إحتفال مسكوني في كنف العائلة المقدّسة
هذه الكلمة متوفّرة أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
إلى مصر وفدنا من المجلس المسكوني للشرق الأوسط في صدد التحضير لجمعيّته العامة الثانية عشرة الّتي سوف تعقد هناك بدعوة كريمة من قداسة البابا تواضروس الثاني ودعم منه إضافة إلى دعم من قدس القسّ اندريا زكي.
في سياق الزيارات التحضيريّة للجمعيّة العامة جال وفد المجلس على القيادات الروحيّة كما سوف يتابع جولته خلال الأيّام القادمة.
ما سوف أورده في هذا المقال المختصر هو مجموعة من الملاحظات والخواطر الّتي أتت استنتاجًا بديهيًا وعفويًا خلال الزيارات ومن المحادثات الّتي جرت خلال اللّقاءات المتعددة الّتي قام بها وفد المجلس على مختلف المراجع الّتي أجري معها مناقشات في العمق حول شتّى المواضيع المتعلّقة بالعمل المسكوني واندراجه ضمن التأخي الوطني على أرض الكنانة.
ما هو واضح للعيان أنّ في مصر مسيحيّة مصريّة ذات تجليّات متنوعة، غنيّة بالمكونات المتآخية مع بعضها البعض حتّى لتعتبرها واحدة من حيث الروحيّة والتعاون رغم الفروقات الناتجة عن خصوصيّات كلّ مكون من هذه المكونات.
ما يلاحظه المراقب أنّ هذه المسيحيّة الّتي سميتها مصريّة هي مسيحيّة ممأسسة إلى أبعد الحدود. إنّها لا تعمل بالعشوائيات ولا بالإرتجال، بل تنكب على تأطير عملها بالوسيلة الفضلى الّتي تؤمن أعلى مستويات الأداء وأفضل نتائج العمل المؤسساتي.
ما هو واضح للعيان أيضًا هو أنّ هذه المسيحيّة المصريّة هي في حالة تأخٍ مع باقي مكونات المجتمع المصري وهذا ما نراه في العلاقات الّتي تربط مختلف الجماعات الّتي يتكون منها هذا المجتمع الغني بالخصائص النفسية والثقافية. إنّ التفاعل بين أبناء هذا المجتمع هي على أفضل حالها في سياق تكامل وطني مستدام تؤمنه حالة الإستقرار الّتي يعيشها وطن وادي النيل. في زيارتنا للمواقع الدينيّة المسيحيّة رأينا العدد الكبير من غير المسيحيّين يزورون هذه الأماكن بخشوع واحترام شديدين ممزوجين بحب الإطلاع. في هكذا مناخ، لا يعود الإنسان عدو ما يجهل إذ يبدد الإطلاع والمعرفة كلّ الأحكام المسبقة والعصبيات الهادمة للوطن.
ما لا يمكن تجاهله أيضًا هو أنّ هذه المسيحيّة الّتي سميتها "مصريّة" هي مسيحيّة وطنية بامتياز وتاليًا فهي ليست مسلوخة عن المصير القومي للمجتمع المصري. كلّنا يعلم المكانة الّتي تحتلّها مصالح الوطن المصري في قلوب المصريّين، المسيحيّين منهم وغير المسيحيّين على حد سواء لدرجة أنّ حب الوطن يضحي جزءًا من الإيمان بالباري.
إضافة إلى ذلك، يلاحظ المراقب العليم كم أنّ المسيحيّة المصريّة تتميّز بالفرح عند الأفراد الّذين يكونون مختلف مسمياتها وقد تجلّى ذلك في سلوك المؤمنين خلال التجمعات الّتي إشتركنا بها كما من خلال اختلاطنا بهم.
المسيحيّة المصريّة مسيحيّة مطمئنة لأنّ إيمانها عميق، متغلغل في ثنايا روحها ويشعّ على محيطها طمأنينة وهناء. هي معطاءة أيضًا، تعطي بلا حدود إنطلاقًا من إيمانها ومن ثقتها بنفسها وبالمتحاورين معها.
أمّا العائلة المقدّسة ورحلتها إلى مصر فلها الحيز المتميّز في الإيمان عند المسيحيّة المصريّة. القدّيس مرقس وسائر قدّيسي المسيحيّة لهم المكانة المرموقة والمميّزة في المشاعر الإيمانيّة عند المصريّين، ولكن للعائلة المقدّسة الإعتبار الّذي لا يوازيه أي شأن آخر.
إضافة الى البعد الايماني المتعلق برحلة العائلة المقدسة الى مصر، هناك البعد الثقافي والشعبي الذي يحتلّ جزءًا كبيرًا من إهتمام المسيحيّة المصريّة كما سائر المصريّين. هذه الرحلة حاضرة في كلّ مكان وتحت شتّى التجلّيات من أيقونات إلى رسوم إلى خرائط، إلى ما هو متوفّر من الوسائل.
خلال زيارة وفدنا إلى مصر، أيقنا كم أنّ العائلة المقدّسة ورحلتها تضفي على الوعي الجماعي عند المصريّين طابعًا لا يشبهه أي شيء آخر.
أؤكّد لكم أنّ العائلة المقدّسة كانت هناك.