في ذكرى تأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط الـ 47

المطران جورج صليبا:

لقد حقّق المجلس خطوات جريئة جدًّا ورائعة مبنيّة على المحبّة والتفاهم

وهو جزء من حياتي!

MECC.jpg

حاوره: أوغيت سلامة وإيليا نصراللّه

تصوير: فادي نشمة

2991a1fe-fd23-49af-b125-f3dab8135276.jpg

مدهش البحث في ذاكرة مجلس كنائس الشرق الأوسط، ومذهل هذا الكمّ من الأسماء اللمّاعة التي رافقت ولادته منذ اجتماع التأسيس الأول في أيار 1974 في قبرص. قاماتٍ مَشت معه ومن خلاله على دروب الوحدة المسيحيّة، في مسيرة انطلقت فيها العائلات الكنسيّة المشرقيّة من الإيمان بمنطق الغنى في التنّوع نحو مِلء الشركة مع الله ومع بعضهم بعضَا.

في زمن التشرذم والنزاعات العسكرية والحروب السياسيّة والصراعات الإيديولوجيّة كان جريء جدًا أن تلتقي كل كنائس الشرق الأوسط في عنصرة جديدة وتضع قرارها ومستقبل العمل المسكوني  في الشرق في عُهدة الروح القدس!.

من الشهود على تلك الحقبة المطبوعة بالخط العريض في تاريخ الحركة المسكونيّة دوليًّا وإقليميًا نلتقي في هذه الذكرى راعي أبرشيّة جبل لبنان للسريان الأرثوذكس المطران جورج صليبا ونسأله أن يصف لنا الأجواء التي رافقت تأسيس وإنطلاق مجلس كنائس الشرق الأوسط.

 

في ضيافة سيادة المطران جورج صليبا في مطرانية جبل لبنان وطرابلس في السبتيه، كان تقليب لصفحات من الماضي وحديث حول حيثيات التأسيس وغاياته قال، "شهد النصف الثّاني من القرن العشرين بداية عهد المسكونيّات، أو العمل المسكونيّ في الكنيسة، حيث تمّ تأسيس مجلس الكنائس العالمي  World Council of Churches WCC عام 1948 في أمستردام - هولندا وعلى مرحلتين. أمّا الجزء الأوّل من القرن نفسه فتمّ تأسيس مجلس كنائس الشرق الأدنى الّذي ضمّ أوّلًا الكنائس الإنجيليّة والأنغليكانيّة والأسقفيّة فقط، إضافةً إلى الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة الّتي انضمّت إلى مجلس الكنائس العالمي في عهد غبطة البطريرك المثلّث الرّحمات مار أغناطيوس يعقوب الثالث عام 1960 وإلى مجلس كنائس الشرق الأدنى Near East Council of Churches NECC عام 1961".

MECC+Inaugural+Assembly.png

وتابع سيادته مستذكرًا ظروف ولادة المجلس ومن كانوا عرّابيه قال، "أمّا بالنّسبة لسائر الكنائس فقد سعى آباء الكنائس الأرثوذكسيّة الشرقيّة أي الأقباط والأرمن والسريان إلى ضمّها أيضًا إلى الحركة المسكونيّة. لذا تمّ الاتّفاق، عقب اجتماعات تمهيديّة ومحاولات رسوليّة عدّة، على إنشاء مؤسّسة جديدة أوسع نطاقًا تضمّ كلّ كنائس الشرق الأوسط بما فيها كنائس قبرص؛ حيث تُعتبر العائلات الثلاث الأرثوذكسيّة البيزنطيّة، القبطيّة الأرثوذكسيّة والإنجيليّة من الأعضاء المؤسّسين مجلس كنائس الشرق الأوسط".  

وأضاف صليبا "إذًا، عقدت هذه الكنائس إجتماعها التأسيسي الأول للمجلس في قبرص في أيّار/ مايو عام 1974. وأنا أشكر الله لأنّه أكرّمني وكنت عضوًا في هذه الجمعيّة حيث كنت مُكلّفًا من قبل غبطة البطريرك يعقوب السادس، لأرافق سيادة مطران بيروت أفرام برصوم في تمثيل الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة.

 وما ميّز اللّقاء هذا هو حضور رئيس جمهوريّة قبرص آنذاك المثلّث الرّحمات سيادة الأسقف ماكاريوس، تاركًا بصمات عدّة في تاريخ تأسيس هذا المجلس المبارك. يومها تمّ انتخاب ألبرت سبيرو أمينًا عامًّا لمجلس كنائس الشرق الأوسط ليتابع هذه المهام حتّى العام 1977".

لماذا قبرص؟ سؤال بدهي يتبادر للأذهان، يردّ عليه صليبا بوضوح "اختيار قبرص لعقد الجمعيّة العامة التأسيسيّة كان بسبب الظّروف الصّعبة الّتي كانت سائدة في سائر دول الشرق الأوسط في تلك الحقبة، خصوصًا في السبعينيّات، حيث كانت الدولة الوحيدة الّتي يمكن للجميع الحضور إليها. أمّا عنوان الجمعيّة فكان "حاضر رسالتنا المسيحيّة المشتركة"، اختاره رؤساء الكنائس الأنبا صموئيل وقداسة البابا شنودة وغبطة البطريرك هزيم الّذي كان مطرانًا حينها والدكتور أرميا".

 

العائلات الكنسيّة اتفقت على رؤسائها

من هنا يتساءل الجميع كيف تمّ تطوير بنية وهيكليّة مجلس كنائس الشرق الأوسط؟ وكيف إتفقت كل هذه الكنائس التاريخية والمتجذّرة في الزمن والإيمان؟ يجيب عن هذه الأسئلة صليبا مؤكدًا أنّه "في اجتماع التأسيس تمّ أيضًا انتخاب لجنة تنفيذيّة ورؤساء للعائلات الكنسيّة، ليكون الأنبا صموئيل رئيسًا للكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة بتكليف من قداسة البابا شنودة حيث اهتمّ بالشّؤون الإجتماعيّة وبالعلاقة مع المؤسّسات المسكونيّة في العالم شرقًا وغربًا، سيادة المطران اغناطيوس هزيم لكنيسة الرّوم الأرثوذكس، والدكتور أوهانس أهرونيان للكنيسة الإنجيليّة والّذي شغل منصب عميد كليّة اللّاهوت في الشرق الأدنى NEST؛ بالتّالي شكّلت الخطوة هذه انطلاقة حسنة للمسيحيّين.

أمّا الكنيسة الكاثوليكيّة فشاركت أيضًا في الجمعيّة العامّة الأولى للمجلس حيث حضر ممثّلون عنها كمراقبين فقط للإجتماعات الّتي انعقدت حينها. لكن وبلفتة من سيادة المطران يوسف الخوري في الثمانينات في قبرص، بدء العمل من أجل انضمام عائلة الكنائس الكاثوليكيّة إلى المجلس، ليتحقّق ذلك عام 1990 حيث عُيّن الخوري رئيسًا للعائلة".

 

واثقًا وجازمًا يضيف صليبا بحماسة "لقد حقّق المجلس خطوات جريئة جدًّا ورائعة مبنيّة على المحبّة والتفاهم، وكان العالم الغربي خصوصًا مجلس الكنائس العالمي داعمًا أساس للمجلس كنائس الشرق الأوسط ومراهنًا على دوره الإيجابي والفاعل بشكل كبير. إضافة إلى المؤسّسات المسيحيّة في أوروبا والولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا وأستراليا... أمّا المناصب فكانت تُوَزّع على العائلات الأربع بالتساوي بما فيها منصب الأمين العام.

عقب انتهاء ولاية الدكتور ألبيرت سبيرو، تمّ انتخاب السيّد غابي حبيب أمينًا عامًّا للمجلس عام 1977، ليتوالى بعده في الموقع عينه القسّ الدكتور رياض جرجور، الدكتور جرجس صالح من الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة لدورتين، ومن الكنيسة الكاثوليكيّة الأب بولس روحانا الذي سيم مطرانًا، فعين مكانه الأب ميشال جلخ والّذي بدوره أيضًا انتُخب رئيسًا للجامعة الأنطونيّة في بعبدا، لبنان، فسلّم الشعلة الى الدكتورة ثريا بشعلاني لتتابع المهمّة حتى انتهاء العهد الكاثوليكي في الأمانة العامّة. أمّا في أيلول/ سبتمبر 2021 فانتخبت اللّجنة التنفيذية التي عقدت في بكركي - لبنان الدكتور ميشال عبس أمينًا عامًّا للمجلس لمدّة أربع سنوات".

 

المجلس صوت الكنائس معًا

عن الدور والعلامات الفارقة التي حقّقها المجلس يروي صليبا أنّ "المجلس ضمّ لجانًا عدّة كالإيمان في العمل المسكونيّ، الخدمة الإجتماعيّة، المسكونيّة وعلاقة الكنائس مع بعضها، كلّها تحت راية الأمانة العامّة حيث يشارك الأمين العام أو الأمناء العامين المشاركين في جدول أعمالها. كما تُقام لقاءات كُبرى عدّة كاجتماعات الجمعيّة العامة، اللّجنة التنفيذيّة ورؤساء العائلات الكنسيّة الأربع الّذين يعملون من أجل تطوير السياسات الّتي يرتكز المجلس عليها في تنفيذ مهامِه. وقد جاء الإجتماع التأسيسي لمجلس كنائس الشرق الأوسط في إطار حبّ الله والكنيسة وبالتّالي الرغبة في القيام بحركة مسكونيّة تجمع كلّ الكنائس، حيث كان المجلس وما زال صوت الكنائس، لكن من دون أن يكون له أي علاقة أو تأثير بها. أهمّ ما قام به هو بناء الجسور بين العائلات الكنسيّة، رؤسائها، العاملين فيها والكهنة، ليكون المنبر الجامع والموحّد للرّأي بين هذه العائلات الكنسيّة. إذًا يشكّل المجلس مؤسّسة مستقلّة ترعاها الكنائس بواسطة رؤسائها واللّجان الممثّلة من كلّ العائلات الكنسيّة، حيث قد أثنى عليها المسلمون والمسؤولون السياسيّون في لبنان في أكثر من محطّة خصوصًا أنّها تعبّر عن حال الكنائس كافّة".

 

لطالما كان مطلب وحدة الكنائس عنوانًا جدليًّا بين كنائس الشرق، ومع تأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط بات العنوان أوضح وتطور الى "الوحدة في التنّوع"، فما هي المبادرات الّتي أطلقها مجلس كنائس الشرق الأوسط سَعيًا نحو الوحدة وصونًا للتنوّع؟ السؤال يجيب عنه المطران صليبا بالوقائع يقول

"مبادرات عدّة سعت من أجل تحقيق غاية الوحدة بين الكنائس، فمجلس كنائس الشرق الأوسط قام مثلًا بتوحيد نصّ الصّلاة الربّانيّة وقانون الإيمان... وفي الثمانينات وجّه سينودوس المجمع المقدّس في الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة رسالة عبر غبطة البطريرك زكّا الأوّل عيواص إلى كلّ الكنائس الشقيقة في الشرق الأوسط أي العائلات الأرثوذكسيّة الشرقيّة، الأرثوذكسيّة البيزنطيّة، الكاثوليكيّة والإنجيليّة الأنغليكانيّة الأسقفيّة للاتّفاق على تاريخ موحّد للإحتفال بعيد القيامة ليكون تحديده إمّا بحسب الروزنامة الغريغوريّة أو اليوليانيّة، أو التوصّل إلى قاسم مشترك؛ كما قامت الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة باجتماعات تقارب عدّة مع عائلة الكنائس البيزنطيّة الأرثوذكسيّة، الكنائس الكاثوليكيّة عبر الفاتيكان والكنائس الإنجيليّة الأنغليكانيّة، بغية السّعي من أجل تحقيق الوحدة، لاسيّما وأنّ كلّ الكنائس ترتبط بقاسم مشترك وهو الإيمان بالأقانيم الثلاث الأب والإبن والرّوح القدس الإله الواحد، بتجسّد الكلمة وبالأسرار السبعة... كما أن برنامج "خدّام الرّعايا" الّذي كان قد قام بتنفيذه سيادة المطران بولس صيّاح بهدف بناء الجسور بين المؤمنين وخصوصًا بين الكهنة شكّل نقلة نوعيّة بالعمل بالروح المسكونيّة".

 

منذ اجتماع التأسيس وحتى اليوم لم يتخلّف المطران جورج صليبا عن أي لقاء أو إجتماع خاص بمجلس كنائس الشرق الأوسط ، وهو من أكثر المتحمّسين والغيارى على دور المجلس وموقعه وتطوّر رسالته لذا انتهى حديثنا معه بدعوة حارة منه لكل المؤمنين أن يتعرّفوا على رسالة مجلس كنائس الشرق الأوسط، مهامه وأهدافه....

 وختم "المجلس هو جزء من حياتي!!".


دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

الإجتماع التأسيسي لمجلس كنائس الشرق الأوسط (2)

Next
Next

معًا نتكاتف ونصلّي