رتبة درب الصّليب: أصوات سلامٍ في عالم حرب

تأمّلات هذه السنة هي شهادات رجال ونساء من مناطق مختلفة من العالم عانوا من العنف والفقر وقد أستمع إليها قداسة البابا فرنسيس خلال زياراته الرسوليّة وفي مناسبات أخرى. الّذين يعانون بسبب الحروب والظلم في العالم هم مرّة أخرى رواد درب الصّليب في الكولوسيوم.

صلاة الافتِتاح

أيّها الرّبّ يسوع، أنت "سلامُنا". قبل آلامك قلت: "السَّلامَ أَستَودِعُكُم وسَلامي أُعْطيكم. لا أُعْطي أَنا كما يُعْطي العالَم". يا ربّ، نحن بحاجة لسلامك، ذلك السّلام الذي لا يمكننا أن نبنيه بقوانا. نحن بحاجة لأن نسمعك تكرّر تلك الكلمات التي، وبعد قيامتك من بين الأموات، طمأنتَ بها قلوب التلاميذ: "السَّلامُ علَيكم!". يا يسوع، يا من عانقت الصّليب لأجلنا، أُنظر إلى أرضنا المتعطّشة للسّلام، فيما لا تزال دماء إخوتك وأخواتك تُسفك، ودموع الكثير من الأمهات اللواتي فقدن أبناءَهن في الحرب تختلط بدموع والدتك القدّيسة. أنت أيضًا، يا ربّ، بكيت على أورشليم لأنّها لم تَعرف طريق السّلام.

من الأرض المقدّسة تنطلق هذا المساء مسيرة الصّليب خلفك. سنسير فيما نصغي إلى آلامك، التي تنعكس في آلام الإخوة والأخوات الذين تألّموا وما زالوا يتألّمون بسبب غياب السّلام في العالم، وسنتأمّل في شهاداتهم وصدى أصواتهم التي وصلت أيضًا إلى أذن وقلب البابا خلال زياراته الرّسوليّة. إنّها أصداء سلام ظهرت مجدّدًا في هذه "الحرب العالميّة الثّالثة التي تُشنُّ على أجزاء"، وهي صرخات تأتي من بلدان ومناطق تُمزِّقها اليوم أعمال العنف والظّلم والفقر. كلّ الأماكن التي تعاني من النّزاعات والكراهية والاضطهاد، حاضرة اليوم في صلاة هذه الجمعة العظيمة.

أيّها الرّبّ يسوع، عند ميلادك، أعلن الملائكة من السّماء: "السَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاس فإِنَّهم أَهْلُ رِضاه!". والآن ترتفع إلى السّماء صلواتنا لكي تجذب "السّلام على الأرض، رغبة البشر العميقة في كلّ الأزمنة". نصلِّي ونطلب ذلك السّلام الذي أوكَلْتَه إلينا والذي لا يمكننا أن نحافظ عليه. يا يسوع، يا من تعانق العالم من على الصليب: اغفر أخطاءنا، واشف قلوبنا، وامنحنا سلامك.

المرحلة الأولى: يسوع يُحكم عليه بالموت 

(أصوات سلامٍ مِن الأرض المقدّسة)

فأَطلَقَ [بيلاطُس] لَهم بَرأَبَّا، أَمَّا يسوع فجَلَدَه، ثُمَّ أَسلَمَه لِيُصلَب.

بَرأَبَّا أم يسوع؟ عليهم أن يختاروا. وليس أي خيار: يتعلّق الأمر بأن نقرّر أين نريد ان نكون، وأي موقف نتخذ في أحداث الحياة المعقّدة؟ إنَّ السّلام الذي نرغب فيه جميعًا لا يولد من نفسه، بل ينتظر قرارنا. ولذلك، اليوم وكما في الماضي، نحن مدعوّون باستمرار لكي نختار بين بَرأَبَّا ويسوع: بين العصيان والوداعة، بين الأسلحة والشّهادة، بين السلطة البشريّة والقوّة الصّامتة للبذرة الصغيرة، بين سلطان العالم وسلطان الرّوح. في الأرض المقدّسة، يبدو أنّ خيارنا يقع دائمًا على بَرأَبَّا. يبدو أنّ العنف هو لغتنا الوحيدة. ومحرّك الانتقام المتبادل يتغذّى باستمرار من الألَم الذي نشعر به، والذي غالبًا ما يُصبح معيار الحكم الوحيد. إنَّ العدالة والمغفرة لا يستطيعان أن يتكلّما معًا. نعيش معًا، بدون أن نعترف ببعضنا البعض، ويرفض واحدنا وجود الآخر، ويدين الواحد الآخر، في حلقة مفرغة لا تنتهي وعنيفة. وفي هذا الإطار المشحون بالكراهية والحقد، نحن مدعوّون أيضًا لكي نعبّر عن حكمنا ونأخذ قرارنا. ولا يمكننا أن نقوم بذلك بدون أن ننظر إلى ذلك الذي حُكم عليه بالموت، في صمت، وقد خسر كلّ شيء، وهو الذي وقع عليه خيارنا، يسوع. إنَّ المسيح يدعونا لكي لا نستخدم مقياس بيلاطُس والجموع، وإنما لكي نعترف بألم الآخر، ونضع العدالة والمغفرة في حوار، ونرغب في خلاص الجميع، حتّى اللصّوص، وحتّى بَرأَبَّا.

لِنُصَلِّ قائلاين: أنِرنا، أيّها الرّبّ يسوع!

عندما نؤمن بأنّنا دائمًا على حق: أنِرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

عندما ندين الإخوة بدون استئناف: أنِرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

عندما نغلق عيوننا أمام الظّلم: أنِرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

عندما نخنق الخير من حولنا: أنِرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

المرحلة الثّانية: يسوع يَحمِل الصَّليب

(أصوات سلامٍ مِن مُهاجرٍ مِن أفريقيا الغربيّة)

هو الَّذي حَمَلَ خَطايانا في جَسَدِه على الخَشَبَة لِكَي نَموتَ عن خَطايانا فنَحْيا لِلبِرّ. وهو الَّذي بِجِراحِه شُفيتم.

بدأ دَربُ الصَلِيب خاصتي لستِّ سنوات خلَت، عندما تركت مدينتي. بعد ثلاثةَ عشرَ يومًا من السّفر وصلنا إلى الصّحراء وعبرناها في ثمانية أيّام، ورأينا خلالها سيّارات مُحترقة، وناقلات مياه فارغة وجثث أشخاص، إلى أن وصلنا إلى ليبيا. والذين كان لا يزال عليهم أن يدفعوا للمهرّبين تعريفة العبور، حُبِسُوا وعُذِّبُوا إلى أن دفعوا. بعضهم فقدوا حياتهم، وآخرون فدقوا عقولهم. وعدوني بأن يضعوني على متن سفينة مُتَّجهة إلى أوروبّا، لكن الرّحلات أُلغيَت ولم نسترجع نقودنا. كان هناك حرب في المنطقة، ولم نعد نتنبّه إلى العنف وإلى الرّصاص الطّائش. وجدت عملًا في الجبصين لكي أدفع ثمن عبورٍ آخر. في النّهاية، صعدتُ مع أكثر من مائة شخص على قاربٍ مطّاطيّ. وأبحرنا لساعات طويلة قبل أن تنقذنا سفينة إيطاليّة. امتلأت فرحًا، وركعنا لنشكر الله، ثمّ اكتشفنا أنّ السّفينة كانت عائدة إلى ليبيا. هناك، حُبِسنا في مركز اعتقال، أسوأ مكان في العالم. بعد عشرة أشهر، صعدتُ مجدّدًا على متن قارب. في الليلة الأولى كانت الأمواج عالية، وسقط أربعة اشخاصٍ منّا في البحر، واستطعنا أن ننقِذ اثنين. ونِمْتُ راجيَا أن أموت. ولمّا استيقظت، رأيت أشخاصًا حولي يبتسمون. طلب بعض الصّيّادين التّونسيّين المساعدة، ورَسَت السّفينة وقدّمت لنا المنظّمات غير الحكوميّة الطّعام واللباس والمأوى. عملت لكي أدفع ثمن عبور آخر. وكانت هذه المرّة السّادسة. بعد ثلاثة أيّام في البحر، وصلتُ إلى مالطا. بقيتُ في مركز لمدّة ستة أشهر، وهناك فقدتُ عقلي. كنت أسأل الله كلّ ليلة "لماذا": لماذا على أناس مثلنا أن يعتبرونا أعداءً لهم؟ أشخاصٌ كثيرون يهربون من الحرب، يحملون صليبًا يُشبه صليبي.

لِنُصَلِّ قائلين: حَرِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن إدانات القريب السَّهلة: حَرِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن الأحكام المتسرّعة: حَرِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن الانتقادات والكلام الفارغ: حَرِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن الثَّرثرة المدَمِّرة: حَرِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

المرحلة الثّالثة: يسوع يقع تحتَ الصَّليب للمرَّة الأولى

(أصوات سلامٍ مِن شبابٍ مِن أمريكا الوسطَى)

لقَد حَمَلَ هو آلامَنا واحتَمَلَ أَوجاعَنا، فحَسِبْناه مُصابًا مَضْروبًا مِنَ اللهِ ومُذَلَّلًا. طُعِنَ بِسَبَبِ مَعاصينا وسُحِقَ بِسَبَبِ آثامِنا.

نحن الشّباب نريد السّلام. لكنّنا نقع غالبًا، ولِوقعاتنا أسماء كثيرة: يطرحنا أرضًا الكسل، والخوف، والإحباط، وكذلك الوعود الفارغة بحياة سهلة وإنما قذرة، تقوم على الجشع والفساد. وهذا ما يزيد من دوّامات الإتجار بالمخدِّرات، والعنف، والإدمان، واستغلال الأشخاص، فيما لا تزال هناك عائلات كثيرة تبكي فقدان أبناءها، وإفلات الذين يغشون ويخطفون ويقتلون من العقاب لا نهاية له. كيف نحصل على السّلام؟ يا يسوع، يا من وقعت تحت الصّليب، ولكنّك نهضتَ، وحملت الصّليب مجدّدًا وبه أعطيتنا السّلام. أنت تحُثُّنا لكي نمسك حياتنا بيدنا، وتدفعنا إلى شجاعة الإلتزام، الذي يقال له في لغتنا compromiso. وهذا يعني أن نقول لا لمساومات كثيرة، وتسويات زّائفة تقتل السّلام. لقد شبِعنا من هذه المساومات: نحن لا نريد العنف، ولكنّنا نهاجم على شبكات التّواصل الاجتماعيّة الذين لا يفكّرون مثلنا. نريد مجتمعًا موحّدًا، ولكنّنا لا نبذل جهدًا لكي نفهم الذين هم بقربنا. والأسوأ من ذلك، نحن نهمل الذين يحتاجون إلينا. يا ربّ، ضَع في قلوبنا الرغبة في أن نُنهض الذي يقع على الأرض، كما تفعل أنت معنا.

لِنُصَلِّ قائلين: أنهِضنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن كَسَلِنا، أنهِضنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن سقطاتنا، أنهِضنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن أحزانِنا، أنهِضنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن فِكرة أنّ مساعدة الآخرين لا تتعلّق بنا: أنهِضنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

المرحلة الرابعة: يسوع يَلتقي أُمَّهُ

(أصوات سلامٍ مِن أُمٍّ مِن جنوب أمريكا)

وبارَكَهما سِمعان، ثُمَّ قالَ لِمَريَمَ أُمِّه: "ها إِنَّه جُعِلَ لِسقوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم في إِسرائيل، وآيَةً مُعَرَّضَةً لِلرَّفض. وأَنتِ سيَنفُذُ سَيفٌ في نَفْسِكِ، لِتَنكَشِفَ الأَفكارُ عَن قُلوبٍ كثيرة".

في سنة ٢٠١٢، أدّى انفجار قنبلة كان قد زرعها المتمرّدون إلى تحطيم ساقي. وتسبّبت الشّظايا بعشرات الجروح في جسدي. ما أتذكّره من تلك اللحظة، هو صُراخ النّاس والدّم الذي كان في كلّ مكان. لكن، أكثر ما أرعبني هو رؤية طفلتي البالغة من العمر سبعة أشهر، مغطّاة بالدّماء، مع قطع ّزجاج كثيرة عالقة في وجهها الصّغير. ما كان شعور مريم لدى رؤيتها لوجه يسوع مُنتفخًا ومُلطّخًا بالدّماء! أنا، ضحيّة لذلك العنف الذي لا معنى له، في البداية شعرتُ بالغضب والاستياء، لكنّني اكتشفت بعد ذلك أنني إذا نشرت الكراهية، سأَخلق المزيد من العنف. فهمت أنّ في داخلي ومن حولي كان هناك جروح أعمق من جروح الجسد. وفهمتُ أنّ ضحايا كثيرين كانوا بحاجة لأن يكتشفوا، مِثلِي ومن خلالِي، أنّ الأمر لم ينتهِ أيضًا بالنّسبة لهم، وأنّه لا يمكن العَيش مع الضّغينة. وهكذا بدأت في مساعدتهم: درست لكي أعلّم الوقاية من الحوادث التي تسبّبها ملايين الألغام المنتشرة في أرضنا. أشكر يسوع وأُمِّه لأنّني اكتشفت أنّ مسح دموع الآخرين ليس وقتًا ضائعًا، وإنما أفضل دواء لشفاء أنفسنا.

لِنُصَلِّ قائلين: أعطنا أن نَتعرّفَ عَليكَ، أيّها الرّبّ يَسُوع!

في وجه المتألّم المشوَّه: أعطنا أن نَتعرّفَ عَليكَ، أيّها الرّبّ يَسُوع!

في الصِّغار وفي الفُقراء: أعطنا أن نَتعرّفَ عَليكَ، أيّها الرّبّ يَسُوع!

في الذي يطلب بادرة محبّة: أعطنا أن نَتعرّفَ عَليكَ، أيّها الرّبّ يَسُوع!

في المُضطَهَدين مِن أجل العَدالة: أعطنا أن نَتعرّفَ عَليكَ، أيّها الرّبّ يَسُوع!

المرحلة الخامسة: سمعان القَيروانيّ يُعين يسوع على حَملِ الصَّليب

(أصوات سلامٍ مِن ثلاثة مهجّرين قادمين مِن أفريقيا وجنوب آسيا والشّرق الأوسط)

وبَينما هم ذاهبونَ بِه، أَمسكوا سِمعان، وهو رَجُلٌ قِيرينيٌّ كانَ آتِيًا مِنَ الرِّيف، فجَعَلوا علَيهِ الصَّليبَ لِيَحمِلَه خَلْفَ يَسوع.

[1] أنا إنسانٌ جرحته الكراهية. والكراهية، إذا اختبرتها، لا يمكنك أن تنساها، وتغيّرك. تتّخذ الكراهية أشكالًا مروّعة. تَحمِل الإنسان على أن يستخدم مُسدّسًا لا لكي يُطلق النّار على شخص آخر وحسب، وإنما لكي يكسر له عظامه أيضًا فيما ينظر إليه الآخرون. في داخلي فراغُ حبّ يجعلني أشعر بثقلٍ لا فائدة منه. هل سيكون هناك قيروانيٌّ لِي؟

[2] حياتي عبارة عن رحلة، هربت من القنابل والسّكاكين والجوع والألَم. دُفعتُ إلى شاحنة، وخبأوني في صندوق، وأُلقِيَ بِي في قوارب خطِرَة. مع ذلك، استمرّت رحلتي لكي أصِل إلى مكان آمن، يوفّر لِي الحرّيّة والفُرَص، حيث يمكنني أن أُحبَّ وأُحَب، وأعيش إيماني، وحيث يكون الرّجاء حقيقيًّا. . هل سيكون هناك قيروانيٌّ لِي؟

[3] غالبًا ما يُطرح عليَّ هذا السّؤال: مَن أنت؟ ولماذا أنت هنا؟ ما هي حالتك؟ هل تتوقّع أن تبقى هنا؟ إلى أين ستذهب؟ إنها أسئلة لا تريد أن تجرح مشاعري، ولكنها تجرحها. وتختصر ما أرغب في أن أكونه إلى مجرّد علامة في مربّعات استِمارة، وعليَّ أن أختار بين غريب، ضحيّة، طالب لجوء، لاجئ، مهاجر، وغيره. لكن، ما أريد أن أكتبه هو: إنسان، أخ، صديق، مؤمن، قريب... هل سيكون هناك قيروانيٌّ لِي؟

لِنُصَلِّ قائلين: اغفِر لنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

لقد احتقرناك في البائسين: اغفِر لنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

لقد تجاهلناك في المحتاجين إلى المساعدة: اغفِر لنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

لقد تخلّينا عنك في العُزَّل: اغفِر لنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

لم نخدمك في الأشخاص المتألّمين: اغفِر لنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

المرحلة السّادسة: فيرونيكا تمسح وجه يسوع بالمنديل

(أصوات سلامٍ مِن كاهنٍ راهب مِن شبه جزيرة البلقان)

"تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مُنذُ إِنشاءِ العالَم: لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريبًا فآويتُموني، وعُريانًا فَكسَوتُموني، ومَريضًا فعُدتُموني، وسَجينًا فجِئتُم إِلَيَّ ".

كنت كاهن رعيّة في الأربعين من عمري عندما وصلت الحرب: دخل عملاء مسلّحون إلى بيت الرّعيّة وأخذوني إلى معسكر قضيت فيه أربعة أشهر. كانت أربعة أشهرٍ فظيعة: تفتقر إلى الحدّ الأدنى من الظّروف الصّحيّة، وكنّا نعاني من الجّوع والعطش، دون أن نتمكّن من أن نغتسل ونحلق ذقوننا؛ كنّا نتعرّض لسوء معاملة جسدية وللضرب والتعذيب بأدوات مختلفة. كانوا يأخذوني إلى الخارج، حتّى خمس مرّات في اليوم، ولاسيما في الليل، وكانوا ينادونني كاهن الرّعية ويضربونني. كذلك، كسروا لِي ثلاثة أضلُع وهدّدوني بأن ينزعوا لِي أظافري، وأن يضعوا الملح على جراحي، وأن يَسلخوا جلدي وأنا حيّ. في إحدى المرّات، كان من الصّعب عليّ جدًّا أن أتحمّل العذاب، لدرجة أنّني توسّلت إلى الحارس أن يقتلني، وكنت مقتنعًا أنّهم كانوا سيفعلون ذلك في كلّ الأحوال. فأجابني الحارس: "لن تموت بهذه السّهولة، لأنّنا سنحصل على مائة وخمسين رجلٍ من رجالنا مقابل حياتك". لقد أيقظت فيَّ تلك الكلمات الرّجاء في البقاء على قيد الحياة. لكنّني، لم أكُن قادرًا على تحمّل كلّ ذلك الشّرّ وحدي، بدون الله: والصّلاة، التي كنت أكرّرها في قلبي، صنعت العجائب. ووصلت العناية الإلهيّة، على شكل مساعدات وطعام، بواسطة امرأة مُسلمة، اسمها فاطمة، استطاعت أن تَصِلَ إلَيَّ وقد شقّت طريقها في وسط الكراهية. لقد كانت بالنّسبة لِي مثل فيرونيكا بالنّسبة ليسوع. الآن، وحتّى نهاية أيّامي، سأشهد على أهوال الحرب وأصرخ: لا للحرب بعد اليوم!

لِنُصَلِّ قائلين: أعطِنا نظرتك، أيّها الرّبّ يَسُوع!

لكي نُحِبَّ من هو غير محبوب: أعطِنا نظرتك، أيّها الرّبّ يَسُوع!

لكي نُنقذ من ضلَّ الطّريق: أعطِنا نظرتك، أيّها الرّبّ يَسُوع!

لكي نعتني بمن يعاني من العنف: أعطِنا نظرتك، أيّها الرّبّ يَسُوع!

لكي نقبل من تابَ عن الشّرّ: أعطِنا نظرتك، أيّها الرّبّ يَسُوع!

المرحلة السّابعة: يسوع يقع تحتَ الصَّليب للمرَّة الثّانية

(أصوات سلامٍ مِن شابَين صغيرَين مِن شمال أفريقيا)

"يا رَبّ، متى رَأَيناكَ جائعًا فأَطعَمْناك أَو عَطشانَ فسَقيناك؟ ومتى رأَيناكَ غَريبًا فآويناك أَو عُريانًا فكَسَوناك؟ ومتى رَأَيناكَ مَريضًا أَو سَجينًا فجِئنا إِلَيكَ؟ فيُجيبُهُمُ المَلِك: الحقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذٰلك لِواحِدٍ مِن إِخوَتي هٰؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه".

[1] اسمي جوزيف، عمري ست عشرة سنة. وصلت إلى مخيم النّازحين مع والديّ في عام ٢٠١٥ وأعيش هناك منذ أكثر من ثماني سنوات. لو كان هناك سلام، لكنت بقيت في بيتي، حيث ولدت، واستمتعت بطفولتي. هنا الحياة ليست جميلة. وأنا خائف من المستقبل، لي وللشّباب الآخرين. لماذا نتألّم في مخيم النّازحين؟ بسبب الصّراعات المستمرّة في بلدي الذي ابتُلِيَ بالحرب منذ وُجِد. بدون سلام لن نتمكن من النّهوض. في كلّ مرّة يعِدوننا بالسّلام، لكنّنا نعود لنقع تحت وطأة الحرب، صليبنا. أشكر الله، الذي كأب يُنهضنا، وأشكر العديد من الأشخاص الاسخياء الذين ربما لن أتعرّف عليهم أبدًا والذين يساعدوننا ويسمحون لنا هكذا بالبقاء على قيد الحياة.

[2] أنا جونسون ومنذ عام ٢٠١٤ أعيش في مخيم آخر للنّازحين، قسم/ب، رقم/٢. عمري أربع عشرة سنة وأنا في الصّف الثّالث. هنا الحياة ليست جيّدة، وأطفال كثيرون لا يذهبون إلى المدرسة لأنّه لا يوجد مدرسون ومدارس للجميع. إنَّ المكان صغير جدًّا ومزدحم، ولا توجد حتّى فسحة لكي نلعب كرة القدم. نريد السّلام لكي نعودإلى وطننا. السّلام هو خير أما الحرب فهي شرّ. أريد أن أقول ذلك لقادة العالم. وأطلب من جميع أصدقائي أن يصلّوا من أجل السّلام.

لِنُصَلِّ قائلين: قوِّنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

في ساعة التّجربة: قوِّنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

في التّعب في بناء جسور الأخوّة: قوِّنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

في حمل صليبنا: قوِّنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

في الشّهادة للإنجيل: قوِّنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

المرحلة الثّامنة: يسوع يلتقي نساء أورشليم

(أصوات سلامٍ مِن جنوب شرق آسيا)

"وتَبِعَه جَمعٌ كثيرٌ مِنَ الشَّعب، ومِن نِساءٍ كُنَّ يَضرِبنَ الصُّدورَ ويَنُحنَ علَيه"

يا يسوع، أنت تحمل صليبك. وأعتقد أنّ بلدي أيضًا يحمل صليبه. نحن شعب يُحبّ السّلام، لكنَّ صليب الصّراع يسحقنا: يسحقنا العنف والتّنقّلات الدّاخليّة والهجمات على أماكن العِبادة... إنّه حِملٌ ثقيل، يا يسوع، نجرُّهُ على درب صليب يبدو أنّ لا نهاية له. دموع أمّهاتنا تَبكِي جُوع أطفالهنَّ. وأنا أيضًا، مثلهنّ، لا أملك كلماتٍ كثيرة لأصلّي بها، وإنما لديَّ دموع كثيرة أقدّمها. يا ربّ، إنَّ الموكب الذي قادك إلى الجلجلة كان مخيفًا، لكن بين الجموع التي غلب عليها الشّرّ، سارت أيضًا نساء كُنَّ يبكين. هنَّ اللواتي أَعْطَيْنَك القوّة، أمّهات لم يَرَينَ فيك رجلًا حُكم عليه بالموت، وإنما ابنٌ. هنا أيضًا خرجت من بين الجموع امرأة أصبحت أُمًّا بالرّوح لكثيرين، ولكي تدافع عن شعبها، ركعت أمام قوّة الأسلحة المنتشرة، مستعدّة لأن تضحّي بحياتها وطلبت بوداعة السّلام والمصالحة. يا يسوع، الآن كما في ذلك الوقت، في صَخَبِ الكَراهية الرَّهيب وُلِدَت رقصةُ السّلام. ونحن المسيحيّين نريد أن نكون أدوات سلام. اهدِنا إليك، يا يسوع، وامنحنا القوّة، لأنّك أنت وحدك قوّتنا.

لِنُصَلِّ قائلين: اهدِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

من المتاجرة بالأسلحة من دون تأنيب الضّمير: اهدِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

من تخصيص الأموال للتّسلُّح بدل تخصيصها للمواد الغذائيّة: اهدِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

من عبوديّة المال التي تسبّب الحروب والظّلم: اهدِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

لكي تتبدّل الرّماح إلى مناجل: اهدِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

المرحلة التّاسعة: يسوع يقع تحت الصّليب للمرّة الثّالثة

(أصوات سلامٍ مِن مُكَرَّسة مِن أفريقيا الوسطَى)

"الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض، إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإِذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَرًا كثيرًا. مَن أَحَبَّ حياتَه فقَدَها، ومَن رَغِبَ عنها في هذا العالَم حَفِظَها لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة".

في ٥ كانون الأوّل/ديسمبر ٢٠١٣، عند السّاعة الخامسة صباحًا، استيقظت على أصوات الأسلحة. كان الثوار يجتاحون العاصمة. وكثيرون كانوا يركضون ويحاولون أن يختبئوا، ولكن كان يكفي أن تصيبك رصاصةً طائشة لكي تموت. كانت بداية آلام لا توصف: قتل، وفُقدان أفراد من العائلة، أصدقاء وزملاء. اختفت أُختي ولَم تَعُدْ، الأمر الذي سبَّبَ لوالدي صدمة كبيرة، والذي تركنا بعد بضع سنوات بعد مرض قصير. كنتُ أبكي باستمرار. وفي وادي الدّموع والتّساؤلات هذا فكّرت في يسوع. هو أيضًا وَقَعَ تحت وطأة العُنف، لدرجة أنّه قال على الصّليب: "إِلهي، إِلهي، لِماذا تَرَكْتَني؟". ضَمَمْتُ أسئلتي إلى أسئلته، فجاءني هذا الجواب في داخلي: أحِبّي كما يُحِبُّك يسوع. كان ذلك مثل نور في وسط الظّلام. وفَهمتُ أنّه كان عليّ أن أستَقي القوّة من المحبّة. منذ ذلك الحين، في كلّ مرّة كانت تهدأ الأحوال، كنت أذهب إلى القدّاس. ولكي أصِل إلى الرّعيّة، كان عليّ أن أسير كثيرًا وأن أعبر ما لا يقلّ عن ثلاثة حواجز للثوار. ولكن، بعد مشاركتي في قداديس كثيرة، نَمَى في داخلي يقينٌ أنّه على الرّغم من أنّني فقدتُ كلّ شيء عمليًّا، بما في ذلك بيتي الذي نشأت فيه، إلّا أنّ كلّ شيء يزول، مَا عَدَا الله. هذا الأمر أراحَني، وبدأنا مع بعض الأصدقاء نجمع الأطفال، الذين كانوا يلعبون ويمثّلون دور الجنود، لنحاول أن ننقل إليهم، هُم المستقبل، القِيَم الإنجيليّة للمساعدة المُتبادلة، والمَغفرة، والصِّدِق، لكي يُصبح حُلُمَ السّلام حقيقة.

لِنُصَلِّ قائلين: اشفِنَا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

من خوف ألّا نكون محبوبين: اشفِنَا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

من خوف ألّا نكون مفهومين: اشفِنَا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

من خوف أن نكون مَنسيّين: اشفِنَا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

من الخوف من الفشل: اشفِنَا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

المرحلة العاشرة: يسوع يُعَرَّى مِن ثيابه

(أصوات سلامٍ مِن شابين مِن أوكرانيا ومِن روسيا)

"صَلَبه [الجنودُ] وَاقتَسَموا ثِيابَه، مُقتَرِعينَ علَيها لِيَعرِفوا ما يأخُذُ كُلٌّ مِنهم. فتَمَّتِ الآية: اقتَسَموا ثِيابي، وعلى لِباسي اقتَرعوا".

[1] في السّنة الماضية، أخذني أبي وأمِّي مع أخي الأصغر إلى إيطاليا، حيث كانت جدّتنا تعمل هناك منذ أكثر من عشرين سنة. انطلقنا من ماريوبول في الليل. على الحدود، أوقف الجنود والدي وقالوا له إنّه عليه أن يبقى في أوكرانيا للقتال، أما نحن فواصلنا رحلتنا في الحافلة لمدة يومين آخرين. لمّا وصلنا إلى إيطاليا كُنتُ حزينًا. وشعرتُ بأنّني قد جُرِّدتُ من كلّ شيء، وعارٍ تمامًا. لم أكن أعرف اللغة ولم يكن عندي أيّ صديق. حاولت جدّتي جاهدةً أن تجعلني أشعر بأنّني محظوظ، لكنني كنت أقول فقط إنّني أريد أن أعود إلى البيت. في النّهاية، قرّرت عائلتي أن تعود إلى أوكرانيا. هنا، لا يزال الوضع صعبًا، هناك حرب من جميع الجهات، والمدينة مُدمَّرَة. لكن بَقِيَ في قلبي ذلك اليقين الذي كانت تُكلّمني عنه جدَّتي عندما كنت أبكي: "سترى، كلّ شيء سينتهي، وبعون الله، سيعود السّلام".

[2] أنا شابٌّ من روسيا... وعندما أقول ذلك، أشعر بالذنب، ولكن في الوقتِ عينه لا أفهم لماذا، فأشعر بالضّيق مرّتين. جُرِّدتُ من السّعادة ومن أحلام المستقبل. منذ سنتَين وأنا أرى جدَّتي وأُمِّي تَبكيان. جاءتنا رسالة تقول لنا إنّ أخي الأكبر قد مات، وما زلت أتذكّره في يوم عيد ميلاده الثّامن عشر، مُبتسمًا ومُشرقًا مثل الشَّمس، وكلّ ذلك حصل قبل أسابيع قليلة فقط من انطلاقه في رحلة طويلة. كان الجميع يقولون لنا إنه علينا أن نكون فخورين، لكن في البيت لم يكن هناك سوى الكثير من الألَم والحزن. الأمر نفسه حصلَ أيضًا مع أبي وجَدِّي، ذَهَبَا هُمَا أيضًا ولا نعرف عنهما شيئًا. أحد زُملائي في المدرسة، هَمَسَ في أُذُنِي بخوفٍ شديد وقال لِي إنّ هناك حربًا. ولمّا رجعت إلى البيت، كتبتُ صلاة: يا يسوع، من فضلك، أحِلَّ السّلام في العالم كلّه، واجعلنا نكون جميعنا إخوة.

لِنُصَلِّ قائلين: نقِّنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن الضّغينة ومِن الحِقد: نقِّنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن الكلمات ومِن ردّاتِ الفعل العنيفة: نقِّنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن المواقف التي تَخلِقُ انقسامات: نقِّنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن السعي لكي نَظهَر بمظهر جيد بإهانتنا للآخرين: نقِّنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

المرحلة الحادية عشرة: يسوع يُسَمَّر على الصَّليب

(أصوات سلامٍ مِن شابٍّ مِن الشَّرق الأدنى)

"وصَلَبوا معه لِصَّين، أَحَدُهُما عن يَمينِهِ والآخَرُ عن شِمَالِه. وكانَ المارَّةُ يَشتُمونَه وهُم يَهُزُّونَ رُؤوسَهُم ويَقولون: "يا أَيُّها الَّذي يَنقُضُ الهَيكَل ويَبْنيهِ في ثَلاثَةِ أَيَّام، خَلِّصْ نَفْسَكَ فَانزِلْ عَنِ الصَّليب".

في سنة ٢٠١٢، اقتحمت مجموعات من المتطرّفين المُسلَّحين حيّنا، وقَتلَت بالرّشّاشات الذين كانوا على الشُّرفات وفي المباني السّكنيّة. كان عمري تسع سنوات. أتذكّر حزن أُمّي وأبي، وعند المساء كنّا نتعانَق ونصلّي، متيقِّنين لحقيقة قاسية وجديدة أمامنا. كانت الحرب تزدادُ فظاعةً يومًا بعد يومًا. لفترات طويلة لم يكن هناك كهرباء وماء، وكان الجميع يحَفرون الآبار في كلّ مكان. وكان الطّعام مُشكلة يوميّة. في سنة ٢٠١٤، بينما كنَّا على الشُّرفة، انفجرت قنبلة أمام البيت، فَرَمَت بِنَا إلى داخل البيت وغطَّتنا بالزُّجاج والشَّظايا. بعد بضعة أشهرٍ، أصابت قنبلة أخرى غُرفة والدَيّ، اللذين نجَيَا بأعجوبة وقرَّرا على مَضَض أن يترُكَا البلد. بدأت جُلجُلة أخرى، لأنّه بعد محاولتَين للحصول على تأشيرة سفر، لم يبقَ أمامنا سوى أن نُبحِر. خاطرنا بحياتنا، وبقينا على صخرة ننتظر الفجر وسفينة خفر السّواحل. بعد أن تمَّ إنقاذنا، استقبلنا السُّكّان المحلّيّون بأذرع مفتوحة، وتفهّموا الصّعوبات التي واجهناها. لقد كانت الحرب صليب حياتنا. إن الحرب تقتل الرّجاء. في بلدنا، بعد الكوارث الطّبيعيّة الرّهيبة، أصبح الكثير من العائلات والأطفال والمسنين بدون رجاء. باسم يسوع، الذي فتح ذراعيه على الصّليب، مُدُّوا يدكم إلى شعبي!

لِنُصَلِّ قائلين: اشْفِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن عدم قدرتنا على الحِوار: اشْفِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن غياب الثِّقَة ومِن الشَّكّ: اشْفِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن قِلَّةِ الصَّبر ومِن التّسَرُّع: اشْفِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

مِن الانغلاق ومِن العُزلة: اشْفِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

المرحلة الثّانية عشرة: يسوع يموت على الصّليب ويَغفر لِصَالِبِيه

(أصوات سلامٍ مِن أُمٍّ مِن آسيا الغربيَّة)

"فقالَ يسوع: "يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون". وكانَتِ السَّاعَةُ نَحوَ الظُّهر، فخَيَّمَ الظَّلامُ على الأَرضِ كُلِّها حتَّى الثَّالِثَة، لأَنَّ الشَّمسَ قدِ احتَجَبَت. وانشَقَّ حِجابُ المَقدِسِ مِنَ الوَسَط. فصاحَ يسوعُ بِأَعلى صَوتِه قال: "يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي!" قالَ هذا ولَفَظَ الرُّوح".

في ٦آب/أغسطس ٢٠١٤، استيقظت المدينة على أصوات القنابل. كان الإرهابيون على أبواب المدينة. وقبل ثلاثة أسابيع كانوا قد غَزَوا المُدن والقُرى المُجاورة، وعاملوها بقسوة شديدة. لذلك هربنا، لكن بعد أيّام قليلة رجعنا إلى البيت. في صباح أحد الأيّام، بينما كنّا مُنشغلين وكان الأطفال يلعبون أمام البيت، سمعتُ صدى قذيفة هاون في الهواء. فخرجتُ مُسرعة. لم أعد أسمع أصوات الأطفال، فيما ازدادت شدّة صرخات الكبار. أُصيب ابني وابن عمّه وجارتنا الشّابّة التي كانت تستعدّ للزّواج: وماتوا. فدفعنا مَقْتَلُ هؤلاء الملائكة الثّلاثة إلى الهَرَب: لولاهم، كنّا سنَقَع حتمًا بين أيدي الإرهابيّين، لو بقينا في المدينة. ليس سهلًا أن نقبل هذا الواقع. ولكنَّ الإيمان يساعدني على الرّجاء، لأنّه يذكّرني أنّ الموتى هم بين ذراعي يسوع. ونحن النّاجين، نحاول أن نغفر للمُعتدي، لأنّ يسوع غَفَرَ لجلّاديه. بموتنا نؤمن بك، يا ربَّ الحياة. نريد أن نتبعك ونشهد أنّ محبّتك هي أقوى من كلّ شيء.

لِنُصَلِّ قائلين: علِّمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

أن نُحِبَّ، كما أحبَبْتَنَا: علِّمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

أن نَغفِرَ، كما غَفَرتَ لنا: علِّمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

أن نقوم بالخطوة الأولى لكي نتصالَح: علِّمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

أن نَصنَعَ الخير دون مقابل: علِّمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع!

المرحلة الثّالثة عشرة: يسوع يُنزَل عَن الصَّليب

(أصوات سلامٍ مِن راهِبَةٍ مِن أفريقيا الشَّرقيَّة)

"فمَن يَفصِلُنا عن مَحبَّةِ المسيح؟ أَشِدَّةٌ أَم ضِيقٌ أَمِ اضْطِهادٌ أَم جُوعٌ أَم عُرْيٌ أَم خَطَرٌ أَم سَيْف؟... ولكِنَّنا في ذلِكَ كُلِّه فُزْنا فَوزًا مُبينًا، بِالَّذي أَحَبَّنا".

كان ٧ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٢، اليوم الذي نتذكّر فيه في بلدنا الاتفاقيّة التي تمّ بموجبها أخيرًا الاعتراف لشعبنا بالحقّ في الاستقلال الكامل، عندما حدث فجأة أمرٌ حطّم الفرح: قُتِلَت إحدى راهباتنا التي كانت مُرسلة في بلدنا منذ زمن. دخل الإرهابيّون البيت وقتلوها بلا رحمة. فتحوّل يوم النّصر إلى يوم هزيمة: وغَمرَ الخوف والشكُّ قلوبنا. خبرة مئات العائلات التي رأت موت أحبّائها المأساويّ صارت حقيقة: لقد رَقَدَ جسدُ أختنا هامدًا بين أذرعنا. ليس سهلًا أن نرى الموت العنيف لأحد أفراد العائلة، أو لصديق، أو لجار، كما أنّه ليس من السهل أن نرى بيتنا وممتلكاتنا الخاصّة تتحوّل إلى رماد، فيما يُظلم المستقبل. لكن، هذه هي حياة شعبي، وهذه هي حياتي. وبالتالي، بحسب الشهادة التي بلغتنا، وكما تعلّمنا في مدرسة عذراء النّاصرة، التي قبلت بين ذراعيها جسد يسوع الهامد، وتأمَّلت فِيهِ بمحبّة يُنيرها الإيمان، لا يجب أن نتوقّف أبدًا عن البحث عن الشَّجاعة لكي نحلم بمستقبل رجاء وسلام ومصالحة. لأنّ محبّة المسيح القائم من بين الأموات قد أفيضت في قلوبنا، ولأنّه هو سلامنا، وهو نصرنا الحقيقيّ. ولا شيء سيفصلنا أبدًا عن محبّته…


هذا النصّ نُشر على موقع فاتيكان نيوز، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

فيديو - كاروزوثا: "بالطَلَبةِ والتضرُّع ملاكَ السلامِ والمَراحِم، نطلُب" بصوت غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو

Next
Next

غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يحتفل برتبة السجدة للصّليب ودفن المصلوب يوم الجمعة العظيمة في كنيسة مار بهنام وسارة، الفنار – المتن، جبل لبنان