نداء مجلس كنائس الشرق الأوسط لوقفة إتحاد في الصلاة في زمن الوباء، الأحد 22 آذار/ مارس 2020

1.jpg

ببركة رؤساء مجلس كنائس الشرق الأوسط، وفي زمن الصوم وتفشّي وباء كورونا المستجّد الذي يهدّد البشرية جمعاء، يتوجه مجلس كنائس الشرق الأوسط بهذا النداء الى الكنائس الأعضاء وذوي الإرادة الصالحة كافة:  

في الصوم دعوةٌ إلى الاختلاء والصلاة والتوبة والإهتداء تستهلّها الكنيسة بطلب الغفران من الله تعالى، واستغفار الأخوة والأخوات، استعدادًا لرحلة العبور (الفصح) من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى القيامة. وقد شبّه الآباء القديسون هذه الرحلة بعبور شعب الله، أي الكنيسة، في الصحراء قبل الوصول إلى أرض الميعاد، أرض العهد والحياة الجديدة مع الله. فيها اختبر مشقّات هذه الحياة ومصاعبها وتجاربها وفي الوقت عينه تقبّل عهد الله له ووصاياه وخلاصه. في عبور الصحراء كشف الله لشعبه عن وهج وجهه البهيّ الساطع وأظهر مجده وعظمته بصبره وحنوّه ومحبّته. وفي الصوم الأربعينيّ عبورٌ من الإنسان العتيق إلى حريّة أبناء الله التي نالوها بقيامة المسيح من بين الأموات. فيه يختبر الإنسان ضعفه وخطيئته ويتوب إلى الله وإلى نفسه ويعود إلى الإخوة. فيه ينال أيضًا نعمة بهاء الوجه الإلهيّ المتجلّي بصورة الابن المعلّق على الصليب الذي أحبّ إخوته البشر إلى الغاية. فيه كذلك شوقٌ إلى أنوار القيامة وجدّة الحياة الإلهيّة المنسكبة بالروح القدس على المؤمنين.

لاريب أيّها الإخوة والأخوات أن عبور الصحراء الزمنيّة والروحيّة في صومنا هذه السنة عبورٌ شاقٌّ ومريرٌ للغاية. حربٌ من هنا وتهجير وتشرّد من هناك؛ مآسٍ من هنا ووباءٌ من هناك. تغرّب روحيٌّ من هنا وضعفٌ في القيم الإنسانيّة من هناك. ولكنّنا في خضمّ كلّ هذه الظروف لا نخاف ولا نضطرب، لأنّ الله معنا، كما يقول المزمور، ولا تخزى وجوهنا لأننا وجه الله البهيّ نطلب، وإلى محبّة الأخ نبادر، وإلى تقديس الطبيعة نسعى. إن روح المسؤوليّة أمام الخالق تحدو بنا إلى التفكير العميق في معنى التضامن الأخويّ بين الناس، والتعاضد بين الإنسان والإنسان، وكلنا مع الطبيعة، حفاظًا على أنظومة الكون والتوازن الإيكولويجيّ فيها، ونضالاً في سبيل تصويب المسارات والسياسات التي أدّت إلى تدمير التوازن وتعطيل الأنظومة. فلا معنى لصيامنا ما لم نُخلِ ذواتنا على صورة من أخلى ذاته و"صار طائعًا حتّى الموت على الصليب" (فليبي 2، 7-8)، وما لم نتطهّر لنغلب المشقّات والآلام والأوبئة، وما لم نسعَ إلى المحبّة والسخاء والطهر والتضحية.

 لقد فرض وباء الكورونا علينا الاختلاء القسرّي وها نحن أسرى الصحراء والخوف من العدوى والموت. لكنّ دعوة الله لنا تحثّنا على النظر إلى "مبدأ الإيمان ومكمّله يسوع" (عبرانيين 12، 2) الذي يسير معنا ويقودنا لنستمدّ منه القوة والشجاعة فنحوّل هذه الصحراء إلى فرصةٍ للتقارب والمصالحة والمساندة والتكاتف، وعون المعوزين ونجدة المرضى والمهجّرين، إلى فرصةٍ لاختبار الأخوّة الإنسانيّة في عمقها الإلهيّ، وإلى فرصةٍ للولوج إلى الداخل ولإعادة اكتشاف معنى وجودنا والقيم الروحيّة والإنسانيّة الأصيلة.

باسم جميع الكنائس الأعضاء، وببركة الرؤساء الروحيّين، يضع مجلس كنائس الشرق الأوسط إمكاناته المتوفّرة، ويضاعف جهوده للقيام بواجبه الروحيّ والإنسانيّ وفق الظروف، ويدعو إلى إقامة الصلوات يوم الأحد المقبل الواقع فيه 22 آذار/ مارس 2020 وإلى رفع الصوت والدعاء بروحٍ واحدة، وشَرِكةٍ واحدة على نية المرضى المصابين بالفيروس وأسرهم، ولأجل الطواقم الطبيّة والصحيّة التي تخاطر بصحتها في سبيل العلاج والوقاية، ولا سيما المسؤولين المعنيّين عن الصحّة العامّة، كي يلهمهم الرب الإله سبل احتواء تفشّي الفيروس ويهدي سعيهم إلى تدارك التداعيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والبيئيّة.

صباح الأحد المقبل تتلاقى قلوبنا وكنائسنا في صلاةٍ عميقة تضع الإنسانيّة والكون في عهدة الله "أبو الرأفة وإله كل تعزية" (2 كورنثوس 1: 3). رجاؤنا أن يستعيد أفرادنا ومجتمعاتنا عافيتهم في فعل تضامنٍ إيمانيّ، ووحدةٍ مسيحيّة وإنسانيّة نابعة من قلب الله. ألا قدّرنا الله تعالى على التحلّي بروح المسؤوليّة والشجاعة والإخلاص للإنسان  والخليقة حتّى تشعّ في عالمنا أنوار المسيح القائم منتصراً على الشرّ والموت.

Previous
Previous

كورونا تجمع الأمناء العامين للمنظمات المسكونيّة الإقليميّة في اجتماع عالمي إلكتروني

Next
Next

دائرة التواصل والعلاقات العامة في مجلس كنائس الشرق الأوسط في زيارة تدريبية الى مجلس الكنائس العالمي في جنيف