تأمّل غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثامن من الزمن العادي (ج)

تجدون في التالي تأمّل غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للّاتين، الأحد الثامن من الزمن العادي (ج) ، الأحد 2 آذار/ مارس 2025.

في "عظة السهل"، يورد الإنجيلي لوقا تعليم يسوع حول القادة العميان (لوقا ٦: ٣٩-٤٢)، بينما يوردها متى في جزء مختلف من إنجيله، دون أن يدرجها في المقطع الموازي لعظة الجبل. 

لنحاول أن نتتبع مسار حديث يسوع. 

في البداية، قُدِّمت التطويبات (لوقا ٦: ٢٠-٢٥)، على كونها إعلان عن عالم جديد حيث لا يوجد من يهيمن ومن يخضع، من يحكم ومن يتحمل، حيث لا يوجد أوائل وآخرون. إنه إعلان عن عالم تُمحى فيه التصنيفات التقليدية التي تقسم البشر إلى فئتين: أحدهما يُعتبر عظيماً والآخر صغيراً.  

ويواصل الحديث بإعلان طريقة جديدة للعلاقات بين الناس، لا يمكن أن تكون إلا على أساس الحب المتبادل، والغفران، والرحمة: "أحبوا أعداءكم... كونوا رحماء... لا تدينوا..." (لوقا ٦: ٢٧-٣٨). فالحب وحده القادر على إلغاء الفوارق، وجعل الجميع على قدم المساواة: كل إنسان، على حد سواء، يستحق الحب والتقدير.  

يستمر المقطع اليوم في هذا الاتجاه، ويطرح مثالًا عمليًا لما قاله يسوع حتى الآن.  

إحدى الوسائل التي تدفع الإنسان لوضع نفسه فوق الآخرين وتعزز الانقسام بين البشر إلى فئتين منفصلتين هي تصنيف العالم إلى أبرار وخطأة، أو إلى صالحين وخاطئين.  

وضَرَبَ لَهم مَثَلًا قال: "أَيَستَطيعُ الأَعمى أَن يَقودَ الأَعمى؟ أَلا يَسقُطُ كِلاهُما في حُفرَة؟" (لوقا ٦: ٣٩)، حيث نرى أعمى يعرض أن يكون مرشداً لأعمى آخر. فهما شخصان يعانيان من المشكلة ذاتها: كلاهما أعمى.  

لكن أحدهما لا يعترف بضعفه، بل يضع نفسه فوق الآخر، فيقرر أن يكون قائدًا ومرشدًا، في حين أنه هو نفسه يحتاج إلى من يقوده.  

وهكذا، فإن من ينصّب نفسه لتقويم الآخرين، وللإشارة إلى أخطائهم، يضع نفسه في موقف من لا يخطئ، ويقسم العالم إلى فئتين، ويجعل نفسه فوق الآخرين.  

لكن يمكن لكل واحد منا أن يكون مرشداً لأخيه وأخته في محنتهما، ولكن بشرط واحد: أن يتضامن معهما في ضعفه، ويعترف بحاجته أيضاً إلى الخلاص على غرارهما.  

لأن من اختبر رحمة الآب في أعماقه هو وحده القادر على محبة الآخرين دون تعالٍ أو استعلاء، بل بمحبة صادقة. ومن شعر بألم خطيئته هو وحده الذي سيمتلئ رأفة وحنانًا، فيمتنع عن الإدانة، ويتجنب تصنيف الآخرين كمخطئين أو فاشلين. 

عالم جديد، حيث تُزال الفوارق والحواجز، ويعيش الجميع كالإخوة، يتطلب نظرة جديدة وكلمات جديدة. وهذا ما يؤكد عليه يسوع في نهاية مقطع اليوم: فالكلمات تنبع من الداخل، من القلب، وتعكس العالم الداخلي الذي يحمله الإنسان في داخله: "كَيفَ يُمكِنُكَ أَن تَقولَ لِأَخيكَ: يا أَخي، دَعْني أُخرِجُ القَذى الَّذي في عَينِكَ، وأَنتَ لا تَرى الخَشَبَةَ الَّتي في عَينِكَ؟ أَيُّها المُرائي، أَخرِجِ الخَشَبَةَ مِن عَينِكَ أَوَّلًا، وعِندَئذٍ تُبصِرُ فتُخرِجُ القَذى الَّذي في عَينِ أَخيك" (لوقا ٦: ٤٢).  

القلب الصالح ليس قلبًا لا يخطئ، بل هو القلب الذي يقبل أن يُخلَّص باستمرار، ويبدأ من جديد في بناء عالم التطويبات، حيث يسعى جاهدًا لعدم الوقوع في تجربة من يظن نفسه مختلفًا وأفضل من الآخرين.  

وأخيرًا، البشرى السارة اليوم نجدها في الآية ٤٠، حيث يقول يسوع إن "كل واحد"، إذا كان مستعدًا جيدًا، يمكنه أن يكون مرشداً ودليلاً للآخرين: "ما مِن تِلميذٍ أَسمى مِن مُعَلِّمِه. كُلُّ تِلميذٍ ٱكتَمَلَ عِلمُه يَكونُ مِثلَ مُعَلِّمِه".  

"كل واحد" هذه الكلمة بحد ذاتها تكسر التصنيفات والتمييز: فإمكانية أن يكون الإنسان مرشداً متاحة للجميع. لكن الأمر يستلزم أن يكون الإنسان "مستعدًا بشكل جدّي"، لا بمعنى اكتساب المعرفة كما يتعلم المرء دروسه في المدرسة، بل من خلال قبوله أن يبقى تلميذًا (لوقا ٦: ٤٠). فقط من يظل تلميذًا، يمكنه أن يصبح معلمًا. ومن يبقى تلميذًا، هو كمن يبني بيته فَحفَرَ وعمَّقَ الحَفْرَ، ثُمَّ وضَعَ الأَساسَ على الصَّخْر (لوقا ٦: ٤٨). 

+ بييرباتيستا 

ترجمة مكتب الإعلام البطريركي - القدس


هذا التأمّل نُشر على موقع بطريركيّة القدس للّاتين.

Previous
Previous

رسالة قداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني بمناسبة زمن الصوم ٢٠٢٥

Next
Next

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو الافتتاح الوشيك لكنيسة في أور للكلدان، بعد أربع سنوات من زيارة قداسة البابا فرنسيس، هو رسالة وعلامة على الانفتاح