البيئة ايضًا وايضًا
هذه الكلمة متوفّرة أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
لن نكتب كفاية عن البيئة.
مهما كتبنا وتحدّثنا وحاضرنا وانتدينا وحثّينا، فلن يكون الأمر كافيًا.
أولًا لأن البيئة، عطيّة الخالق، هي الحاضنة لحياتنا والضامنة لمستقبل أجيالنا ولاستمرار الإنسانيّة على هذه الأرض.
وثانيًا لأن الضرر الذي ألحقته البشريّة بالبيئة، منذ الثورة الصناعيّة وحتى اليوم، أكبر من أن تتسِّع له كتب ومحاضرات وموسوعات.
الكنيسة عبر خبرائها ومؤسّساتها المعنيّة، كما مجلس كنائس الشرق الأوسط، قد قاموا ويقومون بما تستدعيه المرحلة والأوضاع التي وصلت إليها البيئة.
باكورة عملنا الجماعي كانت إطلاق "موسم الخليقة" وهو كناية عن حملة تثقيفيّة توعويّة بدأت في أول أيلول/ سبتمبر وستنتهي في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر كما حدّدته الكنيسة تزامنًا مع السنة الطقسيّة/الليتورجيّة.
لقد إفتتح هذا الموسم بصلاة في الكنيسة الوطنيّة الإنجيليّة في بيروت وسيختتم بصلاة يوم الأحد الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر في دير سيدة الزيارة، معهد وجمعيّة فيلوكاليا في بلدة عينطورة في منطقة كسروان، برعاية غبطة البطريرك الكاردينال بشارة بطرس الراعي.
لقد حفل هذا الشهر بنشاطات وحملات ومشاريع هدفت إلى وضع بند البيئة على جدول أعمال المجتمعات الشرق - أوسطيّة، إذ أن الأنشطة جرت في مختلف الدول التي تتواجد فيها الكنائس الأعضاء في منطقتنا.
ولكن العِبرة ليست في أن نتذكّر البيئة مرّة في السنة، عند حلول موسم الخليقة، وأن ننساها، لا بل نمعن فيها أذيّة، باقي أيّام السنة. العبرة أن يكون العمل البيئي مستدامًا حتى يصبح جزءًا من ثقافتنا ومن إهتماماتنا اليوميّة، بدءًا من النفايات المنزليّة إلى النفايات الصناعيّة مرورًا بالنفايات الطبيّة، واللائحة قد تطول.
ليست فقط ثقافتنا البيئيّة غير كافية في منطقتنا، إنما مراقبة تطبيق التشريعات أيضًا. ليس هناك من إقتصاص كاف ممّن يمعنون بالبيئة تمثيلاً ودمارًا، منها ما هو باد للعيان ومنها ما هو خفيّ ويظهر تدريجًا للناس وأحيانًا بعد فوات الأوان.
الذين يؤذون البيئة يغدرون بالناس والمجتمع وقد يعتمدون إمّا على نقص في التشريعات أو نقص في المراسيم التطبيقيّة أو نقص في وعي من يطبّق قوانين حماية البيئة. وقد يعتمدون أكثر ما يعتمدون على فساد أو على إفساد من يقوم بتطبيق القانون.
إن الضمانة الأساسيّة للحفاظ على البيئة، إضافة إلى كلّ ما ورد أعلاه، تكمُن في تثقيف الأجيال الصاعِدة على صيانة البيئة وذلك عبر إدراج البُعد البيئي في المناهج الدراسيّة إمّا من ضمن دروس التربية المدنيّة أو من ضمن حِصَص مخصّصة للبيئة.
بالتوازي مع هذا الإتجاه، لا يجب أن تغيب عن بالنا أهميّة العمل الزراعي في صيانة البيئة وتطويرها. عندما يزداد الإخضرار وينحسر القحط، تصبح البيئة الطبيعيّة في وضع تستطيع فيه أن تدافع عن نفسها، عبر الأيادي الخضراء المباركة. لا يمكننا محاربة الفناء الّا بتحفيز الحياة.
إنّ الجفاف المهدّدة به منطقتنا، المفتعل بسدود تُشيّد هنا وهناك، يهدِّد ليس فقط نوعيّة البيئة، إنما الحياة برّمتها في الشرق الأوسط، إذ قد يكون المقدّمة لإفقار وتهجير وحروب.
إنّ التحدّي كبير جدًا، والمطلوب من دُوَلنا وكنائسنا والقيادات الدينيّة عامة، إضافة إلى هيئات المجتمع الأهلي والمدني أن تتآزر في دفع هذه الكأس المرّة عنا، في جيلنا الحاضر وفي أجيال الزمن الآتي.
إنّ الموارد الضروريّة للرّد متوفرة. يتطلّب الأمر بعضٌ من الإرادة.