بيان بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسيّة بشأن وقف إطلاق النار في غزة
تجدون في التالي بيان بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسيّة بشأن وقف إطلاق النار في غزة
“طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون” (متى 5:9)
تستقبل الكنيسة الأرثوذكسية في الأرض المقدسة نبأ وقف إطلاق النار في غزة بروح يغمرها الأمل الحذر، وبقلوب تصلي من أجل تحقيق سلام دائم. بعد خمسة عشر شهرًا من معاناة تجاوزت حدود الوصف الإنساني، يشكل هذا التطور بصيص أمل لالتقاط الأنفاس، والتأمل في الفقدان الجلل، والشروع في رحلة طويلة وشاقة نحو التعافي. ومع ذلك، فإن دعوتنا كمسيحيين تتجاوز مجرد الابتهاج بانتهاء الحرب، لتصل إلى الالتزام الجاد بالسعي نحو سلام حقيقي ومستدام، يعكس الإرادة الإلهية ويصون الكرامة الإنسانية.
إن الأثر الكارثي الذي خلفته الحرب في غزة لم يقتصر على تدمير البنى التحتية أو تمزيق النسيج الاجتماعي فحسب، بل ترك جرحًا غائرًا في ضمير الإنسانية جمعاء. نستذكر في هذا السياق كلمات الرسول بولس: “إن كان عضو واحد يتألم، فجميع الأعضاء تتألم معه” (كورنثوس الأولى 12:26). إن معاناة غزة هي معاناة لنا جميعًا، وهي دعوة ملحة لإعادة النظر في جذور هذا الألم والعمل بجدية لتجسيد مبادئ العدالة والرحمة، واحترام القيمة الإلهية التي يحملها كل إنسان.
إن وقف إطلاق النار يجب ألا يُعتبر نهاية للصراع، بل بداية لطريق يهدف إلى بناء جسر نحو حل دائم وعادل يكرّس قدسية الحياة وكرامة أبناء الله جميعًا. وفي هذا الإطار، يتعين على المجتمع الدولي، ولا سيما الدول التي ترفع شعار الدفاع عن القوانين الدولية، أن تتحمل مسؤولياتها كاملة. فالإخفاق في معالجة جذور هذا الصراع أو التغاضي عن أسبابه لا يهدد فقط أمن المنطقة، بل يقوّض المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام القانوني الدولي.
ولا يمكننا أن نغفل التعبير عن إعجابنا وتقديرنا العميقين لكل أولئك الذين أبدوا شجاعة استثنائية خلال هذه الفترة العصيبة. أولئك الذين ضحوا بحياتهم في سبيل إطعام الجوعى، وإيواء المشردين، ومد يد العون لكل محتاج، قد جسّدوا أسمى معاني التضامن الإنساني.
وفي الوقت الذي نرفع فيه دعواتنا من أجل تحقيق سلام دائم، نجد أنفسنا ملهَمين بكلمات الرب يسوع المسيح: “كنت جائعًا فأطعمتموني، كنت عطشانًا فسقيتموني، كنت غريبًا فآويتموني” (متى 25:35). إن هذه الكلمات ليست مجرد دعوة للتأمل، بل هي نداء للعمل. يجب أن يتدفق الدعم الإنساني دون عوائق إلى كل محتاج، ويجب أن تُبذل جهود مضاعفة لإعادة بناء ما دُمّر، سواء كانت منازل أو مدارس أو مستشفيات. ومع ذلك، فإن إعادة الإعمار المادي وحدها لا تكفي؛ فهناك حاجة ماسة لإعادة بناء الثقة وترميم الأمل، والاعتراف بحقوق بني البشر في تحقيق العدالة والكرامة.
إننا نصلي إلى أمير السلام أن ينير قلوب القادة ويوجههم نحو سلام دائم وحقيقي، وأن يكون وقف إطلاق النار هذا نقطة انطلاق لفصل جديد تسود فيه العدالة والرحمة. “والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه” (يوحنا 1:5).
هذا البيان نُشر على موقع بطريركيّة الرّوم الأرثوذكس الأورشليميّة.