ميّزات رتبة قداس أدّاي وماري

بقلم : غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط


    هذه الرتبة هي أقدم رتبة قداس لكنيسة المشرق الكلدانية والاشورية والملابار الهندية، لكنها تُعّد أيضاً من أقدم الرتب في الكنيسة الجامعة. كُتِبَت باللغة الكلدانية – السريانية التي غدَت نوعاً ما اللغة الليتورجية الأساسية لكنيسة المشرق، والتي استُخدمت على نطاق واسع في بلاد ما بين النهرين وبلاد فارس والهند.

تُعتبر هذه الرتبة لؤلؤة ليتورجية ينبغي المحافظة عليها، ورفع الأتربة المتراكمة عليها، أي الإضافات الدخيلة عبر القرون، مثل إضافة الكلام الجوهري، وصلاة أبانا الذي في السماوات… التي تُتلى بثلاثيَّتها في البداية والنهاية( تعود الى زمن طيمثاوس الكبير الذي الّفها (780- 823)) ومزمور إرحمني يا الله1، بالرغم من وجود رتبة توبة أصيلة (كلنا بالتقوى والإجلال… واُغفر يا رب خطايانا وزلاتنا).

  1. القِدَمية: تكمن أهمية رتبة قداس “اداي وماري” في قِدَمِها، وتعبيرها اللاهوتي. يُنسب تأليفها بحسب التقليد المتوارث الى القديسين أداي وماري. ووفقًا للتقاليد المشرقية المبكرة أن أدّاي بشَّر أولاً في الرُّها، بينما ماري يُعتَبر بعد مار توما الرسول مؤسس الجماعة المسيحية في بلاد ما بين النهرين، حيث شيَّد في نهاية القرن الأول ومطلع القرن الثاني، كنيسة كوخي (الاكواخ) في منطقة بوعيثا في ضواحي بغداد.

يُرجّح علماء الليتورجيا مثل ألاب تافت  Taft تاريخ تأليف هذه الرتبة إلى ما بين القرنين الثالث والخامس. قد تكون بعض عناصرها مُشتقة من صلوات المسيحيين الأوائل، مثل ديداكيه (بداية القرن الثاني). ويفكر بعض العلماء بأن بُنيتَها ولغتَها تعكسان تقليداً شفهياً في البداية ثم دوِّنت لاحقاً. أقدم المخطوطات الباقية الى اليوم هي مخطوطة كنيسة مار إشعيا من القرن العاشر، المحفوظة حالياً في مركز المخطوطات في بلدة عينكاوة، العائد الى أبرشية موصل الكلدانية، بإشراف المطران ميخائيل نجيب.

يعود ترتيب طقوس كنيسة المشرق الى البطريرك ايشوعياب الثالث الحديابي (649-659) الذي إختار ثلاث رُتَب للقداس، وللأسف اتلف الرتب الأخرى الموجودة، اما الصيغة النهائية لرتبة قداس أداي وماري فترجع  الى القرنين الثالث عشر والرابع عشر. وقد قام السينودس الكلداني بتأوينها عام 2020 لتتماشى مع التحولات الثقافية والاجتماعية الحالية.

أما الريازة الكنسية القديمة، فكانت على شكل هيكل اورشليم أو المَجمَع اليهودي، قُدسْ الأقداس، السِتارة أو الأبواب، البيما (يمكن مقارنتها بمعبد ناحوم في ألقوش). اليوم، لا توجد كنيسة كلدانية واحدة في العالم تحتفظ بهذه الريازة كاملةً. في بغداد أعدنا البيما في كنائسنا. وقد قرر السينودس الكلداني (اعتقد سينودس 2017)،

تعميم إحتفال الكاهن بالقداس، ووجهه باتجاه المؤمنين (الذي كان منتشراً كثيراً)، لتسهيل مشاركة المؤمنين ومساعدتهم على فهم الرموز والحركات اُسوّةً بكنائس اخرى في العالم.


  1. اخصائص اللاهوتية

  • غياب الكلام الجوهري. تتضمن هذه الرتبة فهماً لاهوتياً عميقاً لسرّ القربان المقدس. وأبرز سِمة لاهوتية في رتبة قداس أداي وماري هي غياب صريح لكلمات يسوع في العشاء الأخير: هذا هو جسديهذا هو دمي…، أي ما يسمى لاهوتياً بـ “الكلام الجوهري”، لقد اُدخل لاحقاً في القرن السادس عشر – السابع عشر عندما اتَّحَدَ الكلدان بالكنيسة الكاثوليكية، حيث اُدرِجت عناصر من القداس اللاتيني! تُركز الرتبة بدلاً من ذلك، على استدعاء الروح القدس لتقديس القرابين، وعلى ذكرى آلام المسيح وموته وقيامته وصعوده. الروح القدس هو من يحوِّل الخبز والخمر الى جسد المسيح ودمه:

 جاء في الانحناءة الرابعة من هذه الرتبة ما يأتي: “ونحن أيضاً يا رب خُدّامك الضعفاء، المجتمعين بإسمك، والقائمين أمامك، اذ قبِلنا بالتواتر الرسولي عن آبائنا ما رسمه ابنك، فاننا نحتفل…” (رتبة القداس طبعة 2020 ص 24). أليس هذا الأصل الرسولي بديلاً عن “الكلام الجوهري”؟ خصوصاً وقد أكَّد المجلس البابوي لتعزيز الوحدة المسيحية، في عام 2001، بموافقة البابا يوحنا بولس الثاني، على صحة قداس أداي وماري دون سرد الكلام الجوهري. استند هذا الإعلان إلى أصول الرتبة الرسولية، واللاهوت الإفخارستي.

المهم في الاحتفال بسرّ القربان المقدس لاهوتياً وروحياً هو اعتباره سراً تحتفل به الكنيسة بأكملها من البداية الى النهاية، وليس في لحظة محدَّدة وكلمات معينة. لهذا السبب نشجع المؤمنين على الحضور من بداية القداس الى نهايته.

حاولتُ أكثر من مرة في سينودس 2017 و2020 رفع الكلام الجوهري عن هذه الرتبة، حفاظاً على أصالتها، خصوصاً بعد اعتراف الكرسي الرسولي بصحتها، لكن، لم يكن ثمة اجماع للاساقفة في السينودسين، فاحترمتُ نتيجة التصويت وتركتُها على حالها، وإني لا أزال أتمنى رفعها.

  • المواضيع العقائدية واضحة في هذه الرتبة: الصلاة الثالوثية بقوة، مع إشارات متكررة إلى الله الآب باعتباره الخالق، وعمل المسيح الخلاصي، ودور الروح القدس في التقديس. إن استدعاء الروح القدس هو سِمة أساسية لكل رُتَب القداس، حيث يُستدعي الروح القدس لتقديس الخبز والخمر حتى يصبحا جسد المسيح ودمه. وتستذكر الرتبة تدبير الخلاص بأكمله، والذي بلغ ذروته بموت المسيح وقيامته وصعوده، وحلول الروح القدس، مع تسليط الضوء على الأبعاد الكنسية والأخروية (Escatalogical) للقربان المقدس.

____________________________________________________________

لويس ساكو، موجز تعريفي بالليتورجيا الكلدانية، بغداد 2022 ص 139 151

هذا المقال نُشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة في بغداد.

Previous
Previous

غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يحضر حفل الإفطار الرسمي تلبيةً لدعوة فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، القصر الجمهوري، بعبدا – لبنان

Next
Next

منح شهادة الاعتماد بمستشفى هرمل بمنوف