غبطة الكاردينال شونبورن: السينودسيّة هي أسلوب عيش الشركة في الكنيسة
وسائل إعلام الفاتيكان في حوار مع رئيس أساقفة فيينا حول الدورة الأولى من الجمعيّة العامة السادسة عشر لسينودس الأساقفة تحت عنوان: "من أجل كنيسة سينودسيّة: شركة ومشاركة ورسالة".
"السينودسيّة هي طريقة عمل الشركة الكنسيّة، والمشاركة أيضًا في القضايا والقرارات الإداريّة، وفي جوانب حياة الكنيسة. إنّ السينودس حول السينودسيّة هو سينودس حول كيفيّة عيش الشركة الكنسيّة بطريقة إنجيليّة، والسير معًا لجميع أعضاء شعب اللّه". بهذه الكلمات، في مقابلة مع وسائل الإعلام الفاتيكانيّة، لخصّ غبطة الكاردينال كريستوف شونبورن، رئيس أساقفة فيينا، النقطة المحورية لجمعية السينودس المقبلة، مشيرًا إلى العلاقة بين السينودس الذي تعيشه الكنيسة والسينودس الذي عُقد عام ١٩٨٥ الذي كُرِّس للشركة الكنسيّة. تأكيد يجعلنا نفهم كيف أن الشركة والسعي من أجل الوحدة يأتيان قبل المواقف المختلفة، على أمل أن يتمَّ أيضًا تحديد طريقة عرضهما ومناقشتهما.
في إجابته على السؤال حول ما يتوقع ظهوره من هذا العمل المشترك قال الكاردينال شونبورن يمكن أن تحدث أشياء كثيرة في هذا السينودس، لا نعرف. لقد وضعنا قداسة البابا فرنسيس على درب فريد من نوعه، وهو درب الإصغاء والتمييز. وهذه أمور يجب القيام بها على الدوام، إنها أمور أساسية لحياة الكنيسة، لكن البابا قد ركز بشكل أكثر وضوحًا على مسألة التمييز: ما الذي يظهره لنا الرب؟ وما الذي يريده لنا اليوم وللكنيسة؟ وبالتالي فإن السينودس هو محاولة لكي نعمّق درب التمييز هذا ونتعلّمه ونختبره.
تابع رئيس أساقفة فيينا مجيبًا على سؤال حول السينودس الأبرشي الذي عُقد لبضع سنوات خلت في فيينا وحول ما حدث فيه وقال يجب أن أصحح الأمر قليلاً، لأنه لم يكن سينودسًا أبرشيًّا. للسينودس الأبرشي قواعد دقيقة جدًا يحدّدها القانون الكنسي. لقد خطرت لي فكرة، وشاركناها مع الكثيرين، في اتباع مسيرة أخرى، وهو درب الجمعيات الأبرشية. وقد عقدنا خمس جمعيات، ضمّت كل واحدة منها حوالي ١٥٠٠ مندوبًا قدموا من الرعايا والمؤسسات والرهبانيات، ومن جميع وقائع الأبرشية. وقد كانت الفكرة التوجيهية تلك التي ذكرها البابا فرنسيس عدة مرات، وهي فكرة مجمع الرسل، التي نقرأها في سفر أعمال الرسل. وبالتالي اقترحت على الأبرشية: لنتحدث مع بعضنا البعض بطريقة منظمة عما اختبرناه في مسيرتنا مع الرب، وما جعلنا الله ندركه في حياتنا، وفي رعايانا.
أضاف الكاردينال شونبورن مجيبًا على السؤال حول ما لمسه خلال هذه العملية وقال لقد كان المنهج منهج أعمال الرسل. في ذلك الوقت كانت هناك مشكلة، مشكلة الوثنيين الذين أصبحوا مسيحيين: وهل كان عليهم أن يعتمدوا أم لا؟ وإذا اعتمدوا، فهل كان عليهم أيضًا أن يأخذوا الشريعة اليهودية أم أن الإيمان بالمسيح كان كافيًا؟ ولحل هذه المشكلة المأساوية، أصغوا إلى الخبرات وميّزوا. تكلم بطرس، ثم تكلم بولس وبرنابا، وأخيراً أصغت الجماعة كلها وصلّت. وفي النهاية توصلوا إلى هذا الاستنتاج: "الروح القدس ونحن قد قررنا كذا وكذا...". وعندما طلب مني البابا فرنسيس أن ألقي الخطاب بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس السينودس في عام ٢٠١٥، في قاعة بولس السادس، قبل خطابه الشهير حول السينودسية، كان عليَّ أن أقدم ملخصًا عن ماهية السينودس وتحدثت أولاً حول خبرة الكنيسة الأولى. وأعتقد أن هذا الدرب - وقد كرر البابا فرنسيس ذلك مرارًا – درب التحدث والاصغاء والتمييز هو جيد لمسار السينودس الذي نعيشه الآن.
تابع رئيس أساقفة فيينا مجيبًا على سؤال حول ما كان تقييم الجمعيات الأبرشية وقال إنَّ ما حاولنا أن نقوم به في الأبرشية أدى بالتأكيد إلى تعميق الشركة بيننا وتشجيع المبادرات الرعوية. لم نصوت، ولم نتخذ قرارات أو ننشر نصوصًا: لقد شاركنا حياة الكنيسة فقط في ضوء خبراتنا. كانت هذه هي طريقة هذه الجمعيات الأبرشية الخمس. لقد كانت خبرة إيجابية جدًّا، في مرحلة صعبة، لأنها تمّت خلال مأساة الاعتداءات الجنسية وأزمة مصداقية الكنيسة. ولكننا عشنا فعلاً خبرة قوية للإيمان والشركة، وهذا بالتأكيد ساعدنا على المضي قدمًا بدون أن نصاب بالإحباط.
أضاف الكاردينال شونبورن مجيبًا على السؤال حول إن كان عنوان "السينودس حول السينودسية" قد يبدو بعيدًا عن حساسية الناس، وهو عنوان تقني إلى حد ما وقال لقد شاركت في سينودس ١٩٨٥ لا كأسقف بل كلاهوتي، وكنت أحد اللاهوتيين الذين شاركوا في هذا السينودس الذي عقد بعد عشرين عامًا من اختتام المجمع الفاتيكاني الثاني وكان موضوعه الشركة، وهي كلمة أساسية في المجمع الفاتيكاني الثاني. ولم يكن لهذا السينودس أيضًا موضوع محدد، بل كان تقريبًا سينودسًا حول الشركة: الشركة، كملاحظة أساسية للكنيسة، وكخاصية للحياة الكنسية. وأعتقد أن السينودس حول السينودسية هو شيء مماثل. إنَّ السينودسية بسيطة للغاية: إنها طريقة عمل الشركة الكنسية، والمشاركة أيضًا في قضايا وقرارات إدارية، وفي جوانب حياة الكنيسة. إن السينودس حول السينودسية هو سينودس حول كيفية العيش بطريقة إنجيلية، بطريقة تتوافق مع الحياة الإنجيل، والشركة الكنسية، والسير معًا لشعب الله، لجميع أعضاء شعب الله. بالطبع، يمكن القول إن معظم السينودسات بعد عام ١٩٦٥ كان لها موضوع أكثر تحديدًا: على سبيل المثال التوبة أو العائلة، كالذي عُقد في ٢٠١٤- ٢٠١٥. لكنني أعتقد أن موضوع السينودسية هذا هو خطوة إضافية في قبول المجمع الفاتيكاني الثاني، الشركة وطريقة عمل الشركة، السينودسيّة. كذلك لا يجب أن ننسى أن مسيرة السينودسية معًا لا تحدث في العالم المعاصر فحسب، وإنما في التاريخ أيضًا. ولذلك فإن السينودسية تعني أيضًا أن نتذكر مسيرة الذين سبقونا في الإيمان.
تابع رئيس أساقفة فيينا مجيبًا على سؤال حول الفرق بين السينودس وأعمال البرلمان لاسيما وأن البابا فرنسيس يشدّد دائمًا على أن السينودس يقوم على الصلاة والإصغاء لصوت الروح القدس والإصغاء المتبادل والتمييز. فيما أن أعمال البرلمان – والتي هي أيضًا إيجابية –تخضع لمنطق الأغلبية والأقلية وقال لقد قُلتَ إن أعمال البرلمان هي إيجابية. ونحن ممتنون لجميع البلدان التي لديها برلمان، برلمان حقيقي، ديمقراطية برلمانية. أود أن أضيف ملاحظة صغيرة. بالطبع، لا يستدعي البرلمان الروح القدس بشكل صريح: هناك في بعض البرلمانات تقليد للصلاة، إنه أمر نادر ولكنه موجود. لكنني أفكر في ذلك الخطاب الرائع الذي ألقاه البابا بندكتس السادس عشر أمام البرلمان في لندن، حيث أظهر أنه حتى في الديمقراطية البرلمانية هناك شيء من التمييز... لقد تحدث عن ضمير توماس مور الذي كان عليه أن يتخذ موقفًا مخالفًا للملك، لكنه تحدث أولاً عن قرار برلمان لندن، قرار إلغاء العبودية، موضحًا كيف تم إحراز تقدم في الوعي بأن العبودية تتعارض مع كرامة الإنسان في المناقشات البرلمانية. ولهذا السبب أود أن أضيف كلمة إيجابية حول عمل البرلمان. ورغم أن السينودس بالتأكيد ليس برلمانا، إلا أن هذا لا يعني أن عمل البرلمان ليس بالأمر الجيد. أما بالنسبة للفرق بينهما فهو أن السينودسية، أي الحياة في الكنيسة، هي على الدوام بحث عن الإجماع، ليس بالمعنى البرلماني الذي يقضي بضرورة أن يصوت الجميع بنفس الطريقة - كما يحدث في الديكتاتوريات أو الشيوعية – وإنما كتوق نحو الوحدة. إنها الإصغاء لصوت الروح القدس الذي يسير قدمًا في البحث عن الحقيقة، وفي البحث عن الخير حتى الوصول إلى الإجماع تقريبًا. وهذا ما فعلته المجامع وكذلك السينودسات التي شاركت فيها: إن قاعدة السينودس هي أن يكون هناك تصويتًا، ولكن يجب أن تحصل على ثلثي الأصوات. ولا ننسينَّ أيضًا أن السينودس هو استشاري، وليس هيئة تشريعية. وهو يساعد على الإصغاء، الإصغاء المشترك لصوت الروح القدس. ولهذا السبب أراد البابا أن يكون للسينودس حول العائلة، وكذلك للسينودس حول السينودسية، مرحلتين أو عدة مراحل، محلية وقارية، وفي النهاية، دورتان للجمعية السينودسية، لأنه مسيرة نحو الإجماع الذي يجب أن يكون دائمًا "قلبًا واحدًا ونفسًا واحدة"، كما يُقال عن الكنيسة الأولى. وهذا الانسجام هو علامة الروح القدس.
أضاف الكاردينال شونبورن مجيبًا على السؤال حول ماذا يعني بشكل ملموس "الاصغاء لصوت الروح القدس" وقال لقد علمنا البابا - ونحن نمارس ذلك بثمار جيدة - أسلوب الحوار الروحي. وعلى ما يقوم؟ إنه الإصغاء لبعضنا البعض باحترام وقبول، لكي نصل إلى التمييز ونفهم ما هي إرادة الله. وبالنسبة لي، كان من المثير للإعجاب أن البابا فرنسيس في الوثيقة "Querida Amazonia" قد اقترح صدى لهذا التمييز في السينودس حول منطقة الأمازون، والذي تمكنت من المشاركة فيه. وقال في بعض النقاط: هنا يبدو لي أن التمييز كان غائبًا، وأن هناك حاجة إلى مزيد من التمييز. كيف نعرف أننا قمنا بالتمييز اللازم للتوصل إلى قرار ما؟ وهذا بالتأكيد هو فن إدارة البابا، ولكنه أيضًا فن انسجام السينودس، وأعضاء السينودس. ولذلك أعتقد أننا سنعيش خبرة كنسية قوية في هذا الإصغاء. بالطبع، حول العديد من الأسئلة والعديد من المواضيع، ستكون القائمة طويلة وسيكون علينا أن نكرس الكثير من الوقت للمناقشة وتبادل الآراء حول هذه القضية أو تلك، ولكن دائمًا من منظور الإصغاء للروح القدس.
تابع رئيس أساقفة فيينا مجيبًا على سؤال حول إن كانت مهمة محاولة إشراك الكنائس المحلية والاصغاء إليها على نطاق واسع، بما في ذلك الجماعات والأشخاص الذين ابتعدوا عن الكنيسة ولماذا وقال نعم، من المهم أيضًا أن نصغي إلى صوت الذين ليسوا "في الداخل"، والذين ابتعدوا، لأن هذا الصدى سيسمح لنا بأن نُميّز بشكل أفضل. ومن ثم أن نصغي إلى صوت المؤمنين. يكفي أن تقرأ كتاب القديس جون هنري نيومان الصغير الشهير حول الاصغاء إلى المؤمنين في مسائل الإيمان. هذا الكتاب الصغير الذي كتب حول المجمع الفاتيكاني الأول مهم جدًا لوضعنا في البحث عن السينودسية.
أضاف الكاردينال شونبورن مجيبًا على السؤال حول ما يعنيه الاصغاء إلى إيمان شعب الله وقال إنه حس الإيمان. وبطبيعة الحال، لا يمكننا أن نكتشفه في الإحصائيات. إذا كنا لا نقوم بهذا العمل المتمثل في الإصغاء إلى حِس الإيمان، فنحن لا نصغي للروح القدس لأن ما يُعاش ويُدرك في حِس الإيمان لشعب الله، هو جوهر إيمان الكنيسة وقلبه. أفكر في خبرة شخصية، عندما كنت طالبًا شابًا في علم اللاهوت وعلّمونا جميع أفكار بولتمان والـ Entmythologisierung (تبديد الأساطير). استجواب جذري للإيمان المسيحي. وعندما عدت إلى المنزل، تحدثت عن ذلك مع والدتي التي استمعت إليَّ وبعد بضع لحظات نظرَت إليَّ متعجبة وقالت لي ببساطة: "ولكن إذا لم يكن يسوع ابن الله الحي، فإن إيماننا فارغ". وقد قلت دائمًا أن هذا الدرس الذي تعلمته من والدتي كان بالنسبة لي هو الإصغاء إلى شعب الله، إلى إيمان البسطاء، إلى إيمان شعب الله. ولذلك فإن إصرار البابا فرنسيس على التدين الشعبي، وعلى إيمان الناس - إصرار نجده في وثيقة أباريسيدا – هو مهم حقًا. أتذكر تلك العظة الشهيرة التي ألقاها الكاردينال راتزينغر آنذاك خلال فترة الأزمة مع هانس كونغ، عندما قال: إنَّ اللاهوت الذي لا يضع نفسه بتواضع في الخدمة والإصغاء لإيمان شعب الله، لا فائدة منه؛ يكون معرفة ولكنه لا يكون في خدمة الإيمان. لذلك أعتقد أن طريقة إشراك عدد كبير من المؤمنين وكذلك الأشخاص الذين ابتعدوا عن الكنيسة هو أمر مهم للتمييز…
هذا التقرير نُشر على موقع فاتيكان نيوز، لقراءة المزيد إضغط هنا.