رئيس اللّجنة الأسقفيّة للعلاقات المسكونيّة في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان سيادة المطران جوزف معوّض: الإحتفال معًا بعيد القيامة يعمّق الشَرِكة الأخويّة ويرسّخ روح الوحدة
في الذكرى الـ1700 لانعقاد مجمع نيقية الّذي يصادف سنة 2025 هل يكون التاريخ الذي سيوحِّد المسيحيين في عيد القيامة؟
أجرى الحوار أوغيت سلامة وإيليا نصراللّه
منذ عقود عدّة شكّلت مسألة توحيد تاريخ عيد القيامة بين الكنائس كافّة إشكاليّة تعود جذورها إلى نشأة المسيحيّة الأولى. إلّا أنّ حلم "الوحدة" في العيد، على الأقل، بات أمرًا يعطش إليه المؤمنون اليوم خصوصًا مع تفاقم الخلافات والإنقسامات الجمّة لا سيّما في الشرق الأوسط الذي يضمّ مختلف العائلات الكنسيّة.
ومع عودة عيد القيامة تساؤلات كثيرة تراود المسيحيّين سنويًّا وعلى رأسها السؤال: أي تقويم هو الأدقّ، الغربي أم الشرقي؟ متى سنشهد عيدًا موحّدًا نستذكر فيه معًا وبقلب واحد موت يسوع المسيح وقيامته؟ المسيح الفادي الّذي أرادنا جميعًا إخوة موحّدين هل يقبل أن نختلف ونتباعد بسبب تقويم طبيعي وروزنامة؟...
مبادرات ومشاورات عدّة سعت على مرّ العصور لإيجاد حلول تسهم في توحيد عيد القيامة، لكن لم يشهد المسيحيّون بعد أيّ نتائج ملموسة.
لكن لماذا نشب هذا الخلاف في الأساس؟ وما هي العوائق الّتي تحول دون توحيد عيد الفصح؟ وماذا عن هذه الوحدة في كنائس الشرق؟ كلّها أسئلة حملناها الى رئيس اللّجنة الأسقفيّة للعلاقات المسكونيّة في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان وراعي أبرشيّة زحلة المارونيّة سيادة المطران جوزيف معوّض وأجاب عنها في مقابلة خاصّة مع دائرة التواصل والعلاقات العامة في مجلس كنائس الشرق الأوسط، مسلّطًا الضوء أيضًا على تأثير هذا الإختلاف على المؤمنين والكنيسة، وعلى أهميّة التنشئة المسكونيّة التي ترسّخ روح الوحدة.
بدايةً، ما هي أسباب الخلاف حول توحيد تاريخ عيد القيامة؟ وما هي العوامل الّتي تعيق هذه الخطوة؟
منذ نشأة المسيحيّة يُعتبر عيد الفصح من أقدم الأعياد لأنّ الحدث الفصحيّ يكمن في قلب الإيمان المسيحيّ والكرازة الأولى تمحورت حول الفصح، حيث خصّص المسيحيّون عيدًا سنويًّا للإحتفال به في الأحد الّذي يلي الفصح اليهوديّ. أمّا في القرن الثّاني ظهرت جماعة من المسيحيّين من الأناضول، آسيا الصغرى، وباتت تحتفل بعيد الفصح في اليوم نفسه الّذي مات فيه يسوع المسيح، بحسب الروزنامة اليهوديّة، أي في تاريخ مختلف عن سائر المسيحيّين، وذلك في 14 نيسان/أبريل من كلّ سنة الّذي يمكن أن يصادف في أي يوم من الأسبوع.وهكذا نشب في تلك الحقبة توتّر بين هذين الفريقين شارف خواتيمه بعد فترة، ليحتفل الجميع بعيد الفصح في يوم موحّد.
كما أنّ مسألة توحيد عيد القيامة شكّلت محور فعاليّات مجمع نيقية الّذي انعقد عام 325 حيث تمّ الإتّفاق خلاله على إقرار قاعدة موحّدة للإحتفال بعيد الفصح وذلك في الأحد الأوّل عقب البدر الربيعي الأوّل أي بعد إعتدال الربيع في 21 آذار/ مارس واكتمال البدر. ومذّاك أصبح المسيحيّون في العالم أجمع يحتفلون بعيد الفصح في الفترة نفسها وبحسب روزنامة يوليوس قيصر اليوليانيّة على الرغم من بعض الإختلافات البسيطة في طريقة حساب تاريخ العيد. أمّا عام 1582، فلاحظ قداسة البابا غريغوريوس الثالث عشر ومجموعة من علماء الفلك وجود فرق بسيط في الروزنامة اليوليانيّة والواقع واستنادًا إلى العلماء رأى أنّ الروزنامة تحتاج إلى بعض التصحيح، حيث قام بحذف 10 أيّام من التقويم وذلك من شهر تشرين الأوّل/أكتوبر.
ما قام به قداسة البابا يُسمّى الإصلاح الغريغوري أي الروزنامة الغريغوريّة الّتي أصبحت مختلفة عن الروزنامة اليوليانيّة؛ فالأولى معتمدة من قبل الكنيسة الكاثوليكيّة والثانية من الكنيسة الأرثوذكسيّة. علمًا أنّ تعديل آخر قد طرأ في طريقة حساب الدورة القمريّة. إذْ، تُعتبر هذه العوامل الّتي ظهرت منذ عام 1582 من أسباب الإختلاف في الإحتفال بعيد القيامة بين الكنيستين الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة.
هل قامت مبادرات لتوحيد تاريخ عيد القيامة مذاك الحين؟
عقب المرحلة هذه ظهرت آراء كنسيّة كاثوليكيّة وأرثوذكسيّة عدّة تدعو إلى إعادة توحيد العيد. على سبيل المثال أثنى المجمع الفاتيكاني الثاني على ذلك حيث أوصى المشاركون في ملحق الدستور حول اللّيتورجيا المقدّسة أنّ المجمع لا يعارض إمكانيّة تحديد يوم موحّد للإحتفال بعيد الفصح بشرط موافقة الإخوة في سائر الكنائس؛ لكن لم يلق هذا الإقتراح التجاوب المتوقّع لأسباب عدّة.
الّا أنّ المساعي لتوحيد تاريخ العيد لم تتوقّف في الأوساط الكنسيّة. إذْ، عقد مجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق الأوسط عام 1997 مؤتمرًا في حلب، سوريا، لمناقشة الأسس الّتي تساهم في تحقيق هذه الخطوة، شارك فيه ممثّلون عن مختلف الكنائس الكاثوليكيّة، البروتستانتيّة، الأرثوذكسيّة... وبالإستناد على مبدأ مجمع نيقية تمّ إصدار توصيات عدّة تدعو إلى توحيد عيد الفصح. كما إقترح المؤتمرون عدم الإعتماد على الروزنامتين اليوليانيّة والغريغوريّة، بل على الحسابات العلميّة الأكثر دقّة والمتوفّرة في ذلك العصر، وأن تقوم الكنائس كافّة بنوع من التنشئة تحضيرًا لهذا التوحيد.
في الواقع الإعتماد على المبدأ الّذي وضعه مجمع نيقية يساعدنا على الإحتفال بعيد الفصح في الوقت الّذي مات فيه يسوع المسيح أي فصح العهد القديم، فبحسب إنجيل يوحنّا مات المسيح في فصح العهد القديم لكن أعطى معنى جديدًا للفصح في العهد الجديد بالتحرّر من الخطيئة والموت بفضل الفداء الّذي قدّمه. من هنا يشدّد مجمع نيقية على الرابط بين فصح العهدين القديم والجديد في الكتاب المقدّس. إذْ، الإستناد على مجمع نيقية يعطي بالتّالي بعدًا لاهوتيًّا لعيد الفصح، فالفصح القديم خطّط للفصح الجديد. أمّا عام 1998 فشدّد مندوبون من كنائس كاثوليكيّة وأرثوذكسيّة عدّة في أميركا الشماليّة على الحلّ الّذي قدّمه المؤتمرين عام 1997 في حلب، لكن لم نشهد أي تطوّر أو مستجدّات مذّ تلك الحقبة.
لماذا إذًا لم نشهد أي مبادرة جديدة حول هذا الموضوع عقب مؤتمر حلب؟
بالنّسبة للكنيسة الكاثوليكيّة من السهل اتّخاذ القرارات من الناحية الإداريّة وذلك من قبل البابا أو المجمع المسكونيّ، لكنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة تعتمد على مجمع مسكونيّ أرثوذكسيّ ليتمّ التوافق على أي موضوع كان. كما أنّ الكنائس بحاجة إلى دراسة وتقييم قرار توحيد عيد الفصح بحسب مبدأ مجمع نيقية ليتمّ بالتّالي اتّخاذ القرار المناسب.
من جهّة أخرى، يُحكى اليوم في الأوساط الكنسيّة الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة أنّ الكنائس بدأت بالتحضير للذكرى الـ1700 لانعقاد مجمع نيقية الّذي يصادف سنة 2025. في هذا السياق، شخصيّات أرثوذكسيّة وكاثوليكيّة عدّة تطرح اتّخاذ بُعدٍ مسكونيٍّ لهذه الذكرى، الّذي يكمن في إطارين، قانون الإيمان أولًا وتوحيد عيد الفصح ثانيًا. علمًا أنّ الذكرى هذه قد تشكّل حافزًا لدعوة الكنائس الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة إلى الإستناد على قرارات مجمع نيقية. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ الكنيستين تعتمدان أصلًا على هذا المبدأ إلّا أنّ الإختلاف بينهما يتجسّد في طريقة حساب تاريخ الإحتفال بهذا العيد. من هنا طرح المشاركون في مؤتمر حلب عام 1997 عدم إعتماد أيّ من الروزنامتين اليوليانيّة والغريغوريّة إنّما الإتّجاه نحو الحسابات العلميّة الحديثة.
صحيح أنّ الإختلاف في توحيد عيد القيامة يتّخذ بُعدًا تقنيًّا في طريقة الحسابات لكن يظهر أيضًا بُعدٌ كنسيّ يتطلّب أن يجتمع مسؤولو الكنائس معًا لدراسة الخطوات المقبلة. بالتّالي الإبتعاد عن الخلافات يكمن في التّعاون والحوار بين الكنائس كافّة كي تنبثق الحلول منها جميعًا. وهذا ما يساعد العائلات الكنسيّة على الإقتناع بأيّ خطوة جديدة تتعلّق بتوحيد العيد وطريقة الحسابات.
كيف يؤثّر الإختلاف هذا على حياة الكنيسة والمؤمنين؟
توحيد العيد له تأثير كبير على الصّعد اللّاهوتيّة والرعويّة والرسوليّة. من الناحية اللّاهوتيّة، لا توجد أي إختلافات عقائديّة بين الكنيستنين الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة في ما يتعلّق بموت المسيح وقيامته، فهما يعترفان بهذه الحقيقة ويعتبران أنّها محوريّة وأساسيّة في قلب الإيمان المسيحيّ ويؤكّدان أنّ المسيح قدّم الفداء بموته. عندما نحتفل معًا بالتوقيت نفسه يعني أنّنا نظهر وحدة إيماننا بالحقيقة هذه ونشهد لهذا اللّاهوت الواحد.
أمّا رعويًّا فنحن كرعاة نشعر مع النّاس ونأسف لوجود فارق في تاريخ العيد على مرّ الأعوام. على سبيل المثال تحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة، هذه السنة، بعيد القيامة في 4 نيسان/ أبريل بينما الكنيسة الأرثوذكسيّة تحتفل به بعد 4 أسابيع أي في 2 أيّار/ مايو؛ وهذا يذكّرنا، للأسف، بالإنقسام الموجود بين الكنائس. توحيد العيد يعزّز، إذًا، روابط الأخوّة بين الجميع ويبثّ نوعًا من الإرتياح بين المؤمنين ليشهدوا أنّ الإيمان المسيحيّ هو الّذي يجمعهم على الرّغم من الإختلافات في تاريخ الإحتفال بالعيد. صحيح أنّنا لم نصل بعد إلى الشَرِكة التامّة في الإيمان لكن حقائق عدّة أثبتت وجود روابط عدّة بين المسيحيّين الكاثوليك والأرثوذكس.
على الصعيد الرسوليّ، كلّ خطوة نحو الوحدة ترسّخ بشكل أكبر شهادتنا في العالم أجمع. كما أنّها تفتح آفاقًا مسكونيّة أوسع بحيث تشكّل وحدة العيد دافعًا لحلّ القضايا الأخرى لا سيّما الّتي تتعلّق بالعقائد. إضافةً إلى أنّها تعمّق الشركة الأخويّة بين بعضنا بعضًا.
هل بإمكان كنائس الشرق الأوسط أن تتّخذ قرارًا مستقلًّا عن كنائس العالم في موضوع توحيد توقيت العيد وتلتجئ إلى روزنامة موحّدة؟
هذه المسألة دقيقة وليست سهلة فتحتاج إلى دراسة معمّقة خصوصًا أنّها تواجه محاذير عدّة تعيق اتّخاذ أي قرار أو جواب، فيصبح السؤال هنا: هل بإمكان الكنائس، بحسب موقعها الجغرافيّ، اختيار وقت مناسب ومختلف عن الكنائس الأخرى المنتشرة في العالم لا سيّما أنّها تجتمع كلّها تحت شَرِكة واحدة؟
الإختلاف العقائدي موجود بين الكنائس ولكن ليس على صعيد مضمون العيد، وذلك على الرغم من موقعها في المنطقة الجغرافيّة نفسها، فكلّ كنيسة تعلن إيمان العائلة الكنسيّة التّابعة لها في العالم. أعتقد أنّ الأفضل هو العمل لإيجاد الحلول على الصعيد العالمي بين الكنائس أجمع. علمًا أنّنا نشهد مساع عدّة من أجل تحقيق الأهداف المرجوّة، لكن هل من تداعيات مستقبليّة تزعزع العلاقة بين الكنائس في الشرق الأوسط والعائلات الكنسيّة الّتي تنتمي إليها في العالم؟ إذْ، نأمل أن نصل في نهاية المطاف إلى اتّفاق شامل وسليم بين الكنائس أجمع، الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة.
لا شكّ أن الإحتفال بالعيد معًا يترك طابعًا إيجابيًّا عند المؤمنين وحتّى غير المؤمنين، فتلك الخطوة ترمز إلى روح الوحدة بين الجميع. لكن رغم الإختلاف الّذي يكمن في تحديد تاريخ العيد، نشدّد على أنّنا جميعًا متّحدين في الإيمان نفسه ونعترف أنّ المسيح قدّم الفداء للبشر ليشركنا بقيامته من بين الأموات الّتي تشكّل أساس إيماننا المسيحيّ. كما يمكننا أن نسعى إلى هذه الوحدة من خلال الصّلاة والتعبيرعن هذه الرغبة إلى الرعاة الّذين ينقلونها بدورهم عبر اختبارهم الكنسيّ إلى العائلة الكنسيّة الّتي ينتمون إليها، وهذا ما يشكّل حافزًا لتوحيد العيد.
في هذا الإطار، ما هي إذًا أهميّة التنشئة المسكونيّة؟
أتمنّى نقل الروح المسكونيّة إلى المناهج المدرسيّة والجامعيّة، لكن من الضروري أيضًا أن تقوم الكنائس بهذه التنشئة المسكونيّة. الحسّ المسكوني موجود اليوم بين المؤمنين بشكل ملحوظ أكثر من الأعوام الفائتة. علمًا أنّ الحركة المسكونيّة تضمّ أبعادًا عدّة كالمسكونيّة الروحيّة من خلال الصّلاة من أجل وحدة الكنيسة، والحوار اللّاهوتي والمسكونيّة الإجتماعيّة والرعويّة... إذّْ، ثمّة أبعاد يشترك بها جميع المؤمنين على عكس أبعاد أخرى كالحوار اللّاهوتيّ الّذي يتطلّب إختصاصيّين في اللّاهوت للقيام به.
والجدير ذكره أنّ مجلس كنائس الشرق الأوسط قام بدور كبير من أجل تعزيز الروح المسكونيّة، حيث تعاون أيضًا مع اللّجنة المسكونيّة في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان لإطلاق معًا لقاءات صلاة في المناطق من أجل وحدة الكنيسة. بفضل هذا النشاط تمّ تكثيف لقاءات الصّلاة هذه اليوم خصوصًا في أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين. أمّا كلجنة مسكونيّة فقد بدأنا منذ أعوام عدّة بتنظيم دورات تنشئة حول الحركة المسكونيّة في لبنان شارك فيها مجموعة من المؤمنين والرهبان والراهبات والكهنة، لكنّ فيروس كورونا حال دون الإستمرار بها، آملين أن نعاود هذا النشاط في أسرع وقت ممكن.
من جهّة أخرى، نلاحظ مدى انفتاح المؤمنين في مختلف العائلات الكنسيّة وبالتحديد في مناطق لبنانيّة عدّة. إذْ، ليس صعبًا القيام بحركة مسكونيّة مرتكزة على تنمية المحبّة الأخويّة بيننا كرعاة وبين المؤمنين، وعلى تنمية المسكونيّة الروحيّة عبر الصّلاة والتضامن الإجتماعي، خصوصًا أنّ المؤمنين باتوا ينتظرون مثل هذه المبادرات.
دائرة التواصل والعلاقات العامة