عظة غبطة البطريرك يوسف العبسي في صلاة الغروب ورتبة الأغربنية والليترجيا الإلهية بعيد بشارة سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية الفائقة القداسة مريم
أحتفل غبطة البطريرك يوسف العبسي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيّين الكاثوليك، والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط، بصلاة الغروب ورتبة الأغربنية والليترجيا الإلهية بعيد بشارة سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية الفائقة القداسة مريم في كاتدرائية سيدة النياح – حارة الزيتون
وجاء في عظة غبطته
عيد البشارة
إنّ حدث البشارة، بشارة الملاك جبرائيل لمريم العذراء، الذي نحتفل به اليوم، قد ورد ذكره في إنجيل لوقا (٣٨-٢٦ :١). ومن قراءة الإنجيل نرى أنّ شخصين أساسيّين شاركا في هذا الحدث: مريم والملاك جبرائيل.
٠١- مريم العذراء
١-١- مريم عذراء
أوّل ما يخبرنا به الإنجيل عن مريم هو أنّها كانت "عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف". فالتعليم الأوّل الذي نستطيع أن نستنتجه من الإنجيل هو أنّ مريم عذراء، أو بتول. ويعلّمنا التقليد الكنسيّ، وتعلّمنا الكنيسة أنّ مريم بقيت عذراء كلّ أيّام حياتها ولو أنّها عاشت مع خطّيبها أو رجلها يوسف. وعبثًا يحاول البعض أن ينكروا بتوليّة مريم، إذ كيف تستطيع من استولى عليها روح اللّٰه وكانت ممتلئة نعمة أن تكون لغيره، وهل يعقل أن يكون اللّٰه قد استخدم مريم لولادة يسوع فقط ثمّ تركها وشأنها تعيش حياتها كما تشاء، أم أنّه اختارها لتلعب دورًا أساسيَّا في حياة الكنيسة وحياة المؤمنين، دورًا أكبر من أن تكون امرأة عاديّة لرجل عاديّ؟ إنّ مريم، كما تعلّمنا الكنيسة معتمدة على الإنجيل، هي بتول قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة.
١-٢- مريم ممتلئة نعمة
وإنّ ما يقوله الإنجيل ثانيًا عن الفتاة مريم هو أنّها "ممتلئة نعمة"، أي إنّه لم يكن فيها البتّة أثر للشرّ أو الخطيئة أو ما ينتج عنهما. وقد قال الإنجيليّ يوحنا عن يسوع المسيح ابن الآب الوحيد إنّه "مملوء نعمة وحقًّا". وإنّ النعمة في العهد الجديد تعني حياة اللّٰه وتعني أيضًا يسوع المسيح نفسه كما يقول بولس الرسول: "لقد ظهرت نعمة اللّٰه المخلّصة جميع الناس". فحين نقول إنّ مريم العذراء هي ممتلئة نعمة فذلك يعني أنها ممتلئة مثل يسوع من حياة الله وممتلئة أيضًا من يسوع المسيح نفسه، فمن غير الممكن ولا المعقول بالتالي أن تكون فيها خطيئة أو أن يكون فيها شرّ.
١-٣- مريم الربّ معها
ثم إن الفتاة مريم لم تكن يومًا وحدها بل كان اللّٰه على الدوام مرافقًا لها منذ أن وُلِدت إلى أن انتقلت إلى السماء. لم يترك اللّٰه تعالى مريم ولا لحظة واحدة من حياتها بل كان دومًا إلى جنبها يرشدها لكي تقوم بالرسالة المقدّسة التي أناطها بها. ما كانت مريم قادرة بقواها الذاتيّة البشرية الحض أن تُتمّ الرسالة بل كانت تحتاج إلى معونة الله، إلى نعمة الله، وهذه النعمة ذاتها هي التي كانت تملؤها.
١-٤- مريم محظيّة اللّٰه
إلى كلّ ذلك كانت الفتاة مريم محظيّة الله: "لقد نلتِ حظوة عند الله". هذا يعني أنّ اللّٰه قد اختار الفتاة مريم وميّزها عن سائر النساء وعن سائر البشر (يتكلّم القرآن عن هذا التمييز بوضوح). لم يميّزها ببشريّتها، أعني قد لا تكون مريم كانت أكثر من غيرها صحّة أو ذكاء أو قوّة أو جمالاً، بل ميّزها بأنه جعل منها أمَّا ليسوع، وبأنّه ملأها نعمة وبأنّه أعطاها دورًا ومكانة فريدين في الكنيسة.
١-٥- مريم أمّ يسوع
إنّ كلّ ما ذكرناه عن الفتاة مريم، من أنّها عذراء ممتلئة نعمة معها الربّ ومحظيّة عند الله، كان من أجل أن تكون مريم أمَّا ليسوع ابن الله: "ها أنتِ تحبلين وتلدين ابنًا وتسمّينه يسوع"، "ستلد ابنًا فتسمّيه يسوع" (متّى ٢١ :١). إنّ أمومة مريم ليسوع ابن اللّٰه هي الهدف من كلّ ما حصلت عليه وامتازت به من نعم. إنّ بتوليّة مريم وامتلاءها من النعمة وقربها من اللّٰه وحظوتها عنده كانت لها كلِها غاية واحدة هي أن تصير الفتاة مريم أمّ يسوع وأمّ الله.
٠٢ - الملاك جبرائيل
هذا ما يقوله الإنجيل عن الفتاة مريم، فماذا يقول عن الملاك جبرائيل؟ في الواقع لا يمثّل الملاك جبرائيل نفسَه في حدث البشارة بل إنّما يمثّل اللّهَ تعالى وينطق باسمه وينفّذ أوامره إذ ليس هو إلا مرسلاً من قبل الله: "أُرسل الملاك جبرائيل من قبل الله". لذلك فإنّ الكلام عن الملاك جبرائيل هو في الواقع كلام عن لسان اللّٰه تعالى، عن عمل اللّٰه تعالى بأقانيمه الثلاثة في حدث البشارة.
٢-١- اللّٰه فينا
فماذا عمِل الله؟ إنّ انلّه تعالى قد استحوذ على الفتاة مريم استحواذًا كاملاً، كما نستنتج من الإنجيل: فالروح القدس أتى عليها، حلّ عليها، والآب ظلّلها، والابن حلّ في بطنها. وهذا كلّه يعني أمرًا واحدًا هو أنّ اللّٰه تعالى بأقانيمه الثلاثة، أي اللّٰه تعالى بكامله، قد أتى إلينا نحن البشر الذين تمثّلهم الفتاة مريم، وحلّ فيما بيننا، وسكن فيما بيننا، بل إنّه تجسّد وصار إنسانًا مثلنا بشخص الابن…
هذه العظة نُشرت على صفحة بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.