الشّباب حاضر الكنيسة ومستقبلها... فهل من يصغي إليهم؟
المنسّق العام للّجنة الوطنيّة لرعويّة الشّبيبة في لبنان المحامي روي جريش:
علينا الدخول إلى عالم الشّباب كي ننجح في تقريبهم من يسوع المسيح
أن نسير معًا يعني أن نتحاور ونصلّي ونعمل معًا...
هذا التحقيق متوفّر أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.
تحقيق ايليا نصراللّه
وسط عالم غارق بالحروب والنزاعات وخطاب الكراهيّة والعنف والحقد... وفي عصر تظلّله الأزمات والصّراعات التي لا تنتهي حتى مع تفشّي وباء فتّاك... قد يكون مستغربًا أن يقول أحد الشّباب اليوم "نحن الكنيسة". يقولها بإيمان مستقيم على الرّغم من أنّه يعيش في مجتمع يوجّه الإتّهامات للشّباب والتعليقات السلبيّة تُدخِلُهم في دوّامة من اليأس والقلق... فمنهم من يعتبر الشباب غير مؤهّل أو جاهز لبناء مستقبل أفضل ومنهم من يراهم مصدرًا للإنحراف والتطرّف... ومنهم من يجدهم عنصرًا بعيدًا عن الكنيسة والصّلاة والرّجاء...
لكن مهلًا! هل سأل أحد يومًا هؤلاء الشّباب عن حاجاتهم وهواجسهم؟ وهل بحث أحد في دور الكنيسة تجاههم؟ في الواقع يعيش الشّباب اليوم، لا سيّما في الشرق الأوسط، معضلة أساسيّة تتجّلى في مستقبل مجهول، فما هي تحدّياتهم؟ وهل يعتبرون الكنيسة ملجأً آمنًا لهم؟ أسئلة كان لا بدّ من طرحها عليهم خصوصًا مع تدهور الظّروف المعيشيّة يوميًّا.
يروي المنسّق العام لشبيبة كاريتاس لبنان وعضوّ لجنة الشّبيبة في المجلس الرّسوليّ العلمانيّ في لبنان بيتر محفوظ أنّهم كشباب هم جزء من المجتمع وليسوا بعيدين عمّا يحيط بهم "لكنّنا نواجه صعوبات عدّة كتفاقم الأزمات الإقتصاديّة والإجتماعيّة في البلاد لا سيّما وأنّها تؤثّر سلبًا على حياتنا وعلى الصّعد كافّة. البعض منّا يعجز عن متابعة دراسته لأنّه بحاجة إلى تخصيص وقت للعمل من أجل تأمين لقمة عيش له ولأهله... والبعض فقد مصدر رزقه، وآخرون عاجزون عن إيجاد فرصة عمل... كما ينوي قسم منّا اللجوء إلى باب الهجرة الّتي أصبحت ظاهرة خطيرة بالنّسبة لنا".
أمّا الكنيسة فيعتبر بيتر أنّها "تقوم بدور كبير في ظلّ الظّروف الّتي نعيشها، بشكل مباشر أو عبر المؤسّسات التابعة لها ككاريتاس لبنان مثلًا. الكنيسة تحفّز الشّباب على المثابرة في العمل، في مجال الزّراعة على سبيل المثال حيث قدّمت لكاريتاس لبنان أراض زراعيّة بهدف تنفيذ مشاريع زراعيّة عدّة تسمح من جهّة للشّباب بتأمين مصدر دخل ومن جهّة أخرى تأمين موادّ غذائية للنّاس بأسعار منخفضة". يتابع ويقول "الكنيسة تساهم في دعمنا على مختلف الصّعد وفي كلّ المشاريع المنوي تحقيقها والأفكار الجديدة لكنّها في النّهاية ليست الدولة كي تؤمّن كلّ حاجات المواطنين".
من ناحية أخرى يرى رئيس أخويّات شبيبة العذراء في لبنان وعضوّ لجنة الشّبيبة في المجلس الرّسوليّ العلمانيّ جميل كسّاب أنّ الكنيسة باتت أمل الشّباب الوحيد اليوم ويقول "نحن الكنيسة ولا نطلب شيئًا منها، لكن نتمّنى أن تدعمنا بشكل أكبر، وذلك من أجل تحقيق عملنا الرّسوليّ خصوصًا أنّنا متطوّعون وتمتدّ مهامنا ورسالتنا في كلّ الأبرشيّات، على صعيد مركزيّ وعلى مساحة الوطن بأكمله". كما شدّد جميل على تحدّي الهجرة الّذي يواجهونه كشبيبة اليوم "أصبحنا نخسر طاقات كثيرة تعمد إلى السّفر بحثًا عن ظروف معيشيّة أفضل ومن أجل تأمين لقمة العيش".
الشّباب جزء لا يتجزّأ من الكنيسة
مقابل كلّ ذلك يبقى إلتزام الشّباب الكنسيّ اليوم مهدّدًا جرّاء موجة التطوّر والعولمة الّتي تظهر على مرّ السنين كما بسبب الأجواء السلبيّة والمتشنّجة الّتي تحيط بهم. لكن هل من حوافز يمكن للكنيسة إعتمادها كي تحافظ على وجود الشّباب في أحضانها؟ كيف بإستطاعتها أن تقف إلى جانبهم؟ وما هي مهام لجنة الشّبيبة في المجلس الرّسوليّ العلمانيّ في لبنان؟ كلّها إستفسارات يجيب عنها المنسّق العام للّجنة الوطنيّة لرعويّة الشّبيبة في لبنان المحامي روي جريش في حديث مع دائرة التواصل والعلاقات العامة في مجلس كنائس الشرق الأوسط.
بدايةً يصف جريش مفهوم الإلتزام معتبرًا أنّه "يختلف عمّا كان في الأعوام الفائتة ويكمن اليوم في كيفيّة عيش الشّباب خبراتهم الإيمانيّة في ظلّ الأزمات الّتي تحيط بنا، من خلال ممارسة الطقوس والشّعائر الدينيّة مثلًا، الإلتزام الشّخصيّ بقراءة الكتاب المقدّس، سبل مواجهة مختلف التحدّيات... لذا الإلتزام متفاوت بين شخص وآخر. لكن الأهمّ يتجسّد حين يقوم الشّاب بإعادة قراءة مسار حياته وتقويم إلتزامه وذلك من خلال مدى تمسّكه بالرّجاء الّذي يستمدّه بلقائه الشخصيّ مع يسوع المسيح يوميًّا".
نسأل جريش عن الأسباب الّتي تعيق الإلتزام الكنسيّ للشّباب فيجيب أنّه من الأفضل عرض ما يتمّ تقديمه لهم بغية المحافظة على وجودهم في حضن الكنيسة فهم جزء لا يتجزّأ منها لأنّهم الكنيسة بحدّ ذاتها. لكن لا يمكننا اعتبار الشّبيبة اليوم مستقبل الكنيسة؛ يقول قداسة البابا فرنسيس أنّ الشّبيبة هم حاضرها، وهذا ما يشدّد عليه في إرشاده الرّسوليّ "المسيح يحيا". نحن حاضر الكنيسة وبحسب هذا الحاضر يتكوّن المستقبل". يتابع قائلًا "أمّا في اللّجنة الوطنيّة لرعويّة الشّبيبة فقد إعتمدنا على هذا المفهوم كبوصلة لعملنا مع الشّبيبة خلال هذه الفترة. مهامنا كلجنة يكمن في أن ننطلق من الأفكار والتصوّرات الّتي يتحدّث عنها قداسة البابا فرنسيس لنتمكّن في أن نكون كنيسة شابة وجاذبة".
من هنا يضيف المحامي روي جريش "علينا اليوم معرفة سبل إيصال كلمة الحياة للشّباب وكيف نكون شهودًا حقيقيّين ليسوع المسيح بطريقة تجذبهم إلى الكنيسة وليس العكس، وذلك لا يتجسّد فقط عبر المطارنة والكهنة والمسؤولين وأصحاب الرّتب الكنسيّة...، وإنّما أيضًا من خلال الشّبيبة أنفسهم فالإتّكال الأكبر يقع عليهم اليوم".
أمّا في ما يخصّ دور الكنيسة في مواكبة الشّباب فيشير جريش أنّه "من الضروريّ بدايةً أن نعود إلى الشّهادة الحقيقيّة ليسوع المسيح ونتجدّد بها لنكون شهودًا حقيقيّين. كما لا يمكننا أن نتوجّه إليهم بلغّة مختلفة عنهم وذلك كي لا نفقد الإتّصال معهم ونخسر تجاوبهم. بالتّالي علينا الدخول إلى عالمهم كي نتمكّن من تقريبهم إلى عالم يسوع المسيح. لذا علينا التواصل معهم بطريقة قريبة من نمط حياتهم من دون إعتماد أساليب قد مرّ عليها الزمن".
يضيف جريش وبأمل كبير "يمكننا أيضًا أن نتشارك بخبراتنا الحقيقيّة في الإيمان المسيحيّ والشّهادة ونقل تعاليم المسيح إلى الآخر. وهذا بالتّالي يكمن أيضًا في ثمرة الفرح الّتي نميّزها في دعوتنا المسيحيّة، فبقدر ما نكون ممتلئين بالفرح بقدر ما نكون قريبين من يسوع المسيح لأنّه بالفرح وإكتشافنا لحقيقة الإيمان نشعّ من خلال الشّباب في كنيستنا إلى العالم أجمع. علمًا أنّ الحبّ المجّانيّ الّذي حصلنا عليه يقدّم لنا المعنى والدعوة الأساس لحياتنا وهذا ما يتكامل مع الإلتزام ويتجسّد فيه".
يشدّد المحامي جريش أنّ "المرافقة ضروريّة جدًّا وتتطلّب الإصغاء لا سيّما إلى حاجات الشّباب وهواجسهم حيث بإمكاننا أن نقوم بحوارات عدّة معهم لنسمع ما يعانون منه مثلًا بعيدًا عن المواعظ والبيانات... الّتي لا تفيدهم بأي نتيجة ملموسة. إذًا، نحن بحاجة اليوم في الكنيسة إلى من يرافق الشّبيبة ويقف إلى جانبهم وهذا ما تشدّد عليه السينودسيّة، أن نسير معًا أيّ أن نصغي إلى بعضنا البعض ونتحاور ونصلّي ونعمل معًا... وهذه الشّراكة تكمن في مهام اللّجنة الوطنيّة لرعويّة الشّبيبة بهدف التفكير والعمل معًا ومع الشّبيبة. بالتّالي ننطلق من الواقع الّذي نعيشه كي نتمكّن من تقديم أجوبة تفيدهم من أجل واقع أفضل وصورة أكثر بهاءً لكنيستنا الّتي نتمنّى أن تتشدّد في البنيان الشّبابيّ لأنّ اليوم من دون شبيبة لا يوجد كنيسة".
ما هي مهام اللّجنة الوطنيّة لرعويّة الشّبيبة في لبنان؟
يوضح جريش أنّ "الهدف الأساس من وجود اللّجنة الوطنيّة لرعويّة الشّبيبة في لبنان الـ APECL Jeune يكمن في التنسيق والتشبيك وخلق شبكات تواصل بين كلّ لجان ومكاتب الشّبيبة والحركات والمنظّمات الشّبابيّة في الكنائس الكاثوليكيّة كافّة في لبنان؛ بحيث يتجسّد مهامها في نشر تعاليم الكنيسة الكاثوليكيّة والتحضير للأيّام العالميّة والوطنيّة للشّبيبة. إنطلقت المبادرة في هذا العهد بلقاء مع مرشدي ومسؤولي مكاتب الشّبيبة البطريركيّة، فعقب تنظيم خلوة معهم وتعييني كمنسّق والأب شربل دكّاش كمرشد وطنيّ إجتمعنا معهم واتّفقنا على آلية مأسسة جديدة لهذه اللّجنة وبهيكليّة جديدة".
يتابع "أمّا الخطوة الثّانية فكانت تحديد أسس وقواعد تشكيل اللّجنة وأخترنا أن تضمّ ممثّلين من كلّ الكنائس الكاثوليكيّة، ونحن بصدد تحضير النّظام الداخليّ لضمان إستمراريّة عملنا في حال نجحنا. إضافةً إلى إنضمام الجمعيّات والحركات الرّسوليّة ذات البعد الوطنيّ والّتي تعمل في أكثر من أبرشيّة وحركة كشفيّة.
الخطوة الثّالثة كانت الدعوة إلى لقاء عام في الصرح البطريركيّ في بكركي، لبنان، برعاية وحضور غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، رئيس مجلس البطاركة الكاثوليك، حيث تمّ إطلاق عمل اللّجنة والخطّة الّتي وضعتها كما ديناميّة الإرشاد الرّسوليّ "المسيح يحيا". خلال اللّقاء إنطلقت الشّبيبة بمشاغل فكريّة للحوار وتبادل الأفكار حول كيفيّة تحويل الإرشاد الرّسوليّ لمبادرات عمليّة بحيث أُصدرت من كلّ منها توصيات إختارت اللّجنة العديد منها والّتي تصبّ في عملها ورسالتها بغية تنفيذ مبادرات عدّة لتحقيق الأهداف المرجوّة".
ختم روي جريش بالإشارة إلى مسألة الهجرة "الجميع يدعو الشّباب اليوم إلى البقاء في وطنهم أمّا أنا فأقول لهم لا تخافوا من خطوة الهجرة لأنّها قد تقدّم لكم فرصًا جديدة، ففي الكثير من الأوقات وجود الشّباب خارج لبنان يفيد وطنهم ولو عن بعد. المهمّ ليس المكان الّذي نكون فيه، إنّما في ما نقدّمه لوطننا؛ لذا من الضروريّ أن نتشدّد ونتشجّع للمحافظة على الرّجاء لكن وكمسيحيّين الوطن لا يقتصر على مساحة جغرافيّة وإنّما هو المكان الّذي نرى أنفسنا فيه، بالقرب من يسوع المسيح".
من هنا ينصح الشّبيبة "قبل أخذ هكذا قرار قوموا بقراءة ذاتيّة بهدف فهم هذه المشيئة وليكن الكتاب المقدّس رفيقكم الدائم. ولنتخلّى عن كلّ التقاليد الّتي تمنعنا من عيش حقيقة إيماننا المسيحيّ ولنرجع لأساسه وجوهره الّذي هو يسوع الحيّ، الموجود دائمًا في حياتنا. الفشل هو جزء من مخطّطنا للنّجاح. لذا علينا الّا نخاف منه لأنّنا نحيا ونتحرّك بقوّة الرّوح وصلاة الكنيسة الجامعة المقدّسة الرّسوليّة".
دائرة التواصل والعلاقات العامة