عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرّاعي عيد الميلاد المجيد
كنيسة الصَّرح البطريركيّ – بكركي
25 كانون الأوَّل 2019
"لَقَدْ وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ، هُوَ المَسِيحُ الرَّبّ" (لو11:2)
فخامة الرَّئيس
1. إنَّها لَفرحةٌ روحيَّةٌ أن نَحتَفِلَ بعيد ربِّنا ومخلِّصنا يسوع المسيح، معكم ومع عقيلتكم اللُّبنانيَّة الأولى، جريًا على العادة الحميدة، ومع سيادة السَّفير البابويّ والأُسرة البطريركيَّة وهذا الجمع من المسؤولين السِّياسيِّين والإداريِّين والمؤمنين والمؤمنات. إنَّ فرحتنا تتَواصلُ منذ بداية البشرى السَّارَّة التي نَقَلَها الملاك لرعاة بيت لحم: "أُبشِّركم بفرحٍ عظيمٍ يكون للعالم كلّه: لقد وُلد لكم اليوم مخلِّصٌ، هو المسيح الرَّبّ" (لو11:2). فيَطِيبُ لي أن أُعبِّر لكم، بإسم هذا الجمهور وبإسمي، عن أَسمَى التَّهاني والتَّمنِّيات بالميلاد المجيد والسَّنة الجديدة 2020، راجين أن تكون سنة خيرٍ ونِعمٍ ونجاح.
2. أجل، نَفرَحُ ولكن في القلب غصَّةٌ، لِما آلت إليه حالة وطننا السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والماليَّة والاجتماعيَّة. غير أنَّنا نحن أبناء الرَّجاء بالمسيح "عمَّانوئيل"، "إلهنا معنا" الذي لا يَتركُنا لوحدنا نتخبَّط في أزماتنا، بل يُلهِم ذوي الإرادات الصَّالحة من المسؤولين، وأنتم على رأسهم، يا فخامة الرَّئيس، لإيجاد أفضل السُّبُل للخروج من ظلمة الأزمات. ألَيسَ في قلب ذاك اللَّيل أشرق نور المسيح على رعاة بيت لحم ساعةَ وُلد مخلِّص العالم وفادي الإنسان، على ما تنبَّأ أشعيا: "الشَّعب السَّالك في الظُّلمة أبصَرَ نورًا عظيمًا، والسَّائرون في ظلال الموت أشرَقَ عليهم نور"؟ (أش2:9).
3. نحن نُصَلِّي وشعبُنا يُصَلِّي من أجل هذه الغاية. فإبن الله صار إنسانًا ليحمِلَ السَّلام إلى الأرض واستودَعَنا هذا السَّلام لكي يلتزم الجميع بصنعه، وتوطيده على أُسُسه الأربعة التي حدَّدَها القدِّيس البابا يوحنَّا الثَّالث والعشرون، وهي: "المحبَّة والعدالة والحقيقة والحريَّة" (سلام على الأرض، الفقرة 89). وزاد عليها القدِّيس البابا بولس السَّادس أساسًا خامسًا هو الإنماء (راجع الرِّسالة العامَّة، "ترقِّي الشُّعوب"، الفقرة 87).
لا يتعايش السَّلام مع الجوع والبطالة والحرمان والظُّلم، ولا مع المناكفات والعداوات والانقسامات، ومع اللَّاإستقرار السِّياسيّ والماليّ والاقتصاديّ، ولا مع السَّعي إلى المصالح الخاصَّة على حساب الصَّالح العامّ. أنتم أدرى بهذه الأمور، يا فخامة الرَّئيس، ونحن ندعم جهودكم في هذا السَّبيل، وجهود سائر المسؤولين ذوي الإرادات الحسنة.
4. وصار الإله إنسانًا ليَزرَعَ الرَّجاء في القلوب ويَدعُونا إلى هذا العمل الأجمل في الحياة. بتحقيق السَّلام على الأرض وزرع الرَّجاء في القلوب، يَتِمُّ مجد الله الأعظم في السَّماء، كما أنشَدَ الملائكةُ ليلة ميلاد المخلِّص الإلهيّ: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السَّلام، والرَّجاء الصَّالح لبني البشر".
فخامة الرَّئيس،
5. نحن وكلُّ الشَّعب اللُّبنانيّ نعرف همومكم وأوَّلها تأليف حكومةٍ جديدةٍ إستثنائيَّة لظرفٍ إستثنائيّ: تكون حكومة إنقاذٍ مؤلَّفةً من شخصيَّاتٍ وطنيَّةٍ معروفةٍ باختصاصاتها وكفاءاتها وقدراتها، بحيث تتمكَّنَ من وضع البلاد على طريق الخلاص الاقتصاديّ والماليّ والاجتماعيّ.
أنتم تَدرُون أكثر من غيركم إلى أيَّة حالٍ بلَغَتْ أوضاعنا في هذه القطاعات، وكيف تتراجع الدَّولة وكأنَّها في مسيرة تفكُّكٍ، وكيف تُذَلُّ حياة المواطنين يومًا بعد يوم. ليس الوقت بعد الآن لحساباتٍ شخصيَّةٍ أو مذهبيَّةٍ أو سياسيَّةٍ، فيما مركب الوطن في حالة الغرق. بل يجب وضع خير الأمَّة والشَّعب فوق كلِّ اعتبار، والتَّعالي عن المصالح الخاصَّة. ويجب دعم رئيس الحكومة المكلَّف من أجل تأليفها وفقًا لتحدِّيات لبنان وانتظارات الشَّعب اللُّبنانيّ الذي ما زال يُعبِّر عنها منذ سبعين يومًا بانتفاضةٍ – ثورةٍ في جميع المناطق اللُّبنانيَّة، وبحركةٍ عفويَّة، للدَّلالة على أنَّ الوجع مشتركٌ والصَّوت واحدٌ على تنوُّع المذاهب والانتماءات. فكان مطلبها الأوَّل في سلسلة المطالب التي رُفعَت إلى فخامتكم: "تشكيل سريع لحكومةٍ انتقاليَّةٍ إنقاذيَّةٍ من الاختصاصيِّين المستقلِّين، تتمَّع بصلاحيَّاتٍ إستثنائيَّة" (جريدة النَّهار، الاثنين 23 كانون الأوَّل 2019). إليكم، كرئيسٍ للبلاد وقائدٍ لسفينة الوطن، يتطلَّع اللُّبنانيُّون، من أجل نجاحها والوصول بها إلى ميناء الأمان.
أيُّها الإخوة والأخوات الأحبَّاء،
6. في الميلاد، الإله صار إنسانًا من أجلنا ومن أجل خلاصنا. فلننفتح شخصيًّا لهذا الخلاص، فإذا خلُصنا، نستطيع أن نُساهم في خلاص شعبنا ووطننا ومجتمعنا، إنطلاقًا من واقع كلّ واحدٍ وواحدةٍ منّا وموقعه. فالخلاص يَشمَلُ الإنسان بكلِّيَّته روحًا وجسدًا وأخلاقًا، ويَشمَله بكلّ أبعاده الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والمعيشيَّة، وباستقراره السياسيّ والأمنيّ، لكي يعيش بطمأنينةٍ وسعادةٍ. وهذا واجبٌ يقع علينا جميعًا. نرجو أن يكون عهدكم، فخامة الرَّئيس، عهدَ خلاصٍ للبنان.
6. نسأل الطِّفل الإلهيَّ، في ذكرى ميلاده، أن يولدَ في قلوبنا، لكي نشهَدَ لمحبَّة الله في عالمنا. بميلاده شاركَنَا في طبيعنا البشريَّة وحالنا، ويُريدنا أن نشاركه في حياته الإلهيَّة "ولقد تأنَّسَ الإله ليؤلِّه الإنسان" (القدّيس أمبروسيوس) بهذا الرَّجاء نهتف: "ولد المسيح هللويا"!
المصدر: موقع البطريركية المارونية