قداسة البابا تواضروس الثاني يلقي كلمة لمناسبة مرور عشرة أعوام على زيارته للڤاتيكان في ساحة القدّيس بطرس
تجدون في التالي كلمة قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة، لمناسبة مرور عشرة أعوام على زيارته للڤاتيكان في ساحة القدّيس بطرس، الڤاتيكان.
الأخ الحبيب صاحب القداسة البابا فرانسيس
أصحاب النيافة، السيدات والسادة،
المسيح قام.. بالحقيقة قام
أودّ أن أنقل لكم تهنئتي وكلّ أعضاء المجمع المقدّس وكلّ هيئات الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة بالعيد العاشر لاختياركم الإلهي كبابا وأسقف لروما، وأُثَمِّن كلّ ما فعلتموه في هذه الفترة من خدمة لكلّ العالم في كلّ المجالات وأصلّي أن يحفظكم المسيح في كامل الصحّة ويمنحكم بركة العمر الطويل.
أنظر الآن إلى هذا المكان وأعود بذاكرتي عشرة أعوام، في نفس التاريخ متذكّرًا محبّتكم الغالية في استقبالي ووفد الكنيسة القبطيّة في زيارتي الأولى لكم، وكيف قضينا بصحبتكم وقتًا مقدّسًا مملوءًا بالمحبّة الأخويّة الّتي غمرتمونا بها.
هذه المحبّة الّتي صارت شعارًا نحتفل به سنويًّا في "يوم المحبّة الأخويّة" ونتحدّث هاتفيًّا لنجدّدها كلّ عام، وهو يوم يجسد الروح المسيحيّة والمحبّة الّتي تجمعنا في خدمة اللّه وخدمة إخوتنا وأخواتنا في الإنسانيّة ليتمّ فينا قول يوحنّا الحبيب "أيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لِأَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ ٱللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ ٱللهِ وَيَعْرِفُ ٱللهَ." (١ يوحنّا ٤: ٧).
لقد خترنا المحبة حتى لو كنا نسير عكس تيار العالم الطامع والذاتي، لقد قبلنا تحدى المحبة التي يطلبها منا المسيح، وسنكون مسيحيون حقيقيون وسيصبح العالم أكثر إنسانية، ليعرف العالم كله أن الله محبة وهذه هي أسمى صفاته.
يتزامن هذا الموعد أيضًا مع الذكرى الخمسين لزيارة البابا شنودة الثالث للبابا بولس السادس وهذا ما يجعله أكثر أهمية وتأثيرًا على العلاقات بين كنائسنا، ولا أنسى شكركم بكل فرح على زيارتكم الغالية لنا في مصر عام ٢٠١٧ وكيف كانت بركة لكل مصر، وحين قلتم “نحن لسنا وحدنا، في هذه المسيرة المشوقة والتي – على مثال الحياة – ليست دائمًا سهلة وواضحة، والتي من خلالها يحثنا الرب للمضي قدمًا، وتدفعنا لأن نكون منذ الآن صورة حيّة "لأورشليم السمائيّة".
ونحن نسير معًا في طريق الحياة واضعين نصب أعيننا وعده ” الَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” (١يو ٢: ٢٥) ونتعايش فيها ونتكامل معًا مسنودين بالصلاة بحسب هذا الوعد، مهما اختلفت جذورنا وانتماءاتنا فتجمعنا محبة المسيح الساكنة فينا وسحابة من الاَباء الرسل والقديسين تحيط بنا وترشدنا.
لقد جئنا إليكم من الأرض التي كرز فيها مارمرقس الرسول وتأسس فيها كرسيه في الإسكندرية ليكون واحدًا من أقدم الكراسي الرسولية في العالم.
أرض مصر التاريخ والحضارة يقولون عنها أنها فلتة الطبيعة، أبوها التاريخ وأمها الجغرافيا. جئت إليكم من الكنيسة القبطية التي تأسست في القديم بنبوة في سفر اشعياء النبي “فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا” (أش ١٩: ١٩). ثم تقدست بزيارة العائلة المقدسة وباركت أرضها شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا. مصر الأرض التي انتشرت منها الرهبنة المسيحية وتأسست بقديسيها انطونيوس ومكاريوس وباخوميوس، ملهمة مدرسة الإسكندرية منارة اللاهوت في التاريخ! وكانت ولازالت مواضع مقدسة للصلاة امام الله. ونؤمن أنها محفوظة ليس فقط في يد الله بل وفى قلبه أيضًا.
أنني أقف هنا حيث كرز بولس وبطرس الرسولين، وأفرح أن نلتقى في هذا الصرح العظيم وأتأمل هذه الأعمدة التي تحمل هذا المكان وأتذكر وعد الرب لملاك كنيسة فيلادلفيا: “من يغلب فسأجعله عمودًا في هيكل إلهي، ولا يعود يخرج إلى الخارج” (رؤ 3: 12). وأطلب منكم جميعا أن نتمسك بهذا الوعد، أن نغلب شر العالم بكل ضعفاته كما علمنا الآباء، وأن نكون على قدر المسؤولية التي نحملها …. ونعيش كرائحة المسيح الذكية لهذا العالم وأن نجتمع لأجل سلامه. أننا في هذا العالم نسير كما سار هو، نهتف مع داود المرنم في مزموره “تَمَسَّكَتْ خُطُوَاتِي بِآثَارِكَ فَمَا زَلَّتْ قَدَمَايَ” (مَزَ ١٧ :٥ ) وننادى في كل العالم بالسلام الذى يفوق كل عقل مصلين أن يحل في كل الربوع وأن يكون هو أولوية القادة والشعوب ..
أصلى معكم اليوم ولي كل الرجاء أن يستمع الله الى صلواتنا.
جراتسي أتوتي.
هذه الكلمة نُشر على الموقع الرسمي للكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة.