الأب الياس مارسوانيان يمثّل دولة الفاتيكان في إكسبو دبي 2020
شاهدوا الجولة الإفتراضيّة في جناح الكرسيّ الرسوليّ حيث بناء الجسور ونشر ثقافة السّلام
هذه المقابلة متوفّرة أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.
مقابلة: ايليا نصراللّه
يشهد الشرق الأوسط والعالم أجمع بين 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر و31 آذار/ مارس 2021 حدثًا تاريخيًّا يستمرّ على مدار 6 أشهر مفعمة بالثّقافة والإبداع والإبتكار. "إكسبو دبي 2020"، أراد منظموه أن يكون ملتقى الحضارات والثّقافات والتراث، وهمزة وصل بين جميع الشّعوب والأديان. إكسبو العالم في دبي الّذي يحمل معه رسالةً إنسانيّة تتجلّى في الغنى بالتنوّع والأخوّة والحوار وقبول الآخر خصّص هذه السنة ولأول مرّة جناحًا خاصًا للفاتيكان، مبادرة عكست إلتزام دولة الإمارات بوثيقة الأخوّة الإنسانيّة وتجلّت كأبرز ثمارها العمليّة.
المسؤول عن هذا الجناح كاهن لبنانيّ من رهبانيّة الإخوة الأصاغر الديريّين، الأب الياس مارسوانيان عضو لجنة العدالة البيئيّة في مجلس كنائس الشرق الأوسط، إعتدتم على متابعته عبر منصّات المجلس في سلسلة فيديوهات طيلة أيام "موسم الخليقة" 2021 في المشرق، إختارته رهبنته لتمثيل دولة الفاتيكان في إكسبو دبيّ، فحمل الشرق في قلبه رسالة سّلام وأمل في موقع يجمع شعوب الأرض في معرض.
في لقاء عن بُعد ومباشرة من جناح الفاتيكان يأخذنا مارسوانيان في جولة إفتراضيّة في أرجائه حيث يمكننا أيضًا متابعتها عبر الفيديو المرفق للتعرّف على أبرز ما يضمّه من صور ومشاهد ومنحوتات. بعد الجولة كانت لنا دردشة مع الأب الكاهن عكست أهميّة هذه التجربة وشرحت معاني المعروضات في الجناح.
معرض العالم أو إكسبو دبي تمّ بناؤه من الصّفر بمساحة تتجاوز أربعة كيلومترات مربّع ليشكّل جسر عبور وتلاقٍ بين 192 دولة من مختلف أنحاء العالم، تحت شعار "تواصل العقول وصُنع المستقبل". ومن أجل مستقبل أفضل يقدّم المعرض مواضيع أسبوعيّة تتناول أبرز التحدّيات والفرص البشريّة كالمناخ والتنوّع الحيويّ، التسامح والشّمول، المعرفة والتعلُّم، السّفر والإتّصال... لتتمّ مناقشتها وتبادل وجهات النّظر في حلقات حواريّة مختلفة.
من جناح إلى آخر يسافر الزّائر السّائح عبر جواز سفر مخصّص لتسجيل مسار رحلته وأهمّ اللّحظات في "إكسبو دبي 2020". ومن أكثر الأجنحة الّتي تجسّد اللّقاء بين العِلم والإيمان على ضوء الأخوّة والحوار بين الثقافات والأديان جناح الكرسيّ الرسوليّ لدولة الفاتيكان. تدعو هذه الدولة السياديّة الأصغر في العالم وصاحبة النفوذ العالميّ في جناحها إلى تعزيز الحوار الدبلوماسيّ بين الأديان وترسيخ قيم التسامح والتعايش.
جناح التاريخ والإيمان
بحسب بيان للمجلس الحبريّ للثقافة في الفاتيكان تشارك الدولة الكاثوليكية في هذا المعرض العالميّ للمرّة الأولى وفي أحد بلدان الشرق الأوسط ذات الغالبيّة المسلمة. إتّخذ الجناح رمزًا له مستندًا على لقائين تاريخيّين، حيث جرى الأوّل بين القدّيس فرنسيس والسّلطان الكامل محمد الأيوبي منذ ٨٠٠ عام، والثّاني بين قداسة البابا فرنسيس وسماحة الإمام الأكبر أحمد الطيّب في أبو ظبي في ٤ شباط/ فبراير ٢٠١٩.
طاعة الكنيسة مسؤوليّة كبيرة
في مستهلّ حديثه وصف مارسوانيان التجربة بغير السهلة. ويروي مسار إختياره لينفّذ هذه المهمّة يقول "تواصل المسؤولون المعنيّون من الفاتيكان مع رهبانيتنا في إيطاليا فتمّ الإتّصال بي وطُلب منّي خوض هذه التجربة". بالطبع لم يرفض مارسوانيان بل أطاع الكنيسة وشرح "لطالما شدّد القدّيس فرنسيس في قانوننا على طاعة الرّهبان للكنيسة فيتوجّهون إلى حيث ترسلهم الكنيسة. أعتبر التجربة هذه كمهمّة من الكنيسة الّتي أرسلتني إلى دبي".
يتابع "المسؤوليّة كبيرة جدًّا وليست سهلة لأنّني أمثّل الفاتيكان في دبي. أفتح أبواب الجناح صباحًا وأقفلها مساءً إضافةً إلى أنّه من الضرورة الإنتباه على كلّ محتويات الجناح. تُعتبر المهام هنا كجسر يربط الأديان لا سيّما المسيحيّة والإسلاميّة. وأكثر ما يميّز الجناح هو زيارة الأخوة المسلمين ليجولوا في أرجائه".
رسالة سلام
يعيش مارسوانيان خبرة الإكسبو في مجتمع يجمع الأطياف كافّة حيث يقوم بإستقبال الزوار ويجسّد القيم المسيحيّة الّتي أوّلها قبول الآخر. من هنا يكشف الأب الكاهن "غالبًا ما يكون الزوار غير مسيحيّين أو ربّما لا يعرفون أي معلومة عن المسيحيّ.، وعندما أتحدّث عن القدّيس فرنسيس مثلًا يسألني البعض ما معنى قدّيس!". تكمن مهام الأب الياس إذًا في تقريب المسافات بين لزوار وبين المسيحيّة من خلال شروحات وتفسيرات عدّة.
في هذا السّياق يضيف إلى أنّ "ما يميّز الجناح هو التواصل بين ناس من مختلف الحضارات، فكُثر أعربوا عن فرحهم عقب الزيارة لأنهم تعرّفوا من خلالها على مفاهيم إنسانيّة جديدة. ما هو مهمّ أيضًا يتجسّد في روحانيّة مار فرانسيس الّتي أعمل على ترسيخها؛ لا سيّما أنّه كان من أوائل القدّيسين الذين تجرأوا والتقوا الآخر لا سيّما في زمن الحروب الصليبيّة، وبثّ روح السّلام رغم كلّ الصّعوبات. الأمر يتكرّر اليوم مع زيارة قداسة البابا فرانسيس إلى أبو ظبي عام 2019 وإلى العراق حيث يحرص دائمًا على بثّ السّلام".
يضيف مارسوانيان، "تكمن رسالتي اليوم في جناح الفاتيكان بدبي ووسط مختلف الأديان بأن أكون رجل سلام وهذا يتطلّب أن نؤمن بأنّ إلهنا هو إله سلام، يسوع المسيح. رسالتي هي أن أزرع كي يحصد النّاس متى شاءوا".
من جهّة أخرى، تطرّق الأب مارسوانيان إلى نظرته وخبرته الإعلاميّة في مثل تلك التجارب وقال "نعيش اليوم في عصر بإمكاننا تسميته عصر الإعلام والتواصل. كلّ ما في الإكسبو مستند على التواصل والتكنولوجيا بشكل متقدّم جدًّا. الإعلام يقوم بدور مهمّ خصوصًا لإيصال صور معيّنة عن الكثير من الأمور".
يضيف "يكمن دورنا اليوم كإعلاميّين بالتواصل مع الآخرين وإيصال الرسالة المطلوبة اليهم. كما في مساعدة الزّائر كي "يشعر في الجناح وكأنّه بالفعل موجود في روما وفي الفاتيكان من خلال كلّ ما يضمّه من معروضات...".
بناء الجسور بين مختلف الحضارات والأديان
بالعودة إلى محتوى الجناح يشير مارسوانيان إلى أنّ أكثر المنحوتات الّتي لفتت الأنظار هي منحوتة بناء الجسور، فما هي إذًا رمزيّتها؟ يشرح أنّها "عبارة عن جسر يمتدّ من جهّتين حيث تحمله مجموعة من الأشخاص، مجسّمات صغيرة، وفي وسطه مجموعة أخرى من الاشخاص تلتقي مع بعضها بعضًا. أمّا فوق الجسر فتجدون ثلاث قبب ترمز إلى الديانات السّماويّة. أمّا الباب الأكبر فيرمز إلى باب إكسبو دبي".
يتابع "ترمز المنحوتة إلى أنّ بناء الجسور لا يكون فقط من جهّة واحدة وإنّما أيضًا بمساعدة الآخر. من هنا يكمن دورنا في تقريب المسافات في المجتمعات، حيث يدعو قداسة البابا فرانسيس إلى بناء الجسور وليس الجدران. يشكّل الإكسبو مكانًا يلتقي فيه الناس بمختلف ثقافاتهم وحضاراتهم وأشكالهم... فمثلًا يسألني البعض عن الثوب الّذي أرتديه وإلى رمزيّته وأنا أجيب بكل سرور".
"موسم الخليقة" 2021
في نهاية الحديثه كان لا بدّ من أن يخبرنا الأب الياس مارسوانيان عن سلسلة الفيديوهات الّتي أعدّها وقدّمها لمناسبة إطلاق "موسم الخليقة" للمرّة الأولى في المشرق حيث نُشرت على موقع مجلس كنائس الشرق الأوسط ومنصّات التواصل الإجتماعيّ الخاصّة به.
يقول "كانت التجربة جميلة جدًّا وخبرة مفعمة بالإيجابيّة لأنّنا عاودنا إكتشاف أمور لم نكن نتنبّه لها خصوصًا في الإنجيل. في الفيديوهات كنّا دائمًا نعمل على ربط آية من الإنجيل بموضوع بيئيّ وهذا أكثر ما أثّر بي. كما قمنا بإكتشاف مناطق جديدة لإعتمادها كمواقع تصوير".
وختم "تجربة موسم الخليقة سمحت لنا بالتعرّف على الكثير من النّاس والتواصل مع أشخاص من مختلف الأديان للعمل معًا على الموضوع البيئيّ، فبحسب قداسة البابا كلّنا موجودون في سفينة واحدة، لذا علينا جميعًا الإهتمام بها للوصول إلى برّ الأمان".
دائرة التواصل والعلاقات العامة