رسائل من البابا فرنسيس إلى المشرقييّن
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
تأبّط الحبر الثمانيني آلامه وقصد منطقة عزيزة عليه، إذ يعتبرها مهد إيمانه، غير عابئ لا بمعوقات المرض ولا بمعوقات الأمن ولا بمعوقات الإنقسامات.
من رِفعَةِ مقامه نظر الحبر الأعظم إلى شعب تقتله الإنقسامات وإلى مؤمنين لفظتهم الحروب شُرَّدًا في كل أصقاع المعمورة وقال لهم: ها أنذا قادم أحجّ إليكم حيث أنتم لكّي أشدّ أزرُكُم وأعضُدكم في الزمن العصيب الذي تعيشون.
زيارة الحجّ التي قام بها البابا فرنسيس إلى أهل العراق، أهل العراقة والتراث، سوف تكون لها تبٍعات وأصداء لأجيال، في منطقتنا كما في العالم، خصوصًا عندما يستكملها، كما وعد - وهو يَبرّ بوعوده، بزيارة إلى لبنان.
مفاعيل هذه الزيارة التاريخيّة ناتجة عمّا حملته من رسائل ورموز ودروس.
أولى الرسائل أن "تعالى على جراحك" من أجل تضميد جراح الإنسانيّة في مسار نكران للذات وعطاء غير محدود.
ثاني الرسائل كانت حول المساواة بين الناس، إذ زار الكبير والصغير وصاحب التأثير كما الأقل تأثيرًا من دون تمييّز أو مفاضلة.
ثالث الرسائل أن لا مكان للتكفير بين الناس، بين أبناء المجتمع الواحد، كما على صعيد المجتمع الانسانيّ، إذ اجتمع قداسته إلى أبناء الديانات المتواجدة في بلاد الرافدين كافة مهما كانت مكنونات إيمانهم، دون تمييّز أو مفاضلة.
رابع الرسائل تقول أنّنا بالإيمان والمحبّة نحَوّل الدمار عمارًا والقَفر ديارًا ونعيد إلى الحياة الإجتماعيّة الواحدة انسجامها وألقِها.
خامس الرسائل أن المصالحة بين أبناء الشعب الواحد المتباعدين ممكنة إذ أنّ المحبّة هي مفتاح لكلّ ما هو خيّر ومفيد وهي، تاليًا، أساس كل تقدّم ورخاء.
لا تستطيع أن تمرّ هذه الرسائل دون أن يكون لها تبِعات. من هنا الطريق!
إذا لم نشعر أن هذه الرسائل في رمزيّتها وفي مكنوناتها هي تحدّيات وخريطة طريق، نكون قد ضللنا ضلالًا بعيدًا.
على الكنائس، كما المجتمع المشرقيّ بكلّ مكوّناته، أن يعرف كيف يغرِف من الكنز الذي تحمله هذه الرسائل من أجل حياته ومستقبله والذي إستودعنا إيّاه الحبر الجليل في محبته الغزير في تضحياته.
علينا أن نوقِن أنّ حدثًا من هذا النوع سوف يشكّل البداية لمسار ثقافيّ حواريّ تغييري واسع النطاق ليس على مستوى النخب فحسب، بل على مستوى القواعد الشعبيّة التي زوّدها الإعلام بكل تفاصيل مساره وهي تنتظر ما سوف يؤول إليه.
هذا الحجّ إلى مستقبل العراق الذي قام به البابا فرنسيس، سيشكّل المنطلق لإرساء وسائل وطرائق تعامل جديدة بين الجماعات الدينيّة والإثنيّة والإجتماعيّة التي تكوّن العراق الحديث. هذا الحدث الجلل لا بدّ أن يكون نقطة الإنطلاق لعقد إجتماعيّ جديد تقترحه المسيحيّة المشرقيّة على مجتمعاتها من أجل غدٍّ أفضل.
نحن، في مجلس كنائس الشرق الأوسط قد قرأنا الرسالة جيدًا وفهمنا كنهها، وعلى الشيء نبني مقتضاه.