غبطة البطريرك يوسف العبسيّ: في القاموس المسيحيّ لا تناقض بين القوّة والمحبّة

ترأّس غبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسيّ، اللّيتورجيا الإلهيّة لمناسبة رسامة المطران الجديد جورج خوام راعيا لابرشية اللاذقية وطرطوس في كنيسة القديس بولس في حريصا، يعاونه المطرانان كيرلس بسترس وجاورجيوس حداد ولفيف من الكهنة والإكليروس.

حضر الرسامة الوزيرة نجلا الرياشي ممثلة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، النائب ميشال موسى ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري، الوزير جورج كلاس ممثلا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قنصلة سوريا كارين سمرجيان ممثلة السفير السوري علي عبدالكريم، اللواء الركن الياس الشامية ممثلا قائد الجيش العماد جوزاف عون، العقيد فادي صليبا ممثلا المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، العقيد ايلي الديك ممثلا المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، العقيد ميشال حداد ممثلا المدير العام لامن الدولة اللواء طوني صليبا، اضافة الى عدد من المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات للرهبانيات وشخصيات رسمية وأمنية وديبلوماسية وعدد من المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس، ألقى العبسي عظة قال فيها: "اختار المطران جورج رسالة بولس الرسول الثانية إلى تلميذه وابنه الحبيب تيموثاوس، نهجا له، والتي تليت على مسامعنا منذ قليل، يذكر بولس تيموثاوس بالموهبة التي نالها، يذكره بسر الكهنوت الذي ناله بوضع يده. وختم إيمانية في الكنيسة".

أضاف: "في الواقع بين رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس ورسالته الثانية إليه كانت الجماعة المسيحية قد أخذت تبرد، تنحدر، تتراجع من حيث الإيمان والحياة المسيحية. في هذا الواقع الأليم الذي يشبه واقعنا اليوم في مناطق كثيرة من العالم حيث يفتر الإيمان ويتراجع بل ينمحي، بل يضطهد المؤمنون، يضحي العمل الرسولي، عمل كل واحد منا، عملا فيه مشقة ووجع وحزن ويأس، ونضحي نحن معرضين لتجربة الخجل والحياء من الشهادة للرب يسوع، إن لم نكن لتجربة النقوص والتخلي. في أيام الرسالة الأولى كانت صعوبات بلا شك إنما لم تصل الحال إلى ما وصلت إليه من ترد وتراجع في زمن الرسالة الثانية وفي زمننا الحاضر المشابه في ذلك الزمن الجميل كانت خدمة تيموثاوس أسهل، فيها فرح وحماسة ورجاء، بالرغم مما كان فيها أيضا من صعوبات مما لا تخلو منه الحياة، بل كانت هذه الصعوبات حافزا لتيموثاوس على أن يكون شجاعا ومثابرا لا يخجل بإنجيل الرب يسوع على مثال معلمه بولس".

وتابع: "عندما يتخلى الآخرون عنا، عندما يتخلى المسيحيون أنفسهم عنا، عندما تجاور آنية الخشب والخزف آنية الذهب والفضة، عندما يتغلغل الشرير إلى قلب الشهادة، عندما يبرد الحب، إذاك يتسرب الخوف إلينا وتضحي شهادتنا تحت الاختبار في تنازع بين الوفاء والنقوص. في مثل هذه الحال لا يعود الوفاء والحفاظ على الثبات والمثابرة في العمل أمرا هينا. في مثل هذه الحال ينبغي أن نجاهد وأن نحتمل المشاق وأن نأخذ نصيبنا من الآلام. في مثل هذه الحال ليس لنا إلا الله صديقا وملجأ، ليس لنا إلا روح الله، لنقدر على المثابرة في العمل باسمه ونتمكن من الحصول على سند نعمته في كل وقت".

وتوجه الى المطران الجديد قائلا: "ما نلته الآن يا سيدنا جورج هو إذن روح قوة. وهذا الروح هو الروح القدس عينه. لم تنل قوة من الروح القدس بل نلت الروح القدس القوي. أنت الآن قوي لأن الروح القدس القوي ساكن فيك. في حياتنا كرعاة قد نقع في تجربة الخلط بين القوة والسلطة، بين القوة والاستقواء، بين القوة والاستخفاف. خرافنا في حاجة إلى قوتنا، تلك التي بالروح القدس الساكن فينا. إنهم في حاجة إلى أن يروا الروح القدس القوي ساكنا فينا. إذاك لا يشعرون بالخوف أبدا. أما إذا لم يروا هذا الروح القدس القوي ساكنا فينا فلسنا في نظرهم سوى أناس متسلطين مستقوين مستخفين، أقوياء بكل شيء إلا بالمسيح، يعني ضعفاء، فيعرضون عنا".

أضاف: "ما نلته يا سيدنا جورج هو أيضا روح المحبة. الروح القدس المحب. في القاموس المسيحي ليس من تناقض بين القوة والمحبة. القوة محبة والمحبة قوة. الضعيف لا يستطيع أن يحب. الضعيف يداري، يلاطف، يتودد. القوي هو القدير على المحبة. والمحبة هي أن يعرف الراعي الصالح خرافه وأن تعرفه خرافه. المحبة هي القوة على معرفة الخراف الموكلة إلينا. أن نعرفها بأسمائها، برائحتها، بلونها، بشكلها، بمشيتها، بصوتها. أن نعرف متى تكون مريضة متعبة حزينة ومتى تكون متعافية مرتاحة فرحانة، وأن نشعر معها".

وتابع: "ايها الأخ جورج اليوم يدعوك الروح القدس الذي نلته إلى أن تحب رعيتك الموكلة إليك. أن تحب أناسا لم ترهم قط، لم تسمعهم أو تسمع بهم، لا تعرف بماذا يفكرون أو كيف يفكرون، كيف ينظرون إليك، كيف يشعرون. هذه المحبة ليست سهلة لكنها هي المحبة القوية. هنا أيضا يتبادر إلى ذهننا قول بولس: "إني أستطيع كل شيء بالذي يقويني". إذا كان الروح القدس القوي المحب ساكنا فينا، وإذا كنا عائشين مع الرب يسوع فإنا نستطيع أن نحبهم. وأن تحبهم إذاك، يا سيدنا جورج، بغض النظر عما هم عليه وبغض النظر عما يبادلونك، في كل الأمور، أحبوك أم لم يحبوك، سمعوا لك أم لم يسمعوا، ناصروك أم لم يناصروك، امتدحوك أم انتقدوك. فلنكن الراعي القوي المحب. إعرف خرافك".

وأردف: "ما نلته اليوم أيها الأخ جورج هو أيضا امتلاك النفس، نلت الروح الذي يهدي ويقود ويرشد في الأوقات العسيرة الحرجة، في المشاق والآلام، في التجارب والمحن، في الانتكاسات والضربات، وكذلك في ساعة القرار والخيار. أن نمتلك أنفسنا عن كل ما يبعدنا عن الرب يسوع وعن كل ما يبعد المؤمنين عنه أيضا. أن نسيطر على الأهواء والشهوات والمماحكات وأن نصبر على كل شيء لأجل المختارين لكي يحصلوا هم أيضا على الخلاص الذي في المسيح يسوع مع المجد الأبدي، على ما يقول بولس لتيموثاوس. أن نمتلك أنفسنا، حرصا على الوديعة وعلى الشهادة وإرضاء للذي جندنا أنفسنا له. أن لا ندع شيئا أو أحدا يعطل علينا الحياة مع المسيح فتضيع الأمانة، لأننا عارفون بمن آمنا وبأنه أمين "لا يقدر أن ينكر ذاته". الراعي الصالح يمتلك نفسه لكي لا تبقى نعجة خارج الحظيرة. قد يعتبر البعض امتلاك النفس فزعا وضعفا لكنه في نظرنا قوة ومحبة معا. إنه حصيلة القوة والمحبة مجتمعتين" …

هذا الخبر نُشر على موقع الوكالة الوطنيّة للإعلام في لبنان، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في القدّاس الإلهيّ بالكاتدرائيّة المرقسيّة بالأسكندريّة لمناسبة رسامة ١٥ من كهنة الأسكندريّة قمامصة

Next
Next

الإجتماع السنويّ لمؤتمر أساقفة الكنيسة اللّاتينيّة في البلدان العربيّة