مع إنطلاق المرحلة التحضيريّة لسينودس الأساقفة الكاثوليك في روما
سيادة المطران بولس روحانا:
الربّ دعانا لأن نكون كنيسة
المحبّة جهاد روحيّ للتحرّر من الكبرياء والغضب ودونه يفشل مسار السير معًا
هذا التقرير متوفّر أيضًا باللّغة الإنكليزيّة.
الظّلم، خطاب الكراهيّة، الفساد، اللّاعدالة... كلّها عبارات لطالما هيمنت على المشهد العالميّ لا سيّما المشرقيّ، في وقت تعاني المجتمعات من أزمات حادّة على الصّعد كافّة الصحيّة والبيئيّة والإقتصاديّة والثّقافية والسياسيّة. لكن هل من أحد يسمع وجع المهمّشين؟ هل من مبادرات ساهمت فعلًا في التخفيف من وطأة الأزمات؟ أين الكنيسة وسط كلّ ذلك؟
في الواقع يبدو أنّ السّير معًا شرط ضروريّ لمساندة بعضنا بعضًا، جميعنا مسيحيّين وإخوة في العائلة البشريّة لتخطّي كلّ الصّعوبات. من هنا يذكّرنا قداسة البابا فرنسيس إلى أنّه لا يمكن للإنسان أن يخلُص بذاته منفردًا بل مع الآخرين. ويرى بالتّالي في هذه الأزمات "علامات أزمنة" لا بدّ للكنيسة مجتمعةً من إلتقاطها وقراءتها وتفسيرها وفق دعوتها ورسالتها.
لذا دعا الحبر الأعظم إلى عقد الجمعيّة العامّة العادية السّادسة عشرة لسينودس الأساقفة في روما في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023. سينودس يهدف إلى التوصّل من خلال "السّير معًا" إلى إيجاد حلول مشتركة لقضايانا المشتركة، خصوصًا أنّ مسار السّير معًا عمومًا يتطلّب الإجتماع واللّقاء والحوار بحريّة.
المرحلة التحضيريّة لهذا السّينودس بدأت، والأبرشيّات حول العالم في صدد تحضير إقتراحاتها وتوصياتها. هل الشرق الأوسط معنيّ بالسّينودس هذا؟ النّائب البطريركيّ العام على نيابة صربا، الأبرشيّة البطريركيّة المارونيّة، والأمين العام السابق لمجلس كنائس الشرق الأوسط سيادة المطران بولس روحانا ساهم في مساعدة كهنة الرّعايا ومعاونيهم في المنطقة في المهمّة الموكولة إليهم خلال المرحلة الأولى من هذه المسيرة السّينودسيّة عبر إعداده لدليل خاص باللّغة العربيّة مستندًا على النّسخة الفرنسيّة من دليل السّينودس.
لكن أسئلة كثيرة تُطرح في هذا الإطار، ما هو موضوع السّينودس؟ هل يحاكي الواقع؟ ما هو دور الكنيسة؟ ما يعني السّير معًا بشَرِكة؟ وهل للسّينودس أبعاد مسكونيّة؟
سيادة المطران بولس روحانا أوضح لنا الصّورة في المحاضرة التي ألقاها خلال الرّياضة الرّوحيّة الّتي نظمّتها الأمانة العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط برئاسة الأمين العام د. ميشال عبس يوم الجمعة 5 تشرين الثّاني/ نوفمبر 2021 في دير إهتداء مار بولس، المقرّ الصيفي لنيابة صربا في عشقوت كسروان، لبنان، وهذه بعض المقتطفات منها التي تجيب على الأسئلة المطروحة من جهة وتفتح آفاق جديدة من جهة أخرى وأسئلة جديدة!.
الكنيسة دعوة للسّير معًا
إختار قداسة البابا فرنسيس عنوان السّينودس "من أجل كنيسة سينودسيّة: شركة ومشاركة ورسالة" ليكون بحسب روحانا موضوعًا يهمّ كلّ كنيسة من دون أن يتعلّق فقط بفكر الكنيسة الكاثوليكيّة فيشرح سيادته "الكنيسة في صيرورة وفي حركة حيث يعُاد النّظر في آليّاتنا وتفكيرنا وعقائدنا... ليس إذًا بضروريّ أن تكون السّينودسيّة محسومة الآن، فالكنيسة لم تصل بعد إلى السّينودسيّة".
يتابع "الكنيسة تعني بالسّريانيّة "كلوشتو" وباليونانيّة "إكليسيا" وكلا الكلمتان تعنيان جماعة مدعوّة من اللّه الآب. لذا علينا الشّعور بأنّ الرّبّ دعانا لأن نكون كنيسة، والكنيسة مدعوّة من اللّه لتكون معه شريكة بمشروع الخلاص. أمّا السّينودس فيعني "السّير معًا"، وكنيسة سينودسيّة تشكّلان كلمتين مرادفتين، فالسّير معًا هو من الصّفات الأساسيّة للكنيسة والجماعة أمام اللّه".
الكنيسة علاج لكلّ ما يحول دون السّير معًا
هل الواقع الإنسانيّ يسمح فعلًا بالسّير معًا؟ سيادة المطران بولس روحانا يؤكّد أنّ الكنيسة تدرك جيّدًا الظّروف المريرة الّتي يمرّ بها المؤمنون. يقول "الواقع الإنسانيّ يحول دون السّير معًا، وبالتّالي قد تكون الكنيسة علاج من اللّه لكلّ المعوّقات، وذلك بما تحمل من تعاليم وقيَم ورموز خلاص... علاج يستعيد النّاس من خلاله التضامن الأخويّ في ما بينهم تحت نظر اللّه، وهذا هو الهدف اليوم".
يضيف "منذ بداية التّاريخ الإنسانيّ يعيش النّاس بتشتّت وإنقسامات جرّاء إختلاف الطباع، تغليب المصالح الإنسانيّة، العصبيّات العشائريّة والقبليّة والدينيّة، الفروقات الإقتصاديّة بين الأغنياء والفقراء، إضافةً إلى النّزاعات الدينيّة بين الديانة الواحدة... كلّها أسباب نحملها لغاية اليوم، وعلينا أن نأخذها بعين الإعتبار في السّير معًا".
من هنا يتساءل روحانا "أمام هذا الواقع المأساويّ هل يبقى المؤمن أسير النّزاعات وكأنّها واقع حتميّ لا يتجدّد؟ ويتابع "إذا أقّرينا بهذا الواقع يفشل عمل اللّه ومشروعه وتفشل الكنيسة والسّينودسيّة. لذا تأتي أهميّة التعاون بين اللّه والإنسان، بين عمل النّعمة والإرادة البشريّة الهشّة المكسّرة".
الشَّرِكة أساس للسّير معًا
"الشَّرِكة" تعبير لاهوتيّ تتحقّق بين الآب والإبن والرّوح القدس. وتشكّل الشَّرِكة في الثّالوث أساس الكنيسة السّينودسيّة. الكنيسة هي شركة الآب الّذي دعاها، قائمة على المحبّة بين الآب والإبن والرّوح القدس".
ما هو إذًا لاهوت السّير معًا؟ يجيب سيادته "نلجأ إلى مار بولس مهندس الإيمان الّذي يتحدّث عن الكنيسة كجسد المسيح المتنوّع الأعضاء. المسيح رأس الجسد وكلّ واحد منا هو عضوّ في هذا الجسد مع الآخرين، وهذا ما نسميه العلاقة مع الآخر. بالتّالي لا يمكن لأحد أن يكون مستقلًّا، وهذا ما تؤكّد عليه رسالة مار بولس الرّسول إلى أهل رومية الفصل 12 "بقدر ما نجد وحدتنا في المسيح نشهد للشّراكة في ما بيننا...".
لذا "لا أستطيع أن أكون مع المسيح وأهمل الجسد والآخرين" يتابع روحانا، مستندًا على رسالة كورنثوس الأولى 12، 31-34، "التضامن بين الأعضاء، فكلّها تسهم في الخير العام. كلّ الأعضاء متعاونة كي تقوم بالرّسالة".
المحبّة في السّير مع اللّه والقريب
بعد عرضه للإشكاليّة والواقع الإنسانيّ لفت سيادة المطران روحانا إلى أنّ "المحبّة تشكّل أيضًا علاجًا روحيًّا للسّير معًا. الثّورة اللّاهوتيّة تقوم على الجمع بين محبة اللّه ومحبّة القريب. ويبدو أنّ السّير مع اللّه بمحبّته لا ينفصل عن السّير مع القريب بمحبّته. هذا يعني أنّ محبّة اللّه والإنسان تكون على المستوى نفسه وكذلك السّير مع اللّه والإنسان".
إنطلاقًا من مثل السّامريّ الصّالح يتساءل سيادته "هل أرتقي لأكون قريبًا من كلّ ضحيّة للظلم فأعتني بها كي تتعافى؟". ويضيف "عليّ أن أنتفض لحقوق الإنسان، والإيمان هو الّذي يترافق بمحبّة اللّه... المحبّة جهاد روحيّ يقوم به المؤمنون للتحرّر من الحسد والكبرياء والغضب ودون هذا التحرّر لا يمكن للسّير معًا أن يصبح واقعًا. المحبّة بحسب رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، تتأنّى وترفق لا تحسد لا تتفاخر ولا تنتفخ. وإذا كانت المحبّة المتبادلة بين الأخوة مبنيّة على خطى يسوع يكون لها بعد مثاليّ".
السّير معًا في مسار مسكونيّ
أخيرًا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المسار السّينودسيّ يحمل أيضًا بعدًا مسكونيًّا خصوصًا وأنّ السّينودسيّة والمسكونيّة تدعوان إلى مسار "السّير معًا". الكنيسة السّينودسيّة تصغي إذًا إلى كلّ المعمّدين الّذين يشتركون بدرجة معيّنة في حسّ الإيمان. كما ترتكز المسكونيّة على "تبادل الهبات"، وإحدى الهبات الّتي يمكن للكاثوليك أن يحصلوا عليها من المسيحيّين الآخرين هي إختبارهم وفهمهم للسّينودسيّة.
هذا إضافةً إلى أنّ التنظيم السّينودسيّ للكنيسة الكاثوليكيّة يضمّ على المستويات كافّة أبعادًا مسكونيّة تعزّز مصداقيّتها في الحوار. من دون أن ننسى أنّ المسار السّينودسيّ يشكّل فرصة لتحفيز العلاقات المسكونيّة على مختلف الصّعد في الكنيسة، لا سيّما وأنّ مشاركة المندوبين المسكونيّين باتت ممارسة عادية في سينودس الأساقفة وفي سينودسات الأبرشيّة.
دائرة التواصل والعلاقات العامة