عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في أحد شفاء المخلّع
تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في أحد شفاء الأعمى، يوم الاحد 6 نيسان/ أبريل 2025، في الصرح البطريركي في بكركي.
"يا معلّم أن أبصر" (مر 10: 51).
1. أدرك برطيما أعمى أريحا، ببصيرته الداخليّة المستنيرة بنور الإيمان، أنّ يسوع هو المسيح ابن داود، حامل الرحمة الإلهيّة، وقادر على شفاء العميان. فلمّا سأله يسوع: "ماذا تريد أن أصنع لك؟"(مر 10: 51)، أجابه من دون تردّد: "يا معلّم أن أبصر!" فقال له يسوع: "أبصر، إيمانك خلّصك. فأبصر للحال ومشى معه في الطريق" (مر 10: 51-52).
ذاك الأعمى الشحاذ يرمز إلى كلّ إنسان أعمته الخطيئة، فيتخبّط في ظلمات الشرّ والحقد، والظلم والكبرياء وفقدان القيم الروحيّة والأخلاقيّة. وحده نور المسيح يبدّدها. "فالمسيح هو نور العالم، من يتبعه لا يمشي في الظلام" (را يو 8: 12). وهو نور بشخصه وكلامه وأفعاله وآياته.
2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا للإحتفال بهذه الليتورجيا الإلهيّة. فنصلّي إلى المسيح النور أن ينير بصيرتنا الداخليّة، التي تميّز بها ذاك الأعمى الجالس على قارعة الطريق في أريحا يستعطي حسنة من الناس منطفئ العينين، لكنّه مشتعل البصيرة الداخليّة بنور الإيمان.
وأوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحوم وليم زرد أبو جوده، قنصل بريطانيا الفخري ورئيس جامعة آل أبو جوده، الذّي ودّعناه منذ أسبوعين مع ابنه المهندس فادي وزوجته غاده، وابنته الدكتورة بولا، وعائلات أشقّائه وشقيقتيه وأهالي جلّ الديب وآل أبو جوده الكرام. نصلّي في هذه الذبيحة لراحة نفسه وعزاء أسرته.
3. كان ذاك الأعمى المبصر الحقيقي وحده بين ذلك الجمع وحتى تلاميذ يسوع. فلمّا سمع ضجّة الجمع الغفير المرافق ليسوع، سأل: "ما هذا". فقالوا: "هو يسوع الناصريّ يمرّ" (مر 10: 47). أمّا بالنسبة إليه ليس مجرّد يسوع الناصريّ بل هو "ابن داود، المسيح المنتظر، حامل الرحمة الإلهيّة، شافي العميان". فراح يصرخ: "يا ابن داود ارحمني"(مر 10: 47). فانتهروه ليسكت، أمّا هو فازداد صراخًا": "يا ابن داود ارحمني!"
وقع صراخه في قلب يسوع، لأنّه كان يناديه باسمه البيبليّ. وما من أحد دعاه بهذا الاسم. فتوقّف وطلبه إليه وكان مطلبه الوحيد لا حسنة بل البصر. أراد يسوع أن يظهر إيمانه الكبير فقال له: "أبصر، إيمانك خلّصك"(مر 10: 52).
كم نحن بحاجة إلى أن نتوسّل إلى المسيح كلّ يوم، مثل إلحاح الأعمى، لكي يشفينا من عمى بصيرتنا الداخليّة، وأن يمنحنا النعمة التي تفتح قلوبنا الباردة، وتزعج حياتنا الفاترة والسطحيّة (راجع فرح الإنجيل). وكم بيننا من عميان العينين، نحن نصلّي من صميم القلب من أجل شفائهم، ليتمتّعوا بجمال الأشخاص والطبيعة ومخلوقات الله.
4. أبصر أعمى أريحا ومشى مع يسوع في الطريق المؤدّي إلى الله. فالمسيح-النور يضيء الطريق إلى الله وإلى البحث عن الله. ولهذا قال عن نفسه: "أنا هو الطريق والحقّ والحياة"، بكلام آخر: "أنا الطريق المؤدّي إلى الحقّ الذي يعطي الحياة. ففي شخص المسيح الذي نتبعه حاضر الله.
عرف ذاك الأعمى بالبصيرتين الداخليّة والخارجيّة الطبيعتين في شخص يسوع: بالبصيرة الداخليّة (الإيمان) عرف فيه الإله، وبالبصيرة الخارجيّة (العينين) عرف فيه الإنسان…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.