الأب طانيوس خليل عبر البرنامج التلفزيوني

"أيّام موسم الخليقة":

نحن مدعوّون مع كلّ الخلائق إلى تسبيح الرّبّ ومباركته

كلّ التقاليد الكنسيّة تؤكّد على أنّ الكون لم يُخلق فقط للإنسان بل لكلّ المخلوقات

هذه المقابلة متوفّرة أيضًا باللّغة الإنكليزيّة.

MECC 1.PNG

شهدت الرّزنامة المشرقيّة هذه السّنة تعديلًا مميّزًا وطرق القطاع البيئيّ بابها ليسجّل حصّة له من بين الأيّام الإقليميّة والعالميّة الّتي يحتفل بها الشرق الأوسط سنويًّا. الإحتفال البيئيّ الجديد يمتدّ من 1 أيلول/ سبتمبر حتّى 4 تشرين الأوّل/ أكتوبر من كلّ سنة، ويتجلّى هذه السنة في أيّام "موسم الخليقة" الّتي تشارك فيها المنطقة للمرّة الأولى عقب مبادرة مجلس كنائس الشرق الأوسط في ترجمة كتيّب الموسم العالميّ إلى اللّغة العربيّة.

 تشكّل المبادرة هذه تحفيزًا للصّلاة والعمل من أجل الحفاظ على بيتنا المشترك الّذي وهبه الله لنا والّذي واجه في العديد من الأحيان مخاطر عدّة. أتى "موسم الخليقة" هذه السّنة ليدفعنا للإتّحاد معًا من أجل إنقاذ كلّ مخلوقات الله لا سيّما وأنّ الشرق الأوسط يضمّ ثروة بيئيّة كبيرة تمتدّ في دوله كافّة.

ومع ختام هذا الموسم البيئيّ المسيحيّ لا بدّ من التشديد على أهميّة البيئة في قلب الكنيسة، فما هو إذًا الفكر المسيحيّ حول الخليقة؟ كيف يتحدّث الكتاب المقدّس عن البيئة؟ وماذا عن المزامير؟

كلّها أسئلة أجاب عنها عضو لجنة العدالة البيئيّة في مجلس كنائس الشرق الأوسط رئيس رابطة معاهد وكليّات اللّاهوت في الشرق الأوسط وعميد كليّة العلوم الكنسيّة في جامعة الحكمة، لبنان، الأب طانيوس خليل خلال الحلقة الأولى من برنامج "أيّام موسم الخليقة" على شاشة تيلي لوميار ونورسات؛ البرنامج الخاص الّذي أطلقته دائرة التواصل والعلاقات العامة في المجلس تزامنًا مع الإحتفال بهذا الموسم.

 

لفت الأب خليل بدايةً أنّ "كلّ التقاليد المسيحيّة تستند في حديثها عن الخليقة والحفاظ عليها على مرجعيّة أساس وهي كلمة الله وبالتّحديد سفر التكوين. صحيح أنّ الكتاب المقدّس يعرض علاقة الله بالإنسان والعكس لكنّه يتحدّث أيضًا عن علاقة الإنسان بالكون ككلّ وبالمخلوقات الأخرى إضافةً إلى مسؤوليّته تجاهها. يعتقد الفكر الشّعبيّ في مختلف التقاليد المسيحيّة أنّ الله أوكل الإنسان لأن يكون له سلطانًا على الخليقة أي أن يسيطر عليها، لكن الكتاب المقدّس يقدّم شروحاتٍ أخرى لهذه الفكرة".  

ويشرح أنّ "الإنجيل يذكر أنّ الإنسان أُوكل لإخضاع العناصر الأخرى. ويشير سفر التكوين أنّ الله خلق الإنسان على صورته ومثاله لذا تكمن مسؤوليّته كمتسلّط ومسيطر في أنّ يمثّل الله في هذه الخليقة وبين المخلوقات. علمًا أنّ كلّ التقاليد الكنسيّة تؤكّد على أنّ الكون لم يُخلق فقط من أجل الإنسان بل لكلّ هذه المخلوقات. الإنسان ليس وحده بل هو بشراكة مع خلائق أخرى حيّة موجودة ومع الكون الّذي يعيش فيه. من هنا نقرأ أنّه عقب حدث الطوفان قام الله بالعهد مع الإنسان وخلّص الحيوانات أيضًا".

أمّا في علم اللّاهوت فقال الأب طانيوس خليل "نتحدّث عن أنّ للخليقة واقعًا وحقيقة Theocentrique أي مركّزة على الله بالتّالي لا يمكننا أن نرى الخليقة إلّا إنطلاقًا من الله وليس من المنظور الإنسانيّ. أمّا الفداء والخلاص بيسوع المسيح فلا يشمل فقط الإنسان، بل وبحسب العهد الجديد يطال كلّ الخليقة الّتي تئنُّ أيضًا بإنتظار التبنّي".  

من جهّة أخرى، كان لا بدّ من التطرّق إلى المزامير الّتي تُقرأ وتُرتّل لأنّها بحسب خليل "تتميّز بالتنوّع الّذي تضمّه وهي كلّها تسبّح الله وتذكّرنا بالخالق. من الضرورة أن نفهم أنّ الخليقة هي ملك الله الخالق وليست لنا. أمّا نحن فمدعوّون مع كلّ هذه الخلائق إلى تسبيح الرّبّ ومباركته. ومن خلال صنع يديه نكتشف عظمة الله، لذا على الإنسان أن يعرف بالتّالي محدوديّته تجاه الطبيعة". ومن هنا يتساءل "من هو الإنسان مقابل كلّ ضخامة الخليقة؟ ولماذا تصرّفاته السيّئة تجاهها؟".

يتابع "لا شكّ أنّ الرّبّ منح الإنسان موقعًا مميّزًا وسط الخليقة لكنّه في الوقت نفسه أوكله مسؤوليّة الحفاظ عليها وتنميتها والإنتباه عليها، لا سيّما وأنّ الخليقة تشكّل بيتًا لنا جميعًا. علينا ألّا ننسى محبّة الله لنا وللعالم أجمع بالمسيح الّذي خلّص الكون أجمع. أمّا نحن فمن الضروري أن نفهم موقعنا وأنّ ما لدينا هو وكالة وليس حقّ حصريّ للقضاء على كلّ ما حولنا. من هنا يكمن تدبير الله الخلاصيّ بكلّ التقاليد الكنسيّة في الحديث عن سماء وأرض جديدين".

لنبتهل إذًا معًا ونمجّد الخالق ونصرخ بقلب واحد "أَيُّهَا الرَّبُّ سَيِّدُنَا، مَا أَمْجَدَ اسْمَكَ فِي كُلِّ الأَرْضِ! حَيْثُ جَعَلْتَ جَلاَلَكَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ." (سفر المزامير 8: 1).

دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

الجُحود والنِفاق والسُّم في الدسم

Next
Next

من دير سيّدة الزيارة في لبنان