الجمعية العامة لسينودس الشباب، روما 3-28 تشرين الأول 2018 على الكنيسة ان تقرأ الواقع بنظرة جديدة
المصدر: موقع بطريركية بابل للكلدان
البطريرك الكردينال لويس روفائيل ساكو
بدأت في الثالث من شهر تشرين الأول 2018 وستستمر حتى الثامن والعشرين منه، في حاضرة الفاتيكان، الجمعيّة العامة العادية الخامسة عشرة لسينودس الأساقفة حول موضوع: “الشباب، الإيمان وتمييز الدعوات”.
انها المرة الأولى، يعقد سينودس حول الشباب وهذا يمثل بحدّ ذاته تحولا متميزا في توجه الكنيسة الكاثوليكية نحو الاعتراف بأهمية دور الشباب وإيجاد راعوية متجددة لهم.
هنا اود ان اؤكد على نقطة مهمة جداً وهي جماعية الكنيسة والشركة حول خليفة بطرس. الكل يشترك في حياة الكنيسة اكليروسا وعلمانيون ومن كلا الجنسين، حتى لا يشعر احد انه مغيّب.
الكنيسة تشعر أن عليها ان تلعب دوراً استباقياً في التعامل مع التغيرات الجدية التي حدثت وتحدث في العديد من قطاعات المجتمع، حيث يتحرك كل شيء. تحديات الثقافة المتسارعة، العولمة والعلمنة، الهجرة، المشاكل المعنوية والأخلاقية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومشاكل الدراسة والبطالة، والوحدانية والعزلة واللاستقرار، ومفهوم الجسد والجنس والأسرى. كيف يمكن أن تقوم الكنيسة بمقاربة معاصرة لمثل هذه المسائل الضاغطة؟ من واجب الكنيسة، حاملة رسالة المسيح، أن تعزز وجودها فالشباب هم عمدة المستقبل وعلى الكنيسة أن تعطيهم الاهتمام الذي يستحقونه، لأن لديهم مواهب إبداعية يمكن استثمارها للخير العام وان تشجعهم وتدربهم على الانخراط في حياة الكنيسة وفي المجال الاجتماعي والسياسي لبناء السلام والعدالة. هذا السينودس يبحث عن “نهج جديد” لتحقيق هذه المهمة الضرورية.
المشاركون: يشترك في السينودس 267 بطريركاً وكردينالاً واسقفاً كاثوليكياً من العالم أجمع ومن بينهم، اثنان من الصين، و10 من الرؤساء العامين للجمعيات الرهبانية الرجالية والنسائية، هذا فضلاً عن رؤساء الدوائر الرومانية و41 خبيراً عيّنهم البابا فرنسيس، ومراقبون من الكنائس غير الكاثوليكية و30 شاباً وشابة ومن بينهم واحد من بغداد . ولأهمية السينودس يحضر البابا كل الجلسات العامة صباحاً ومساءً.
اللقاءات موزعة على جلسات عامة حيث فيها يتاح لكل اسقف أن يتكلم بصراحة وشجاعة عن رؤيته لواقع الشباب في بلده: التحديات والمخاوف والجروح والآمال والمسؤوليات والاسئلة التي يطرحها شباب بلاده او الشباب عامة. ثم يتوزع المشاركون على حلقات صغيرة بحسب اللغة: فرنسية، إيطالية، المانية، انكليزية، برتغالية، اسبانية لمناقشة كل قسم من اقسام أداة العمل على ضوء الأفكار والآراء التي طرحت من قبل المشاركين في الجلسات العامة للتباحث فيها من أجل تطوير العمل الخدمي والرعوي تجاه الشباب واقتراح تعديلات على النصوص، والتي ستشكل فيما بعد الوثيقة النهائية.
أشعر كما يشعر العديد من المشاركين أن على الكنيسة ان تخرج من الادبيات السابقة وتنزل الى الساحة وتصغي الى الشباب وتقرأ الواقع قراءة جديدة. هذا ما أكده البابا فرنسيس في مناسبات عدة وفي كلمة الافتتاح: إن السينودس هو وقت للمشاركة، يجب التحدّث بشجاعةٍ وصراحة، والإصغاء بتواضع، السينودس يشكّل “تمريناً في الحوار”، خاصة لأولئك الذين يشاركون فيه بشكل مباشر.
وشدد الحبر الأعظم أن السينودس هو “تمرين كنسي في الفطنة”، و”سلوك داخلي متجذر في عمل إيماني”… “الإيمان يخبرنا بأن هذه الأوقات هي أيضًا كايروس (وقت الله)، حيث يأتي الرب لملاقاتنا، ولكي يدعونا لعيش ملء الحياة”. “قد يوقظ السينودس قلوبنا”، ليكون “مثمرًا بشكل كبير لإشاعة الرجاء”.وأضاف: لكي تبقى الكنيسة “تصغي وتسير”، فيجب علينا “التخلي” عن “التحيّز والقوالب النمطية”، محذراً على وجه الخصوص من “آفة الإكليروسية” و”فيروس الاكتفاء الذاتي”. “دعونا في السينودس نمضي وقتاً مع المستقبل”، لكي لا يُخرج مجرد وثيقة لا يقرأها إلا عدد قليل، وينتقدها كثيرون، لكن يجب، وفوق كل شيء، أن نخرج بمقترحات رعوية تعمل على تحقيق الغرض الذي أقيم من أجله هذا السينودس.
بصراحة أشعر شخصياً اننا اسرى أنماط قديمة من الأفكار والاُطر ينبغي أن نتحرر منها لايجاد طريقة جديدة لاعلان الانجيل للشباب وللناس العطشى، للحقيقة في عالم المادة والصراعات وندعمهم ونخدمهم في سعيهم من أجل السلام والاستقرار والمساواة والحرية والكرامة.
شهادات الشباب في الجلسات العامة كانت صارخة في مواجهتهم التحديات القاسية بشجاعة، كذلك خلال أمسية مع شباب وشابات ومن بينهم عراقي هجَّره تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” قدّموا شهادات بديعة مليئة بالحماسة والأمل وقاموا بفعاليات مؤثرة. علينا كآباء ورعاة ان ننزل اليهم ونمسك بيدهم لمساعدتهم في تحقيق ذاتهم الإنسانية والمسيحية بعزة وكرامة.
“أداة العمل“: Instrumentum–laborus نص اُعد بدقة وهو مقسم الى ثلاثة اقسام: الأول “التعرّف” على الاختلافات والقضايا المشتركة العديدة بين شباب العالم: اجتماعية وايمانية، واهمية ان تصغي الكنيسة اليهم وتجد إجابات مناسبة لتساؤلاتهم. أما القسم الثاني فهو حول “التفسير“: ويشمل الشباب، الدعوات، التمييز والمرافقة المختلفة: مرافقة الجماعة أو المرافقة في قراءة علامات الأزمنة، المرافقة النفسية والروحية. أما القسم الثالث فيتمحور حول “الاختيار“: دورالكنيسة في التمييز، وضرورة تعاملها مع الحياة اليومية للشباب وأن تكون حاضرة وفاعلة حيثما يعيشون حياتهم الملموسة. وتجديد عملها الرعوي انطلاقاً من الإصغاء إلى الشباب.
وتُختتم “أداة العمل” بالحديث عن القداسة باعتبارها الدعوة الوحيدة لكل الناس.
مداخلات مهمة:
احتل موضوع “خدمة الإصغاء”، أي “القسم الأول من أداة العمل” حيزاً كبيراً في مناقشات الأساقفة حول الشباب، حيث شددوا على ضرورة الاستماع إليهم بكل ما يملكونه من مواهب وطاقات بشرية وروحية عظيمة لبنائهم وبناء الجماعة الكنسية والمجتمع البشري معاً.
قال الأخ لويس من جامعة تيزيه عن “خدمة الاستماع”: “عندما تستمع الكنيسة، فإنها تصبح ما هي عليه أن تكون: شركة حب”. هذا قول للأخ روجيه مؤسس جماعة تيزيه، الراحل.
عبر الشباب عن حاجتهم الى اشخاص بالغين (والداهم، اجدادهم) ليكونوا لهم مرجعية في مرافقتهم ومساعدتهم لتمييز دعوتهم وشق طريقهم في الحياة.
أهمية الليتورجيا: تطرقت المداخلات إلى أهمية تنشيط حياة الكنيسة الروحية، خاصة فيما يتعلّق بالقداس والليتورجيا عامة لجذب الشباب ومشاركتهم الفعالة فيها وإيلاء الاهتمام بكل فقراتها: النص المفهوم والموسيقى الملهمة، والعظة المُعَدّة والمشاركة الفعالة.
وفي مداخلتي قلت عن هذا الموضوع: يحتاج الشباب إلى برامج جديدة تختلف عن البرامج السابقة. على الكنيسة ان تكون لها رؤية واضحة وقيادة موثوقة في تقديم برامج مناسبة للتعليم الديني ومنها الليتورجيا وخصوصا القداس ليكون “مُعبراً ومفهوماً فيغدو مناسبة نعمة” وينبوع الحياة لهم. بالنسبة لنا نحن المسيحيين في الشرق لم يكن لدينا لاهوت منهجي، فالليتورجيا ومواعظ آباء الكنيسة هي التي ساعدتنا في الحفاظ على ايماننا ابان الاضطهادات.
العزلة: لا يجب أن يقتصر عمل الرعاة على انتظار الشباب في الرعايا، بل عليهم الخروج والوصول إلى حيث الشباب والحديث معهم والاستجابة الى تطلعاتهم لتحريرهم من العزلة والانغلاق والضياع لدمجهم في الحياة العامة وبشكل كامل في حياة الكنيسة.
وفي مداخلتي شددت على أهمية: ان تشجع الكنيسة الشباب على الانخراط في المجال الاجتماعي والثقافي والسياسي لبناء السلام والعدالة في مجتمعاتنا والدفاع عن قيم المساواة والتعايش السلمي ضد الكراهية والإقصاء.
تعاون الكنيسة مع العائلة: لا ننسى ان العائلة هي الكنيسة الأولى. وشدد المتحدثون من الأساقفة على أهمية التعليم الأساسي للأطفال، ومرافقتهم خاصة في مرحلة البلوغ، خصوصاً ان العائلة هي البيئة التي فيها ينال الشخص الايمان ويتدرب على عيشه والعائلة تساعد على تمييز الدعوات، وتعاون الوالدين وتناغهمها ينضج هوية الطفل الإنسانية والمسيحية.
وينتهي السينودس بالوثيقة النهائية وهي خلاصة أعمال الجمعية.