في ذكرى الإبادة الجماعيّة الأرمنيّة

من 1915 حتى 2021

ما زال النكران سائدًا والجريمة مستمرّة

Mrs. Seta Hadeshian.PNG

مقال من كتابة الزميلة سيتا هاديشيان*

ترجمة ايليا نصراللّه

يصادف الرّابع والعشرون من شهر نيسان/ أبريل من كلّ سنة ذكرى الإبادة الجماعيّة الّتي استهدفت الأرمن عام 1915. حينذاك، كانت الحرب العالميّة الأولى قد اندلعت بحيث اعتبرتها تركيا الوقت المناسب لتنفيذ الإبادة المخطّط لها منذ مدّة طويلة للشّعب الأرمنيّ الّذي كان يعيش في أرمينيا الغربيّة. لذا، هدفت الإستراتيجيّة الموضوعة إلى إنشاء دولة تركيّة متجانسة من خال عمليّة تتريك الأقليّات العرقيّة الموجودة في الإمبراطوريّة، وهي بالتّالي سياسة قد بلغت ذروتها في الإبادة المنهجيّة للسكّان الأرمن. علمًا أنّ السياسة هذه تمّ تنفيذها خلال مرحلتين. الأولى بدأت في 24 نيسان/ أبريل 1915 حيث قامت الحكومة العثمانيّة باعتقال وقتل مئات المثقّفين الأرمن وقادة المجتمع الأرمنيّ، عبر اقتلاعهم من قلب الجالية الأرمنيّة في القسطنطينيّة، أي اسطنبول الحديثة. بلغت عمليّات القتل أقسى درجاتها حيث وصلت إلى مذابح وحشيّة شُنّت على سكّان الأرمن الذّكور في الأراضي العثمانيّة، ليتمّ بعدها ترحيل النساء والأطفال والمسنّين الأرمن إلى الصّحراء السوريّة كمرحلة ثانية. أمّا حصيلة الضحايا في الإعتداءات العنيفة هذه فارتفعت إلى أكثر من 1.5 مليون أرمنيّ، أي ما يقرب الـ 70% من إجماليّ السكّان الأرمن في الإمبراطوريّة العثمانيّة.

19210298_303.jpg

كما تجدر الإشارة إلى أنّ عام 1915 تمّ إرغام الأرمن البالغ عددهم 4000 شخص على مغادرة موطن أجدادهم، أرمينيا.

إذًا، يُعتبر الرّابع والعشرين من نيسان/ أبريل تاريخًا سنويًّا يزور فيه الأرمن من كلّ أنحاء العالم النّصب التذكاريّة والآثار والأضرحة المقدّسة الّتي أُقيمت في ذكرى ضحايا الإبادة الجماعيّة، وذلك في يريفان، لبنان، الأرجنتين، البرازيل، لوس أنجلوس، باريس، أثينا. مع العلم أنّ أجدادهم اختفوا بين رمال البادية السوريّة ومياه الفرات دون أن يكون لهم قبورًا كسائر النّاس. لذا يضيء كلّ من الأرمن شمعة تخليدًا لذكرى والديه أو أجداده.

لم ينجح المجتمع الدوليّ في الإعتراف بالإبادة الجماعيّة الأرمنيّة الّتي حصلت عام 1915 وكذلك ما زالت الدولة التركيّة مصرّة على عدم الإعتراف بما قامت به من اعتداءات فادحة خلال هذا العام. وهذا ما أدّى بالتّالي إلى شنّ مذابح سومجيت الّتي استهدفت السكّان الأرمن في بلدة سومجيت الساحليّة، في أذربيجان أواخر شهر شباط/ فبراير 1988، تزامنًا مع المراحل الأولى من نشأة حركة كاراباخ. علمًا أنّ المجازر هذه أُقيمت لمواجهة مطالب أرمن ناغورنو كاراباخ بالانفصال عن أذربيجان والتوحّد مع أرمينيا. أمّا في الثّاني من شباط/ فبراير 1988، فشُكّلت مجموعات من الأذربيجانيّين وقاموا بمهاجمة الأرمن واغتصابهم وقتلهم في الشّوارع وفي منازلهم، إضافةً إلى ارتكاب أعمال وحشيّة مروّعة بحقّهم وتشويه الضحايا بالفؤوس. وبين ليلة وضحاها أصبح 400 ألف أرمنيّ من دون مأوى.

1.jpg

على الرّغم من كلّ ذلك، لم تقم القوى الأمنيّة بأيّ نوع من التدخّل لوقف الإعتداءات. وكذلك لم يتمّ التعرّف على طبيعة هذه المجازر ودوافعها وحتّى لم يتمّ التحقيق بها بشكل كامل.  

الّا أنّ الإفلات المستمرّ من العقاب أدّى إلى ارتفاع عدّاد ضحايا الأرمن جرّاء حمّامات الدم الّتي طالت الأرمن في كيروفاباد (غانجا) في تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، وفي باكو في كانون الثاني/ يناير 1990. كما اغتيل جنديّ أرمنيّ خلال نومه بـ 16 ضربة فأس على يد الملازم في الجيش الأذربيجانيّ راميل سافاروف، في شباط/ فبراير 2004، في العاصمة المجريّة بودابست. وذلك أثناء تنفيذ برنامج تدريب تحت عنوان "الشّراكة من أجل السّلام" من تنظيم الناتو، لتكون إحدى أفدح الجرائم في أيّامنا الحديثة. بالتّالي سلّمت الحكومة المجريّة المجرم لأذربيجان الّتي رحّبت بدورها به كبطل قوميّ…

بلغت المجازر والأعمال الإجراميّة ذروتها بتهديدات قد تُترجم بإبادة جماعيّة أخرى من قبل الرّئيس التركيّ أردوغان الّذي يريد القضاء على الأرمن، حيث شنّ هجومًا على أرتساخ (كاراباغ المستقلّة) في أيلول/سبتمبر 2020، وعدوانًا عسكريًّا على أرتساخ (كاراباغ) باستخدام مرتزقة إسلاميّين. علمًا أنّ أكثر من 5000 جنديّ هاجموا السكّان مستخدمين أسلحة فسفوريّة تحتوي على مواد كيميائيّة، وقاموا باحتلال ثلث أرتساخ المستقلّة. في أعقاب هذه الأحداث وعلى إثرها تمّ تطبيق سياسة التدمير والإنكار، والقضاء على التراث الثقافيّ، من خلال تدمير الكنائس والأديرة والمعالم الأثريّة، واستبدال الأسماء الجغرافية الأرمنيّة بأسماء تركية أذريّة.

عقب انقضاء مائة وستة أعوام على الإبادة الأرمنيّة عام 1915 ما زال الأرمن يقومون بإحياء ذكرى شهدائهم الّتي تجلّت هذه السّنة بحزن أكبر وحداد بسبب فقدان أكثر من 5 آلاف شهيد جديد ومصادرة أرتساخ.

من هنا تساؤلات عدّة تراود المواطنين وعلى رأسها: إلى متى يبقى المجرم حرًّا طليقًا في الشّوارع؟ ومتى ستقام محاكمة "نورمبرغ" للأرمن؟

*سيتا هاديشيان، مديرة دائرة دياكونيا والعدالة الإجتماعيّة في مجلس كنائس الشرق الأوسط سابقًا، 2004-2017

حاليًّا، السكرتيرة التنفيذيّة للأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

متحف "آرام بزيكيان لأيتام الإبادة الأرمنيّة": جسر عبور من المأساة والموت إلى الحياة والأمل

Next
Next

القسّيسة د. ريما نصراللّه، من الكنيسة الإنجيليّة الوطنيّة في بيروت: زمن الصّوم فترة تفحّص ذاتيّ، توبة وتجنّب كلّ ما يبعدنا عن اللّه