غبطة البطريرك يوسف العبسي في زيارة رعوية إلى مارسيليا يرافقه المعتمد البطريركيّ في الفاتيكان الأرشمندريت شحادة عبود ورئيس الديوان الأب رامي واكيم

التقى غبطة البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكيّة وسائر المشرق للروم الملكيّين الكاثوليك، والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط عند وصوله راعي كنيسة القديس نيقولاوس في مارسيليا الأرشمندريت الياس نمور وراعي كنيسة القديس يوليانوس في باريس الأرشمندريت اغناطيوس حداد والقنصل صونيا ابي عازر وأبناء الرعية والنشاطات الرعوية من شبيبة وأطفال.

واحتفل بالقداس الإلهي في رعية القديس نيقولاوس ـ مرسيليا بحضور لفيف من الكهنة وحشد من أبناء الرعية، كرّس خلاله القسم الأخير من الكنيسة التي اكتمل تجديدها بشكل كامل.

وبعد الانجيل المقدّس ألقى غبطته العظة التالية:

الأحد 23 شباط/ فبراير 2025

في كنيسة القدّيس نقولّاوس بمرسيليا، بداعي الانتهاء من ترميمها

يسعدنا جدًّا أن نلتقي في هذا الأحد المبارَك مع أبناء وبنات رعيّة القدّيس نقولّاوس في مرسيليا، في هذه الليترجيّا الإلهيّة المقدّسة، لكي نحتفل بالسيّد المسيح القائم من بين الأموات والحاضر في القربان المقدّس، لكي نشكره على كلّ ما ينعم به علينا لا سيّما الخلاصِ الأبديّ الذي أنعم به علينا بموته وقيامته.

يسعدنا أيضًا أن نلتقي اليوم في مناسبة غالية على قلوبنا، انتظرناها طويلًا بشوق، هي الانتهاء من ترميم هذه الكنيسة وإعادتها إلى جمالها الأوّل الذي كانت قد لبسته حين بناها آباؤنا بإيمانهم ومالهم وتعبهم وانتمائهم إلى كنيستهم وحبّهم لها وافتخارهم بها، منذ مئتي عام ونيّف، لكي يحافظوا فيها على تراثهم الكنسيّ ويشهدوا على الربّ يسوع المسيح كما كانوا يفعلون في بلادهم الأصليّة التي أتوا منها.

قد يتساءل البعض أو يحتجّ أو حتّى يَدين قائلين لماذا تجميل الكنائس والإنفاق عليها في حين أنّ الحاجة إلى أمور أخرى. إنّ تجميل الكنائس هو من باب إظهار جمال الله وجمال عالمه. الله جميل وكلّ ما له علاقة به أو ينتسب إليه يجب أن يكون جميلًا. هكذا الكنائس هي جميلة لكي يشعر كلّ من يدخل إليها بجمال الله، لكي يشعر بأنّه في عالم آخر غير العالم الخارجيّ الذي يعيش فيه. الكنيسة جميلة بهندستها وبالإيقونات التي تزيّن جدرانها والترانيم التي تصدح في أرجائها والكلمات التي تعبّر عن إيمانها ولباس المحتفلين فيها. هذا ما دفع الذين أنشأوها على أن تكون جميلة والذين رمّموها على أن تبقى كذلك.

*اليوم تنقضي مئتا سنة على هذه الكنيسة وما زالت منذ ذلك الحين إلى هذا الوقت تصدح فيها الترانيم ويرتفع البخور مع الصلوات وتضاء الشموع ويتمجّد اسم الله ويسبَّح ويبارَك وتتقدّس نفوس كثيرة وتحصل على الخلاص بنيل الأسرار المقدَّسة، وتبقى على هذا النحو، كما أرادها مؤسّسوها علامة رجاء لا يَخزى للذين يقصدونها وللذين يمرّون بها. وتأكيدًا لهذه الغاية أطلقوا عليها اسم القدّيس نقولّاوس الذي من مدينة ميرا، شفيع الرجاء في كنيستنا البيزنطيّة. وقد شاءت العناية الإلهيّة أن يتمّ الانتهاء من ترميمها وتدشينها في عام الرجاء، 2025، في يوبيل الرجاء الذي أعلنه قداسة البابا فرنسيس وافتتحه في مطلع هذا العام بمناسبة انقضاء ألف وسبع مئة عامٍ على المجمع المسكونيّ الأوّل الذي عُقِد في مدينة نيقيا (في تركيّا الحاليّة)، في عام ثلاثِ مئةٍ وخمسة وعشرين، المجمعِ الذي التقى فيه ثلاثُ مئةٍ وثمانيةَ عشرَ مطرانًا أتوا من أنحاء المسكونة، بأمر من الامبراطور قسطنطين، وحدّدوا في أثنائه ألوهيّة السيّد المسيح ومساواته لله الآب في الجوهر وأزليّته مع الآب والروح، كما نقول في قانون إيماننا. أراد قداسة البابا فرنسيس، من وراء تخصيص هذه السنة اليوبيليّة، التي جعل لها عنوانًا "حجّاج الرجاء"، أن يقوّي المسيحيّون رجاءهم بالخلاص الأبديّ، بالملكوت السماويّ الذي وعدنا به السيّد المسيح في التطويبات التي تركها لنا في الإنجيل والتي أرسى بها الرجاء المسيحيّ. لم يصف قداسة البابا هذا العامَ اليوبيليّ بأنّه حجّاج أو حجّ إلى روما، بل وصفه بأنّه "حجّاج الرجاء"، ونحن نعلم من القدّيس بولس أنّ الرجاء هو لنا نحن المسيحيّين السيّدُ المسيح نفسه. ليس الحجّ المسيحيّ الحقيقيّ بالتالي حجًّا إلى مكان، مهما كان هذا المكان مقدّسًا وغاليًا على قلوبنا، بل الحجّ المسيحيّ الحقيقيّ هو إلى السيّد المسيح عينه الذي هو رجاؤنا وخلاصنا. هذا ما يجعل حياتنا كلّها على الأرض حجًّا إلى السيّد المسيح حتّى نبلغ إلى ملء قامته كما يعلّمنا بولس أيضًا. في هذا العام سوف تقام في مدينة رومة احتفالات كنسيّة وصلوات ورتب على مدار العام. وقد خَصّص الذين وضعوا برنامج اليوبيل لنا نحن الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة، ثلاثةَ أيّام، أيّامِ 12 و13 و14 أيّار القادم 2025، لكي تحتفل كلّ كنيسة على حسب طقسها، وكان من نصيبنا نحن الروم الملكيّين الكاثوليك قدّاس في الرابعَ عشَرَ من أيّار في كنيسة القدّيس بطرس برومة، والدعوة إلى الاشتراك فيه وفي الاحتفالات الأخرى مفتوحة للجميع.

*في مجمع نيقية حدّد الآباء المشاركون أيضًا ووحّدوا تاريخ عيد الفصح بعد أن كان المسيحيّون يحتفلون به في تواريخ مختلفة. ومن الجميل أنّ المسيحيّين يحتفلون كلّهم معًا بعيد الفصح في هذا العام اليوبيليّ 2025 أيضًا حيث يتذكّر المسيحيّون أنّ من واجبهم العمل على أن يكونوا واحدًا ليس فقط في تعييد الفصح بل أيضًا وخصوصًا في الإيمان، أن يسعوا إلى الوحدة في الإيمان التي نصلّي من أجلها كلّ يوم أكثر من مرّة في صلواتنا، فيتمّموا بذلك إرادة السيّد المسيح الذي صلّى في ليلة آلامه من أجل أن يكونوا واحدًا. وكم هو جميل أن تكون كنيستكم هذه التي نحن قائمون فيها كنيسة تجمع المسيحيّين من كلّ الكنائس في عائلة متحابّة متضامنة متكافلة تشهد بالقول والفعل والصلاة على ما يعلّمنا إيّاه القدّيس بولس في رسالته إلى أهل أفسس بقوله: "اجتهدوا في حفظ وحدة الروح برباط السلام، فإنّ الجسد واحد والروحَ واحد، كما أنّكم قد دعيتم إلى الرجاء الواحد. وإنّ الربّ واحد والإيمان واحد والمعموديّة واحدة والإله واحد والآب واحد للجميع وهو فوق الجميع وخلال الجميع وفي الجميع" (أف 4: 3-6). وفي هذا المقام لا بدّ من أشكر جزيل الشكر قدس الأرشمندريت إلياس نمّور خادم الرعيّة ومساعديه على كلّ ما عمله ويعمله لإنعاشها وتقديسها وتوحيدها وتقوية شهادتها وحضورها في محيطها. وأنا شاهد شخصيّ على ذلك بتواصله المستمرّ معي وبإطلاعي، بالصور والكتابات والمكالمات، على كلّ ما يجري هنا. بارككم الله جميعًا.

*اليومَ الأحدُ الثالث والعشرون من شهر شباط هو الأحد الثاني الذي قبل زمن الصوم الأربعينيّ المبارك. الاثنين الذي بعد الأحد القادم، أي في الثالث من آذار القادم، يبدأ زمن الصوم الأربعينيّ. هذا اليومُ الأحد الذي نحن فيه تدعوه الكنيسة "أحد مرفع اللحم" أي الأحد الذي نتناول فيه اللحم لآخر مرّة قبل الدخول في زمن الصوم. اليوم تتلو علينا الكنيسة الإنجيل والرسالة اللذين سمعناهما. الإنجيل، الذي يعُرَف بِ "إنجيل الدينونة"، يدعونا فيه السيّد المسيح إلى ما نستطيع أن نسمّيه "المحبّة العمليّة" أي أن نلبّي حاجات الجائعين والعطشانين والمسجونين والمرضى والعريانين وغيرهم من أمثالهم الذين تماهى السيّد المسيح بهم، وأن نمدّ لهم يد المساعدة، وأن نتضامن معهم وأن نخفّف من معاناتهم حتّى يتمكّنوا من العيش بكرامة وراحة وفرح كأبناء لله. أمّا الرسالة فهي أيضًا في خطّ التفكير عينه، يدعونا فيها القدّيس بولس إلى أن لا نكون عثرة بعضنا لبعض أو شكًّا، يعني أن نحافظ على المحبّة الأخويّة وأن نحرص على الحفاظ على إيمان الآخرين، من غير أن نحكم بعضنا على بعض، ومن غير أن ندين بعضنا بعضًا فيما يتعلّق بالصوم أو عدم الصوم، لأنّ من يأكل لا يزداد والذي لا يأكل لا ينقص، ولأنّ الذي يصوم فلربّه يصوم والذي لا يصوم فلربّه لا يصوم والله يقبل هذا وذاك. وهنا أيضًا يؤكّد بولس ما جاء في أنّا ما نفعله للإخوة إنّما نفعله ليسوع، أنّا إذا ما أخطأنا إلى الإخوة وجرحنا ضميرهم الضعيف إنّما نُخطئ إلى المسيح. لذلك علينا أن نقبل بعضنا بعضًا، وليس كيفما كان بل "بغير مباحثة في الآراء". ذلك يعني أن نقبل بعضنا بعضًا على أساس المحبّة التي تغفر مغفرة واسعة تامّة متفهّمة غير باحثة عن المشاحنة والمشاجرة، محبّةٍ تنظر إلى ضعفنا قبل أن تنظر إلى ضعف الآخرين، محبّةٍ تسعى إلى نزع الخشبة من عيننا قبل أن تنزع القشّة من عين الآخرين: "إن لم تغفروا للناس زلاّتهم فأبوكم أيضًا لا يغفر لكم زلاّتكم". إنّنا في حياتنا متنوّعون ومختلفون، لكلٍّ لونٌ ولكلٍّ رأيٌ، والمحبّة التي نحن مدعوّون إليها هي أن نقبل التنوّع والاختلاف ولو كانا بل لا سيّما حين يكونان مخالفين للوننا ورأينا. أمّا الحكم فهو لله تعالى وحده هو الخالق وهو المولى. إنّ المطلوب منّا هو أن نقبل الناس ولو كانوا مضايقين لنا فلا ننصّب أنفسنا بدلاء عن الله. لسنا نحن من يقول إنّ فلانًا يستحقّ الجنّة أو لا يستحقّها، ولا إنّ فلانًا يستحقّ الجحيم أو لا يستحقّها. أتمنّى لكم منذ الآن صيامًا مباركًا وزمنًا مقدّسًا نتحضّر فيه لاستقبال السيّد المسيح القائم من بين الأموات بعد أن نكون رافقناه، في الأسبوع العظيم المقدّس، على درب الآلام والصليب…


إضغط هنا للإطّلاع على الصور.

هذا الخبر نُشر على صفحة بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

غبطة البابا ثيودروس الثاني الإسكندري يحتفل بالقداس الإلهي التاريخي في جنوب السودان

Next
Next

الفاتيكان: الحالة السريريّة لقداسة البابا فرنسيس تظهر تحسنًا طفيفًا