غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يوجّه رسالة إلى الكهنة لمناسبة خميس الأسرار
"أحبّهم إلى الغاية" (يو ١:٢١)
تجدون في التّالي رسالة إلى الكهنة موجّهة من غبطة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، لمناسبة خميس الأسرار، ٢٨ آذار/ مارس ٢٠٢٤، تحت عنوان "أحبّهم إلى الغاية" (يو ١:٢١).
رسالة إلى الكهنة
موجّهة من صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
لمناسبة خميس الأسرار ٢٨ آذار/ مارس ٢٠٢٤
"أحبّهم إلى الغاية" (يو ١:٢١)
١. في عشائه الفصحي الأخير مع تلاميذه الأثني عشر، قبل آلامه وموته على الصليب في اليوم التالي، "أحب يسوع خاصته الذين في العالي، أحبتهم إلى الغاية". من فيض هذا الحب أسّس سرّي القربان والكهنوت، من أجل استمرارية ذبيحة ذاته لفداء العالم، ووليمة جسده ودمه للحياة الإلهية فينا. إن كهنوتنا ولد من فيض هذا الحب الإلهي، ومنه يغتني وينمو، وبه يتجتد باحتفالنا اليومي. وهو شهادة دائمة للمسيح، الكاهن والذبيحة. ففي عشائه الأخير "أخذ ربنا خبزا وشكر وكسر وناولهم وقال: هذا هو جسدي الذي ييذل لأجلكم. اصنعوا هذا لذكري" لوقا ٢٢ :١٩. و"أخذ كأسا وشكر وبارك وناول تلاميذه وقال: هذا هو دمي، دم العهد الجديد الذي يراق لأجل الكثيرين" (مرقس ٢٤: ٢٣-٢٤) بنعمة الكهنوت اقامنا المسيح خدام هذا الكنز وحراسه، لا ليفعل في النفوس بقوة الفعل فقط، بل ايضا ليفعل فينا وفيهم بقوة تقديسنا الشخصي به، خاصة وإننا نعمل بشخص المسيح وباسم الكنيسة (راجع التعليم للمسيحي للكنيسة الكاثوليكية، ١٥٤٨ - ١٥٥٣) لسنا في هذه الخدمة مجرد آلة او عبّارة تمرّ من خلالما النعم الإلهية من دون ان نتقدّس بها. فالأرض التي تتقبل المطر ترتوي منه وتنقله الى سواها.
٢.يسعدني أن أنضم إليكم في هذا اليوم المملوء أسرارا، وأنتم متحلقون حول أساقفتكم، حسيا أو روحيا، في لبنان والنطاق البطريركي وأبرشيات الإنتشار، لتجتدوا مواعيد كهنوتكم والطاعة لرعاتكم، والأمانة للمسيح "الكاهن الأسمى" الذي ائتمننا على تقدمة ذاته ذبيحة عنا وعن البشر أجمعين، واجلسنا الى مائدة وليمة جسده ودمه، قوتا لنا وللبشرية جمعاء. وهكذا تبنون جسد المسيح السّري مع المؤمنين في أبرشياتكم ورعاياكم.
٣. فيطيب لي ان اهنّئكم، اخواني السادة المطارنة وكهنتكم الأبرشيين والرهبان بعيد تأسيس كهنوتنا، وبنظرة الحب الخاصة التي بها دعا المسيح الرب كل واحد منا. ونحن إذ أجبناه بحب في يومنا الأول، نجدد اليوم هذا الحب خاشعين امام سر حضوره في سر القربان المقدس، الذي يسجد امامه المؤمنون والمؤمنات طيلة هذه الليلة المقدسة، ملبين دعوة يسوع لرسله، ليلة آلامه، قائل: "اسهروا وصلوا، لئلا تدخلوا في تجربة. فالروح راغب ومستعد، ولكن الجسد ضعيف" (مرقس ١٤: ٢٨) بهذا الكلام يعلمنا أن ننتصر على تجربة الضعف والتراجع والقنوط بالسهر والصلاة.
٤. كهنوتنا ليس منا، ولا طوع ارادتنا ورغبتنا. بل هو هبة ثمينة مجانية من قلب المسيح الذي يأتمننا عليها، فتصبح مسؤولية ثقيلة لأننا قبلناها بحريتنا وبفعل حب. بالكهنوت أقامنا الروح وسطاء حب بين الله والشّعب: كوسطاء لدى الشعب نحمل هم العطايا الالهية، وكوسطاء لدى الله نحمل له صلاة الشعب، ونعوض بشكل ما عن خطاياهم. هذه الوساطة هي مشاركة في وساطة المسيح الوحيدة والاساسية.
٥. الكاهن كوسيط مشارك مدعو ليعكس وجه المسيح بأبوّته وقربه من شعبه وبحنانه ومشاعره الإنسانية. هذه الأبوة يطلبنا منا شعبنا. وينتظرها مجسّدة في المسلك وطريقة التعاطي والممارسة والخدمة والكلام والعلاقات. ويطلب الشعب منا ان نكون كهنة صلاة وتفاني وجهوزية لكلّ خدمة وتأديتها بفرح. لذا يحتاج الكاهن الى نعمة الهية تقدسه، ليكون أهلا للوساطة المشاركة لدى الله والشعب، فلا يقيم الاسرار معتمدا فقط على "قوتما بفعل ذاتما"، بل من واجبه ان يتقدس هو بما اولا لكي يمارس اسرار الكنيسة الخلاصية. الشعب ينتظرنا شهودا للخلاص الذي نلناه، قبل ان يريدنا معلمي الكلمة، وخادمي الأسرار، ورعاة مسؤولين لخلاص شعبنا.
٦. اكتب اليكم، يا أحباءنا، لكي اهنئكم تكرارآ بعيد ينبوع كهنوتنا راجيا لكم من الله، بشفاعة امنا مريم العذراء ام الكهنة نعمة تقدسنا جميعا وبها نجدّد مواعيد كهنوتنا.
مع تكرار محبّتي وصلاتي وبركتي الرسوليّة.
بكركي في ٢٥ آذار/ مارس ٢٠٢٤ عيد بشارة العذراء مريم
+ غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي
بطريرك انطاكية وسائر المشرق
هذه الرسالة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك.