عشر سنوات من الحرب... مجلس كنائس الشرق الأوسط يُسهم بإشعال شمعة أمل في حياة السوريين
تقرير لمى حلاوة، مكتب سوريا
عشر سنوات مرّت على اندلاع فتيل الحرب في سورية، هذه الحرب التي خلّفت أزمة إنسانيّة متفاقمة صُنّفت بأنها الأكبر بعد الحرب العالميّة الثانية.
عشر سنوات مضت، تاركةً خلفها أكبر أزمة لاجئين في العالم، إذ هجّر 5.6 مليون سوري إلى دول الجوار بينما أجبر 6.7 مليون آخرين على ترك بيوتهم مرغمين لينزحوا داخلياً، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى الذين أصيبوا بإعاقات دائمة.
منذ أن بدأت الأزمة السورية في منتصف آذار من العام 2011، تزداد يومًا بعد يوم صرخات الموجوعين المنسيّين وسط ضجيج البحث عن الحياة. فالحرب التي توقفّت في أجزاء من سورية، لا تزال ترخي ثقلها وتداعياتها السيئة على شعبٍ بأكمله، فعلى الرغم من عودة الأمان إلى العديد من المدن والقرى السورية، إلّا أن معاناة من نوعٍ آخر بدأت تفرض على حياة السوريين؛ إذ شهدت تكاليف المعيشة ارتفاعًا كبيرًا في ظلّ العقوبات الاقتصاديّة المفروضة على سورية.
تبيّن دراسة أجراها برنامج الأغذية العالمي أخيرًا، أن 12.4 مليون سوري، أي ما يقرب من 60% من السكّان، يعانون انعدام الأمن الغذائي. وكشفت الدراسة أيضًا أنّ عدد الأشخاص الذين لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة بدون مساعدات غذائيّة قد تضاعف خلال عام واحد ليصل إلى 1.3 مليون شخص.
وبيّنت الدراسة أيضًا أنّ أسعار المواد الغذائيّة في سورية ارتفعت بنسبة 233% في العام 2020 وحده، وهذه النسبة تزداد يومًا تلو الآخر، في وقتٍ يقف فيه السوريين عاجزين عن تحمّل تكلفة وجبة غذاء أساسيّة، رازحين تحت ضغوط اقتصاديّة كبيرة سبّبتها حرب لا تزال نهايتها غير واضحة.
بعد أن ضربت جائحة وباء كورونا العالم وسورية، خسر معها كُثُر من السوريين وظائفهم، حتى باتت غالبيتهم تعيش تحت خط الفقر وفي حاجة ملحّة إلى المساعدات الإنسانيّة.
وسط ظلام الحرب، كان لمجلس كنائس الشرق الأوسط دورًا في إشعال شمعة أمل للنازحين والمتضرّرين من الأزمة السورية، من خلال تنفيذ برامج إنسانيّة عدّة وفي مختلف المحافظات، تحت شعار "الخدمة بكرامة"، تنوّعت بين التعليميّ والتدريب المهنيّ للشباب والنساء، والتوزيعات، والتوعية الصحيّة ودعم المشاريع الصغيرة، إلى جانب دعم الزراعة والثروة الحيوانيّة وبرنامج المياه والإصحاح والنقد مقابل العمل.
سلال غذائية والبسة
كُتبَ الكثير عن الحرب في سورية، ولنا أن نتخيّل حجم المأساة التي خلّفتها هذه الحرب على أهل هذا البلد. لكنّنا مهما تخيّلنا لن نصل إلى اختبار شعور معظم الآباء والأمّهات غير القادرين على تأمين أبسط حاجات أطفالهم، غير متأكدين ممّا إذا كانوا سيتمكنون من تأمين الطعام لهم في الغد أم لا.
لذا قدّم مجلس كنائس الشرق الأوسط للنازحين والمتضرّرين، السلال الغذائيّة والحصص الصحيّة والألبسة الشتوية للأطفال والمعاطف للبالغين والحصّص المدرسيّة.
بلغت عدد الأسر المستفيدة 9859 عائلة في العام 2020.
نشر التوعية الصحيّة
بلغ عدد السيّدات المستفيدات من البرنامج الصحيّ 1695 خلال العام 2020، إذ خضعت السيدات لدورة توعية صحيّة تعرّفن خلالها على الأمراض الأكثر شيوعًا في المجتمع، أسبابها وعلاجها وطرق الوقاية منها، بالإضافة إلى تعلّم الطريقة الصحيحة في استخدام جهاز قياس الضغط، والمبادئ الأساسيّة في الإسعافات الأوليّة. كما تعرّفت السيدات على مهارات التواصل الفعال، التفكير الإيجابي، التعامل مع الصعوبات، تحديد هدف ووضع خطة لتحقيقه. ثم قمن بنقل ما تعلّمنه في الدورة إلى العائلات الفقيرة بهدف نشر التوعية الصحيّة بين أكبر عددٍ ممكنٍ من أفراد المجتمع.
الاهتمام ببناة المستقبل
دفع الطلّاب أثمانًا باهظةً خلال عقد من الحرب. عدد كبير منهم اضطروا لترك بيوتهم مع أهاليهم نتيجة أعمال العنف، فتغيّر محيطهم الإجتماعي والتعليميّ ما أدّى إلى تراجع مستواهم الدراسي؛ ومنهم من وجد صعوبة في العودة إلى الدراسة بعد أن تسرّب من المدرسة.
مجلس كنائس الشرق الأوسط عمل على مساندة الطلّاب، وقام بتنظيم دورات خاصّة لطلاب الشهادة الإعداديّة لترميم معلومات الطلبة، إلى جانب جلسات للدعم النفسي تهدف إلى التخفيف من آثار الصدمة على الأطفال.
هذا بالإضافة إلى مساعدته في تسديد جزء من الرسوم الدراسيّة والأقساط المدرسيّة للتخفيف من العبء المادي على العائلات المتضرّرة والنازحة.
بلغ عدد الطلاب المستفيدين من هذه المساعدات 6518 خلال العام 2020.
كما تمكّن المجلس من تدريب 88 معلم ومعلمة خلال العام 2020، على موضوع سياسات حماية الطفل، التي يسعى المجلس إلى تعميمها على مستوى المدارس كافة مستقبلًا، وتدريبهم على كيفيّة التعامل مع الأطفال الذين تلّقوا صدمات نفسيّة حادّة نتيجة معايشتهم العنف الذي عانت منه مناطقهم المتضرّرة.
دعم الثروات الإنسانيّة والبيئيّة
منذ بداية الأزمة، حرص مجلس كنائس الشرق الأوسط على مساندة الشباب الذين خسروا فرصتهم في إيجاد عمل أو الذين خسروا عملهم بسبب الحرب والنزوح، فقدّم لهم دورات التدريب المهنيّ والمنح الماليّة لدعم المشاريع الصغيرة.
ومن أجل تمكين المرأة الأكثر تضررًا في هذه المحنة، يقوم المجلس بدورات تدريبيّة للسيّدات حول حياكة الكروشيه، فهذه المهنة يستطعن مزاولتها في المنزل.
اهتّم مجلس كنائس الشرق الأوسط أيضًا بدعم قطاع هام وحيويّ وهو قطاع الثروة الحيوانيّة، بهدف تمكين الأسر الفقيرة والمتضرّرة وتعزيز قدراتها على العمل والمشاركة في الحياة الاقتصاديّة، فعمل على مساندة مربي الأبقار، عن طريق توزيع العلف المدعّم بالأملاح المعدنيّة على رعاة الأبقار. وخضع المستفيدون من مربيّ الأبقار للتدريب حول كيفيّة الإعتناء بالمواشي، والتعامل مع الأمراض المحتملة التي قد تصيبها، والغذاء الأمثل للماشيّة لزيادة جودة وكميّة الحليب، إلى جانب التعرّف على أساسيّات إدارة الأعمال.
هذا بالإضافة تأسّيس العيادات البيطريّة المتنقلة التي يعمل فيها الأطباء البيطريون على تقديم الرعاية الصحيّة اللازمة للأبقار من الأدوية واللقاحات والعمليّات والتلقيح الإصطناعي وعمليّات الولادة.
ولمصنّعي منتجات الحليب، قدّم لهم المجلس منحة تساعدهم على تحسين وتطوير ورش عملهم، لتكون متوافقة مع معايير الجودة والنظافة، بالإضافة إلى تدريبهم على مهارات التسويق الأساسيّة وتصنيع منتجات الحليب بالجودة المثلى وفق معيار الهاسب العالمي (HACCP).
أما بالنسبة لدعم القطاع الزراعي، وزّع مجلس كنائس الشرق الأوسط بذار الشعير على الفلاحين في محافظة درعا، بهدف دعم القطاع الزراعي في المحافظة.
بلغ عدد المستفيدين 1876 مستفيد خلال العام 2020.
ترميم الانسان والبناء
ضمن مشروع النقد مقابل العمل الهادف إلى تأمين فرص عمل مؤقتة للأشخاص الذين فقدوا أعمالهم، قام المجلس وبالتعاون مع البلديات والمجتمع المحلي بتشجيع النازحين من شباب ونساء من أجل العمل في حملات النظافة الهادفة إلى ترحيل النفايات والأتربة وإعادة النظافة إلى تلك التجمّعات السكانيّة مقابل أجر مادي يحوّل المستفيدين الى فاعلين ومُنتجين في مجتمعاتهم، ويعيد إليهم الأمل بغد أفضل لهم ولأسرهم، مساهمين بذلك في إعادة إحياء أماكن سكنهم.
بلغ عدد المستفيدين 667 خلال العام 2020.
كما حرص المجلس على ترميم المرافق الصحيّة في 15 مدرسة في العام 2020 بمختلف المحافظات السورية، بهدف توفير بيئة مدرسية صحية للطلاب. ونفّذ المجلس في تلك المدارس أنشطة توعويّة للطلّاب حول كيفيّة الوقاية من الأمراض المُعدية وفيروس "كوفيد-19"، وتعلّموا سُبُل عمليّة للوقاية مثل الطريقة الصحيحة لغسل اليدين والتدابير الوقائية التي تجنّبهم الإصابة بالعدوى.
ترميم الكنائس
لم تهدُم الحرب حياة الإنسان فقط، بل طالت تاريخه أيضًا. فخلال سنوات الحرب العشرة دُمّرت الكثير من الأبنيّة التاريخيّة في سورية، منها كنائس يتجاوز عمرها المئة عام. لذا حرص مجلس كنائس الشرق الأوسط على إعادة ترميم هذه الكنائس لتكون منارة تهدي المهجّرين الذين تركوا مدنهم لطريق العودة إلى وطنهم ومدنهم.
اهتم المجلس بترميم هذه المواقع من كنائس ومراكز ثقافيّة ومدارس ودور رعاية للمسّنين في مختلف المحافظات السورية، منذ العام الماضي ولا يزال مستمرًا في هذا المشروع.
الإهتمام بكرامة الإنسان وحقوقه
إلى جانب المساعدات العينيّة، يحرص مجلس كنائس الشرق الأوسط على الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته الانسانيّة، إذ نادى مرارًا وتكرارًا بوجوب رفع العقوبات الاقتصاديّة المفروضة على الشعب السوري، والتي تُمعن أكثر فأكثر في انتهاك حقّه بالعيش بكرامة وتنذر بكارثة إنسانيّة غير مسبوقة في المنطقة.
وقد وجّه المجلس مع عدد من رؤساء كنائس الشرق الأوسط، رسالة إلى الرئيس الأميركيّ الجديد جو بايدن، تحثه على الاستجابة فورًا لحال الطوارئ الانسانيّة القصوى في سورية، وتطالبه خصوصًا بالعمل على إلغاء العقوبات الاقتصاديّة التي يرزح تحتها الشعب السوري منذ سنوات، في ظل ظروف حياتيّة صعبة وأزمات اقتصاديّة واجتماعيّة وصحيّة تتفاقم يوميًّا لا سيما مع جائحة فيروس كورونا وتداعياتها الكارثيّة.
بعد مضي عقد من الزمن على حرب ضربت حياتهم وقلبتها رأساً على عقب، ما زال السوريون يعيشون مفاعيل الحرب، وينتظرون خلاصًا لا يعرفون كيف أو متى سيأتي، لكنهم لا يملكون خيارًا آخر سوى الإنتظار، مؤمنين أنّه كلّما رمتنا الحياة باتجاه ألمٍ جديد، ينهض بريق أمل يعيد ترتيب الأشياء من حولنا.
دائرة التواصل والعلاقات العامة