كلمة غبطة البطريرك يوحنّا العاشر في احتفال اليوبيل الفضي لكورال الراعي الصالح، اللّاذقيّة

تجدون في التّالي الكلمة الّتي القاها غبطة البطريرك يوحنّا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس، ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الأرثوذكسيّة، في احتفال اليوبيل الفضي لكورال الراعي الصالح، اللّاذقيّة، يوم الأربعاء 29 أيّار/ مايو 2024.

المسيح قام. حقاً قام.

تعجز الكلمة أن تفي اللحن حقه وتفلس الكلمات أمام النغم. فكيف إذا كانت اللحن سبحاً والنغم بشارةَ إنجيل؟ ليس هذا فحسب. لا بل كيف إذا كان هذا النغم متردياً كلام الرب ومتوسّداً كلمة الحياة ومقترناً بها؟ عندها بلا شك يقف كلامي عاجزاً وتقف مفرداتي حائرةً. والحال أصعب وأصعب عندما تكون المناسبة اليوبيل الفضيَّ لكورال الراعي الصالح. عندها يمسي الصمتُ أفصحَ من الكلام وتصبحُ السكينةُ أفضل مناجاةٍ لأنها لغة الروح والروح لها لغة الموسيقى التي تهبط علينا عزاءً وبلسماً فترقّي النفسَ إلى مرتبة الروح وترفع تلك الأخيرةَ إلى مضارب أبي الأنوار.

قبل خمسة وعشرين عاماً انطلقت مسيرةُ هذا الكورال. انطلقت مسيرته سبحاً ونشيداً يدخلُ القلوب. وغير غريبٍ على كنيسة أنطاكية كل هذا. فهي كنيسة ناظمي التسابيح وكنيسة الموسيقيين والشعراء وبوتقةُ النغم الكنسي والقروي الفني. فهي كنيسة رومانوس المرنم الذي من حمص وكنيسة الدمشقي يوحنا أبي الألحان. وهما رائدا التسابيح الكنسية. وهي كنيسة مار أفرام الشهير بأشعاره التي حارب بها سائر البدع. وإذا ما انتقلنا إلى عصرنا الحديث، نجد هذه الكنيسة متهاديةً تناجي ربها بأعمال وأناشيد أثناسيوس عطالله مطران حمص. نجدها مرنمةً ومصليةً تستسيغ نظم تقاريظ الجناز للشاعر المطران أبيفانيوس زائد والتي طُبعت ههنا في اللاذقية للمرة السابعة سنة 1947. نجدها ساجدةً بصوت متري المر وبألحانه التي تنتقل من شواهق المجد إلى قرارات التوبة والانسحاق. نجدها متهللة بروائع أندراوس معيقل ونتحسسها في رنة جرس صوت كوتيا. وعدا عن ذلك، نجدها في فن الرحابنة وفي حلاوة صوت فيروز الساجد أمام الصليب. نجدها في عبقرية بساطة فيليمون وهبة وفي غيرهم الكثير الكثير. واسمحوا لي أن أكتفي بهؤلاء لئلا أغفل فأظلم.

إذا كانت الأيقونة إنجيل العين فإن الموسيقى هي إنجيل الروح.

وما قدمه هذا الكورال كان بالفعل إنجيلَ روحٍ للصغير وللكبير. لقد دخلت ألحانه وأعماله روح الصغير والكبير. دخلت موسيقاه الروح وحركت أوتارها بحلاوة الإنجيل. دخلت ببساطة اللحن فأسكنت المسيح في خدر النفس. ولأن المنارة تضيء للجميع لا لمحيطها فقط، أنارت شعلةُ هذه المنارة، كورال الراعي الصالح، لا اللاذقية فقط لا الكرسي الأنطاكي كله بكل أبرشياته لا بل والكنائس الأخرى.

اخترتم له "اسم الراعي الصالح". والراعي الصالح، لو تأملنا قليلاً، يستخدم لغة الموسيقى والنغم مع خرافه. فالخراف لا تعرف لغة الراعي لكنها تميز صوته ونبرة صوته وموسيقى روحه. تتحسس محبته وكينونته بنغمة روحه وببصمة صوته فتعرف أنه يناديها إلى محبته ويدعوها ليضمها إلى بوتقة روحه ويمسحها ببلسم عنايته.

بوركت جهودكم وبورك عملكم. وبوركت تلك النفوس التي تعبت ليخرج هذا الكورال من الفكرة إلى التطبيق. نحيي كل فردٍ فيكم ونشكركم باسم كنيسة أنطاكية ونسر دائماً بسماع جديدكم ونفتخر بمسيرتكم التي تكلل هذه الأبرشية بعبق جمال المسيح وتلفح اللاذقية كلها بشذا الموسيقى المبلسم الروحَ.

كل عام وأنتم بخير. ودامت أنغامكم وأناشيدكم عابقةً بعرفِ حلاوةِ من رنمت له الملائكة في ميلاده

"المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة"


هذه الكلمة نُشرت على صفحة بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس على موقع فيسبوك.

Previous
Previous

غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يرعى حفل تخرُّج

Next
Next

فيديو - غبطة البطريرك يوحنّا العاشر يزور جامع السلطان والمدرج الروماني ومركز دائرة العلاقات المسكونيّة والتنمية والمركز الثقافي في جبلة