المبادئ تُباع في زماننا
على هامش تزامن صيام المسيحيين والمسلمين
بقلم غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو
بقلم غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق
نحن في زمن بيع المبادىء، هذا ما قاله، مؤخراً، رئيس مجلس النواب العراقي الحالي السيد محمود المشهداني في إحدى مقابلاته. أمام هذا التصريح الصادم، الصادر عن وجدان إنساني، اكتب هذه الخاطرة من القلب إلى مواطنينا الأحبَّة والرأي العام.
كم هو مؤسف هذا الواقع، بل الأكثر إيلاما، الإشارة إليه من باب البديهيات، كحالة استشراء فاضحة للفساد، والتسليم به والتعامل معه كتحصيل حاصل، بدون وازع ضميري وديني.
لقد تغيّر العالم فعلاً، وتغيّر سلوك الناس وكأننا نعيش في غابة! كان لهذه المبادِىء والثوابت والقيَم التي تربّينا على الالتزام بها أيام زمان، اثراً بالغاً في حياتنا وعلاقاتنا. اليوم ننصدم بتحوّلها الى ظاهرة المصالح الخاصة والفئوية التي تتحكم في الساحة الاجتماعية والسياسية. من المحزن ان الناس يتباهون بما يفعلون ويتكلمون عنه. هدفهم حصد أكبر قدر من المكاسب بأيّ ثمن كان. الأمانة ليست اليوم بضاعة رائجة!
شواهد غريبة عن الواقع
كيف تبرّر الحروب والسيطرة على دول ذات سيادة أو تهجير أهلها من أرضهم التاريخية والوجدانية، كما في فلسطين، لكي يتملّكها الغريب من دون حسابات ولا إحترام للقانون الدولي؟
كيف يُعقل الاستحواذ على المال العام، وعلى بيوت الناس وممتلكاتهم وتزوير السندات؟ واستلام رواتب لاشخاص “فضائيين” غير موجودين؟
كيف يبيع أخ أو اخت سرّا البيت الابوي ويستولي على الإرث من دون احترام حقوق بقية أبناء العائلة؟
كيف يقوم بعض الناس بالتشهير بمن يعيشون معهم أو يعملون معهم؟ أليس هذا افتراء وكذب على الذات والآخر؟ كيف يرفعون ضدهم شكاوى كيدية؟ اليست هذه خطايا كبرى؟
كيف يمكن ان يقتل الرجل زوجته وأولاده، أو الزوجة زوجها لتلتحق بعشيقها؟
وعلى المستوى الايماني المسيحي، هذه أسئلة أخرى تطرح نفسها:
كيف لزوجين مسيحيين لديهم عدد من الأولاد، يطلبون، وبحجج واهية، ما نسمّيه كنسياً بطلان زواج للقيام بمعاملة طلاق لدى المحاكم ناسين ما يقوله الانجيل “ما جمعه الله لا يفرقه الانسان” (مرقس 10/9)!
كيف ينتقد بعض الاساقفة والكرادلة قداسة البابا ويطالبونه بالتنحي وهو أب الكنيسة الجامعة الذي يجسّد وحدتها ويضمن ديموتها وحيويتها.
كيف، بحجج مهزوزة، يقاطع السينودسَ بعضُ اساقفتنا ممن رشَّحتُهم للاسقفية ودافعتُ عنهم ورسمتُهم بدل الحفاظ على الشركة الكنسية، وكما أن البابا هو أب الكنيسة الجامعة، فالبطريرك هو اب الكنيسة ذات الحق الخاص، والإنضواء تحت مظلتها، وحضور السينودس ومناقشة وجهات النظر والتعاون مع رئاستهم في سبيل تقدم الكنيسة وازدهارها؟
اين المسيحييون واليهود من وصايا الله العشر (لا تقتل، لا تسرق، لا تكذب، لا تشهد بالزور..الخ )، وأين إخوتنا المسلمون من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
هذه التصرفات الخطيرة ترفضها كل الديانات والقيم الإنسانية لانها تؤدي الى تدهور الاخلاق، وإلى الكثير من العنف والخوف والمجهول، وفقدان الثقة واعاقة التعاون والعيش المشترك.
وبعد،
نحن، مسيحيين ومسلمين، في كل العالم، في زمن الصيام (رمضان والصوم الكبير) الذي يتعين ان يكون صياماً اختيارياً حراً وواعياً، من القلب والروح، لكي يتحوّل الى مراجعة شاملة للذات، وانعطافة اهتداء حقيقي وإصلاح شخصيّ شامل. هذا هو السبيل الوحيد للتغيير.
سوف لن يسألنا الله، يوم الدينونة، عن ايماننا أو صومنا، انما سيسألنا عمّا فعلنا باخوتنا؟ وسوف يسألنا من اين لك هذا؟
أجل، إننا نظل نحلم بعالمٍ
تبطل فيه هذه الظاهرة المحزنة وهذا الارتباك
وتعود تسوده القيم والمبادئ والأخلاق الحميدة
فينعمَ الجميع بالسلام والطمأنينة والوئام
هذا الخبر نُشر على صفحة المركز الكاثوليكي للإعلام CCI Liban على موقع فيسبوك.