في طقسنا اللّيتورجي الأرمني، في فرض الصباح نتلو باقةً من المزامير ومنها المزمور الـ148 الّذي يعدّ من مزامير التسبيح وتمجيد الله في خلائقه.
هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا الرَّبَّ مِنَ السَّمَاوَاتِ. سَبِّحُوهُ فِي الأَعَالِي
سَبِّحُوهُ يَا جَمِيعَ مَلاَئِكَتِهِ. سَبِّحُوهُ يَا كُلَّ جُنُودِهِ
سَبِّحِيهِ يَا أَيَّتُهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. سَبِّحِيهِ يَا جَمِيعَ كَوَاكِبِ النُّورِ
سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ السَّمَاوَاتِ، وَيَا أَيَّتُهَا الْمِيَاهُ الَّتِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ
لِتُسَبِّحِ اسْمَ الرَّبِّ لأَنَّهُ أَمَرَ فَخُلِقَتْ،
وَثَبَّتَهَا إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ، وَضَعَ لَهَا حَدًّا فَلَنْ تَتَعَدَّاهُ
سَبِّحِي الرَّبَّ مِنَ الأَرْضِ، يَا أَيَّتُهَا التَّنَانِينُ وَكُلَّ اللُّجَجِ
النَّارُ وَالْبَرَدُ، الثَّلْجُ وَالضَّبَابُ، الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ الصَّانِعَةُ كَلِمَتَهُ،
لِيُسَبِّحُوا اسْمَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ قَدْ تَعَالَى اسْمُهُ وَحْدَهُ. مَجْدُهُ فَوْقَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ
اليوم نتساءل أين نحن من هذه الصّلوات الّتي نتلوها في جوّ التفاوت والتواضع، ومن ثمّ نخرج منها إلى جوّ الأنانيّة والجشع، نقاتل ونحارب ونطعن بالطبيعة وكلّ الخلائق والكائنات؟ أين نحن من التآخي مع البشر ومع الخليقة المتألّمة، المستغلّة المباحة؟ أين نحن اليوم والخليقة ضحيّة الحروب الهمجيّة الّتي تدور في جميع أنحاء الأرض ومنها بإسم الخالق ضدّ خليقته؟أين نحن عندما نستسلم أمام أصحاب القوى والسلطة المسيطِرة والذين لا يبالون إلاّ بمصالحهم وأرباحهم اللاشرعية وما موقفنا من الخليقة المستفيدة من أصحاب القوى الذين حملوا أخوتهم من البشر ونكّلوا بهم حتى الأمّر.
دول تتألّم وتموت من الجوع والفقر ودول تفرط في الغنى الفاحش. شعبٌ يُقتل ويضحمل وآخر يستغلّ ذلك لزيادة أملاكه وأرباحه.
إنّي آسف على ما وصلنا إليه في أيّامنا هذه وقد فقدنا القيم الإنسانيّة ونسينا وتناسينا خالقنا المحبّ الرحوم والرؤوف. أنا آسفٌ على ما نحن عليه من عللٍ وأمراض روحيّة، لا بل أنا آسفٌ على هذه الحروب الّتي تفتك بالبشرية ومنها وبها تمُدّ الوباء إلى جميع الكائنات المستقرّة على هذا الكوكب الذي يُسمّى الأرض، الأرض الّتي اختارها الربّ لنا جنّةُ عدن، وله سكنٌ عاشَ فيهِ متجسّدًا من الروح القدس.
إنّني آسفٌ على تصلبي في الخطيئة فقد أصبحت أصمّ وأبكم أغوص في أنانيتي وأنا بلا بصر.
فلذا أحببت أن ألتجئ إلى ربّي في هذه الصلاة مرددًا أبتي الرحوم الغفور ومحب البشر أنت الذي أرسلت ابنك الوحيد ومخلّصنا يسوع المسيح الذي بدوره بشرنا بالخلاص وحذرنا من الشرير، مشددًا بكلامه قائلًا "من له أذنان فليسمع". لكنّنا وللأسف لنا أذنان ولا نسمع، وعيون ولا نبصر الخطر الّذي يُحيط بنا، لا وبل وإن رأيناه، شاركنا في الخراب والتدمير، والقتل والتنكيل في ما بيننا.
فلذا أردت اليوم الرجوع إلى بيتك يا ربّ لتأخذني مثل الإبن الضال، فلقد ندمت على ما فعلته بالفكر والقول والفعل والإهمال. أرجع إليك نادمًا وراجيًا أن تغمرني برحمتك وتفتح بصري بنعمة روحك القدّوس، لأرى الحقيقة وأنذر نفسي لخدمتك في هذه الحياة.
أعود إليك أبتي بروحٍ متواضعةٍ راجيًا أياكَ أن تغفر لي خطاياي وتعطيني حياةً متجددةً بك يا سيد الحياة ومخلصي يسوع المسيح. أمين.