تأمّل غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الأول من زمن الصوم ج

تجدون في التالي تأمّل غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للّاتين، الأحد الأول من زمن الصوم ج ، الأحد 9 آذار/ مارس 2025.

لوقا 4: 1-13 


يروي الإنجيلي لوقا تجربة يسوع في البرية مباشرة بعد نسب يسوع (لوقا ٣: ٢٣-٣٨). وعلى خلاف متى، فإنه لا يكتفي بتتبع الأنساب حتى إبراهيم، بل يصل حتى الإنسان الأول، آدم.  

لذلك ينتهي الفصل الثالث بهذه الكلمات "... بْنِ آدَمَ، ابْنِ اللهِ". (لوقا ٣: ٣٨). 

بعد ذلك مباشرة، تبدأ حادثة تجربة يسوع في البرية (لوقا ٤: ١-١٣)، ويصبح الربط واضحًا للقارئ: فأدم، ابن الله، ليس فقط الإنسان الأول، بل أيضًا أول إنسان يتعرض للتجربة. إذ تهمس الحيّة له بكلام مغاير لما قاله الخالق، فيستمع آدم وزوجته حواء إليها. هكذا، ومنذ البداية، وجدت البشرية نفسها أمام خيار بين الاستجابة للتجربة والسقوط في الخطيئة، أو اختيار الخير والحياة.  

إذن، تُشكل التجربة فرصة حقيقية للإنسان للعيش على طبيعته، لا بحسب خطة الله، بل وفقًا لإرادته الخاصة، متخذًا مسارًا مختلفًا عن ذلك الذي رسمه له الخالق وأودعه في أعماق قلبه.  

لكن الله نفسه مانح الحرية للإنسان: لا يجبره على طاعته، بل يضع أمامه دائمًا طريقين، لكي يختار بحرية محبة الله. ونرى في سفر التكوين (الفصل ٣) أن الطريق البديلة لا تؤدي إلى الحياة بل إلى الموت، لذا وجب أن نكون حذرين في اختياراتنا وما اذا كنا نسلك طريق الحياة أم الموت.  

لم يتجنب يسوع هذا الواقع الذي يشترك فيه جميع البشر عبر الأزمنة، بل هو أيضًا يخضع لإغراءات الطرق الأخرى بدلاً من طريق الله الآب. "وهو مُمتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فَأَقامَ بِدافِعٍ من الرُّوح" (لوقا ٤: ١)، حيث اختبر إمكاناته وحاجته، وهناك حدثت التجربة "أًربَعينَ يومًا، وإِبليسُ يُجَرِّبُه، ولَم يأكُلْ شَيئًا في تِلكَ الأَيَّام. فلَمَّا انقَضَت أَحَسَّ بِالجوع". (لوقا ٤: ٢).  

لكن كيف يحدث ذلك؟ وما الذي يمنع الإنسان عن تحقيق ملء إنسانيته؟  

لا تركز الرواية فقط على التجارب نفسها، بل على إجابات يسوع للشيطان، إذ إنه يعيد الإنسان إلى مكانه الصحيح داخل مشروع الله الأصلي، مصححًا الصورة المشوهة التي يحاول الشيطان زرعها.  

أولًا، الإنسان هو الذي يسمع كلمة الله ويحيا بها "فأَجابَه يسوع: مَكتوبٌ: لَيَس بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنسان" (لوقا ٤: ٤). 

نحتاج إلى الطعام لكي نحيا، لكن هذا لا يكفي للإنسان، إذ يحمل في داخله جوعًا أعمق. والجوع إلى الخبز هو علامة على هذا الجوع الأعمق، فإذا اكتفينا بتلبية الحاجة الأولى فقط، فلن تنضج حياتنا.  

التجربة توحي بأن هذين الجوعين متعارضين، وأن الآب لن يوفر لنا خبزًا كافيًا، لذا علينا تدبيره بأنفسنا. أما يسوع، فيثق ويقبل أن يتغذى من يد الآب الذي يهتم بحياتنا.  

ثانيًا، يصبح الإنسان سيد نفسه عندما لا يسجد لأحد سوى لخالقه. فإذا سعى إلى المجد والكرامة عبر الخضوع للسلطة الزائلة، فإنه في الحقيقة يصبح عبدًا ويخسر نفسه: "فَإِن سَجَدتَ لي، يَعودُ إِلَيكَ ذلكَ كُلُّه". فَأَجابَه يسوع: "مَكتوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسجُد، وإِيَّاه وَحدَه تَعبُد" (لوقا ٤: ٧-٨). 

التجربة توحي بأن السلطة أهم من الحرية. أما يسوع، فلا يساوم على مجد الله الذي يكمن في حرية الإنسان وحياته. أخيرًا، لا يحقق الإنسان نفسه إذا تصرف كالله، إذا تحدى حدوده وإمكانياته الخاصة. 

فهو لا يصبح أفضل إذا قام بأفعال استثنائية، ساعيًا وراء الاستعراض والاستعلاء على الآخرين ولا يجد الله بهذه الطريقة، بل يجده في الطاعة اليومية المتواضعة لشريعة تحميه من نفسه، وتجعله قادرًا على إقامة علاقات حقيقية، وتحقيق نفسه في العالم. 

التجربة توحي بأن الله، الصالح الأحد، سيحمي الإنسان بأي ثمن "إِن كُنتَ ابنَ الله، فأَلْقِ بِنَفْسِكَ مِن ههُنا إِلى الأَسفَل... فأَجابَه يسوع: لقَد قيل: لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلـهَكَ". (لوقا ٤: ٩-١٢). 

أما يسوع، فيرفض أي صورة مزيفة عن الله قد يصنعها الإنسان؛ ولأنه يحب الآب، فهو يثق به دون أن يطلب منه برهانًا على صلاحه، ويتركه حرًا في أن يحبه بطريقته الإلهية، لأن هذه المحبة، ولا شيء غيرها، هي التي تجعل الإنسان عظيمًا. 

+ بييرباتيستا 

ترجمة مكتب الإعلام البطريركي - القدس


هذا التأمّل نُشر على موقع بطريركيّة القدس للّاتين.

Previous
Previous

إطلاق تطبيق رياضة درب الصليب باللغة العربية

Next
Next

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو يترأس رتبة درب الصليب في كنيسة إبراهيم بمدينة اور