عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في أحد تقديس البيعة وتجديدها

في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في أحد تقديس البيعة وتجديدها، يوم الأحد 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، في الصرح البطريركيّ بكركي، لبنان.


"أنت المسيح إبن اللّه الحيّ" (متّى 16: 16).

1. عندما سأل يسوع تلاميذه: "وأنتم، من تقولون أنّي أنا، إبن الإنسان" (الآية 15)، أجاب سمعان-بطرس وقال: "أنت المسيح إبن اللّه الحيّ"! فامتدحه يسوع على إيمانه الّذي قبله هبة من اللّه، حفظها في قلبه وتفاعل معها وعاشها. إنّ الإيمان والرجاء والمحبّة هبة مثلّثة، مترابطة ومتكاملة. وهي هبة مجّانيّة يطلب اللّه منّا أن نقبلها ونعيشها. "فمن يؤمن يترجّى، ومن يترجّى يحبّ" على ما يقول القدّيس أغسطينوس. بفضل إيمان سمعان بن يونا الراجي والمحبّ اكتشف الجواب الصواب المختلف عن كلّ أجوبة الناس. فسمّاه يسوع "صخرة" أي Petros باليونانيّة، و"كيفا" بالآراميّة، يبني عليها كنيسته. هذه الكنيسة تنمو وتصمد على صخرة إيمان أبنائها وبناتها.

2. يسعدنا أن نحتفل معًا بأحد تقديس البيعة وتجديدها، وببدء السنة الطقسيّة. فيها تدور الكنيسة حول محورها سرّ يسوع المسيح في سنة كاملة مقسّمة إلى أزمنة، فتستنير بنوره، وتتقدّس بنعمه وتعتذي على مائدتيه: مائدة كلامه الحيّ، ومائدة جسده ودمه.

3. إنّ كنيسة المسيح المبنيّة على أساس الإيمان، هي بمثابة الصخرة التي تُبنى عليها بيوتنا، لكي تصمد بوجه الأمطار والعواصف والفياضانات. إيمان سمعان بن يونا هو هذه الصخرة الروحيّة التي عليها بنى الربّ يسوع كنيسته. وإنّها لتثبت الى الابد بقوّة إيمان أبنائها وبناتها، الذي ينقله إليهم بالكرازة والتعليم أساقفتها وكهنتها، وعلى رأسهم قداسة الحبر الأعظم خليفة القدّيس بطرس على كرسي روما، والبطاركة رؤساء الكنائس التي أسّسها الرسل في عهدهم، وهي أورشليم والإسكندريّة وأنطاكية والقسطنطينيّة.

5. إعلان سمعان-بطرس الإيماني: "أنت المسيح إبن اللّه الحيّ"( متى 16: 16)، يتضمّن كلّ المفاهيم الكتابيّة في العهد القديم، مع البعد اللاهوتيّ.

"أنت المسيح" أي الذي اختاره الله، ومسحه بروحه القدّوس وأرسله:

نبيًّا بامتياز، لأنّه يعلّم كلمة الله، وهو الكلمة إيّاها.

وكاهنًا بامتياز، لأنّه هو الذبيحة ومقرّبها.

وملكًا بامتياز، لأنّه هو الملك والملكوت الذي يُدخل إليه كلّ المؤمنين الملتزمين بتعليمه، والمنفتحين على نعمته.

وأنت "إبن الله" هذا الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الذي تجسّد من مريم العذراء بقوّة الروح القدس وصار إنسانًا، ومات على الصليب لفداء خطايا البشر، وقام من الموت ليبثّ الحياة الجديدة في حياة البشر.

أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،

6. عدت بالأمس إلى لبنان بعد أن شاركت في "ملتقى البحرين للحوار" الذي عقد برعاية جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، بدعوة رسميّة من رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة. وكان الموضوع: "الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني". وطلب إليّ الكلام عن الموضوع بالتركيز على اختبارات الحوار في لبنان.

وكانت مناسبة للقاءِ جلالةِ الملك وقداسة البابا فرنسيس الذي لبّى دعوة جلالة الملك لإختتام أعمال المؤتمر، وعقد لقاء مع العلماء المسلمين، وقد ترأس من بعدها صلاة مسكونيّة في كاتدرائيّة "سيّدة العرب". واحتفل صباح أمس بقدّاس إحتفالي في مدرّج المدينة، واليوم يتابع نشاطه بلقاء الشبيبة والإكليروس، إنّا نرافقه بصلاتنا كي يحقّق الله أمنياته ويعطيه الصحة الكاملة لمواصلة رسالته.

عندما إلتقيت جلالة الملك أبدى تضامنَه مع لبنان، وأسِفَ للأوضاعِ التي تسوده حاليًّا ولعدمِ انتخابِ رئيسٍ للجُمهوريّة. وقال: "لن اترك لبنان".وسمعت بتأثر كبير من العديدين من اهل البحرين: "نحن تعلمنا من لبنان كل شيئ، تعلمنا الفن، الموسيقى، العلم والحياة الجميلة، نحن ندمع لوضع لبنان اليوم." وعندما كنا في اللقاء مع العلماء المسلمين ، قال لي احدهم: "كل الذي تراه هنا كان ينبغي ان يكون في لبنان، لان لبنان هو بلد حوار جمبع الاديان والحضارات."

وأعربت لجلالتِه عن تقديري على توفير حريّة العبادة وممارسة الشعائرِ الدينيّة، وبخاصّةٍ للمسيحيّين في كنائِسهم، حيث يعيش المسيحيّون جنبًا إلى جَنبِ إخوانِهم أبناءِ البحرين، ويتعاونون في بناءِ تلك المملكة وازدهارِها. وشكرته على العقار الذي بُنيَت عليه كنيسةُ "سيدةِ العرب"، وهي أكبرُ كاتدرائيّةٍ كاثوليكيّةٍ في بلدان الخليج وأجملها، وقد افتُتحت في نهاية عام 2021…

هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

وسام "المجد والكرامة" لقداسة البابا تواضروس الثاني من الكنيسة الروسيّة الأرثوذكسيّة

Next
Next

غبطة البطريرك يوحنّا العاشر يعزّي سيادة متروبوليت بافوس، قائمقام رئاسة أساقفة قبرص، بوفاة غبطة رئيس أساقفة قبرص خريسوستوموس الثاني