وميض أمل مسكونيّ من قلب الدمار
هذه الكلمة متوفّرة أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
في بيروت الجريحة، المكلومَة، المدمرة، اجتمعنا، نحن العائلة المسكونيّة في لبنان من أجل أن نقيم صلاة إفتتاح موسم الخليقة.
في الكنيسة الإنجيليّة الوطنيّة في بيروت، وباستضافة كريمة من راعيها، أتينا، من كل أنحاء لبنان المحاصر، من أجل أن نحتفل بالحياة ونحن على فوهة العدم.
البعض حاول الإنتقاد، معتبرًا أن حماية البيئة ترف، وقد فاته أن حماية هِبة الخالق، بيت الرب، موئلنا في هذه الحياة، هي بأهميّة الرغيف والدواء والوقود. لقد فات هذا البعض أن هذا اللقاء هو ثورة سلميّة حضاريّة صامتة على من أوصل بلاد الكرَم والضيافة إلى هذا الحضيض.
هو نفسه الذي يذلّ الشعب ويحرمه الغذاء والدواء والنور، هو الذي حوّل بلده إلى سجن كبير يستسهل فيه البعض إستعباد البشر وجعلهم يعيشون شظف العيش بين النفايات وألغام الحياة.
في الكنيسة الإنجيليّة الوطنيّة في بيروت إجتمعنا، مسكونيّين، لكي نشكر الخالق على عطاياه ولكيّ نجدّد وعدنا أمام صليبه، رمز الفداء، أننا سوف نحفظ الوديعة.
كلّ المسيحيين كانوا واحدًا داخل الكنيسة، صلّوا وتأمّلوا ورنّموا واستمعوا إلى كلمات تهدف إلى بثّ الوعي وشحذ الهِمَم من أجل حماية ما تبقى من طبيعة لبنان الأخضر، لبنان الذي حلّت فيه روائح النفايات مكان روائح الياسمين والخزام والصنوبر. ومن لبنان تصل الرسالة إلى المشرق وإلى العالم.
لبنان النسيم العليل الذي "يرد الروح"، أصبح يرزح تحت دخان عشرات الآلاف من المولّدات المزروعة في مدنه وقراه.
لبنان الرفاه والبحبوحة، أصبحت شوارعه مزروعة أناسًا يبحثون في مستوعبات النفايات عن بقايا طعام.
لبنان الفرح والفنّ والإبداع، يُفرغ الآن من أبنائه يهجرونه بحثًا عن حياة أفضل!
مقابل كل ذلك، ردًا على كل ذلك، اجتمع أحبار الكنيسة في لبنان، في الكنيسة الإنجيليّة الوطنيّة في بيروت، لكي يعلنوا أن أبناء بيعة المتجسّد المصلوب المتمرّد على تجّار الهيكل كما على الفناء، لم يقولوا كلمتهم بعد.
بكلّ ثقة ومحبّة ومضاء عزيمة، حضر أحبار الكنيسة الجامعة، في لقاء مسكونيّ، مع جمع من المؤمنين يجدّدون إيمانهم بخالق محب ويشكرونه على الخليقة.
من كلّ الكنائس كانوا، ومن كل المناطق أتوا، متحدّين الوباء المنتشر والوقود المفقود والطرقات التي تُقطع فجأة.
في هذا اللقاء المسكونيّ، باكورة موسم الخليقة، تجلّى غنى المسيحيّة المشرقيّة كما تجلّت وحدتها في تنوّعها.
نصوص صلوات وتأملات وترانيم ملأت سماء الكنيسة واشترك فيها الجميع في فرح مسكوني طال غيابه عنّا بسبب ما تمرّ به البلاد.
النباتات التي تزيّنت بها الكنيسة كانت تردّ بصمت على اليباس الذي فتك بالبلاد. الوحدة الروحيّة التي تجلّت في الكنيسة كانت ترد، بسكون على التفسّخ الإجتماعي الذي تشهده البلاد. الود الظاهر بين المحتفلين كان يرد بهدوء على الجفاء الذي يجتاح البلاد.
لقد كان عرسًا مسكونيًا بيئيًا بامتياز.
لقد كان يومًا ثلاثيّ الرمز: كنيسة عريقة تطلّ على ما كان خلال الحرب خطّ تماس تحتضن لقاءً مسكونيًّا يهدف إلى حماية البيئة.
هذا الإحتفال قام بتحضيره مؤمنون متمتعون بكفايات عالية انجزوا عملهم بمهنية وفعالية رفيعة. ترافق هذا الإحتفال مع إحتفالات مماثلة في مصر وبعض بلدان المنطقة إذ انّه يحمل بعدًا إقليميًّا كما سائر أعمال ونشاطات المجلس. إنّ يد الله مع الجماعة.
من تحت الركام، من قلب الدمار، من بين الحرائق، ما زالت الحركة المسكونيّة تتحدّى الإندثار والتجزئة، وترسل وميض حياة إلى كلّ معني بمستقبل أفضل للإنسان.