عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في أحد شفاء المرأة النازفة

تجدون مجموعة صور في آخر النصّ.

تجدون في التّالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في أحد شفاء المرأة النازفة، يوم الأحد 25 شباط/ فبراير 2024، في الصرح البطريركيّ في بكركي، لبنان.

"يا ابنتي إيمانك أحياكِ....يا يائيرس يكفي أن تؤمن فتحيا إبنتك" (لو 8 : 48 و50)

1. آيتان أساسهما الإيمان المصلّي بصمت. المرأة المصابة بنزيف دم منذ إثنتي عشرة سنة، وأنفقت كلّ مالها على الأطبّاء من دون جدوى، آمنت بأنّ يسوع قادر أن يشفيها من دون أن تلتمس هذا الشفاء بالكلام... فعلّمها إيمانها أنّها تستطيع نيل نعمة الشفاء إذا تمكّنت من لمس طرف ردائه. فكان الشفاء. فامتدح يسوع قدرة إيمانها قائلًا: "تشجّعي يا ابنتي، إيمانك أحياكِ"(لو 8 : 48).

ويائيرس رئيس المجمع، الذي كان يصطحب يسوع إلى بيته ليشفي إبنته الصبيّة المشرفة على الموت، إيمانًا منه بأنّ يسوع قادر على شفائها، لـمّا وصله الخبر بأنّها ماتت ولا حاجة لإزعاج يسوع، بادره الربّ بالقول: "لا تخف، آمن فقط، وابنتك تحيا"(لو 8 : 50). آمن يائيرس وأكمل الطريق بصحبة يسوع إلى بيته. فأحيا ابنته من الموت، إذ "أمسك بيدها وناداها: يا صبيّة قومي. فعادت للحال روحها إليها وقامت"(لو 8 : 54-55)

إمرأتان شفاهما يسوع بعمرين مختلفين: واحدة بعمر إثنتي عشرة سنة، وواحدة بعمر مكتمل. وبذلك أعلن الربّ كرامة المرأة التي خلقها الله متساوية مع الرجل، منذ البدء، وحافظت الكنيسة على حماية كرامتها بالتعليم والمعاطاة. وهذا ما نرجو أنّ يعمّ جميع المجتمعات.

2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة التي هي سرّ الإيمان ومعينه. ويطيب لي أن أحيّيكم جميعًا. وأوجّه تحيّة خاصّة لعائلة المرحوم جورج أنطوان مخايل، المقدّم المتقاعد في شرطة مجلس النوّاب. وقد ودّعناه منذ عشرة أيّام مع زوجته السيّدة ميراي عون وابنته الوحيدة المحامية كاترين، ووالده وشقيقيه وشقيقته وأهالي جرنايا الشوفيّة الأعزّاء. نصلّي في هذه الذبيحة المقدّسة لراحة نفسه، وعزاء أسرته.

3. تمثّل المرأة النازفة كلّ إنسان ينزف من جرّاء معاناة في جسده أو روحه أو معنويّته أو أخلاقه. وتمثّل كلّ مجتمع ينزف في حضارته وتقاليده وقيمه، وكلّ وطن ينزف في سيادته وهويّته واقتصاده وأمنه وكرامته. إنّ شفاءها هو مثال لإمكانيّة شفاء كلّ شخص منّا، وشفاء مجتمعنا ووطننا بالنعمة الإلهيّة.

هذا النزيف يحطّ من الكرامة ويؤدّي إلى الموت. كانت الشريعة القديمة تعتبر المرأة بنزيف دمٍ دائم نجاسة. وألزمتها بعدم المسّ بأيّ شيء أو لمس أيّ شخص لئلّا يتنجّس. لهذا السبب جاءت من وراء يسوع بصمت وخفر ومسّت طرف ردائه، إيمانًا منها بقوّة يسوع على شفائها، ويقينًا أنّها لم تخالف الشريعة (راجع سفر الأحبار 15: 19-33).

ربّنا يسوع العالم بكلّ شيء وبنوايا البشر، طرح السؤال: من لمسني؟ شعرت أنّ قوّة خرجت منّي!" (لو 8 : 45-46). أراد بذلك إعلان ثلاثة: أوّلًا، عدم مخالفة المرأة للشريعة بلمسها طرف ردائه، لأنّ الشريعة وُضعت للإنسان، لا الإنسان للشريعة، ولأنّ نيّها الشفاء من يسوع لا نقل الشرّ إليه. ثانيًا، الشهادة لإيمانها العميق الذي أوحى إليها هذا التصرّف المرهف تجاه يسوع والجمع الغفير، ولهذا السبب لم تصرخ إليه طالبةً شفاءها. ثالثًا، إعلاء كرامة المرأة من خلال شفاء النازفة المعتبرة نجاسة في عائلتها ومجتمعها، وبالتالي، تعيش حالة الإقصاء من دون أيّ إعتبار.

4. ندّدت الكنيسة في غير وثيقة، بكلّ ما ينتهك كرامة المرأة. نذكر منها رسالة القدّيس البابا يوحنّا بولس الثانيّ "إلى النساء"، ووثيقتين للمجلس الحبريّ لوسائل الإعلام: "الإباحيّة والعنف في وسائل الإعلام"، و"آداب الدعاية وأخلاقيّتها".

في الرسالة إلى النساء (1995)، نجد إشارة إلى معاناة المرأة من شروط قاسية جعلت طريقها صعبة، وانتقصت من كرامتها، وشوّهت ميزاتها، وأدّت إلى تهميشها واستبعادها. فلم تتمكّن من تحقيق ذاتها بكّل معنى الكلمة، وحرم المجتمع من عبقريّتها الروحيّة والإنسانيّة والإجتماعيّة.

أمّا وثيقة الإباحيّة والعنف في وسائل الإعلام (1989)، فتكشف عن الظاهرات الإباحيّة التي تتفشّى عبر الكتب والمجلّات والسينما والمسرح والتلفزيون وأشرطة الفيديو والدشّ والإنترنت، وتسيئ إلى الشبان والفتيات والقاصرين.

5. للكنيسة تعليم مميّز عن كرامة النساء وحقوقهنّ ورسالتهنّ، لما تمثّلن في حياة البشريّة: المرأة الأمّ قابلة الكائن البشريّ وهاديته، والمرأة الزوجة معطية ذاتها لزوجها من أجل وحدة الحبّ والحياة، والمرأة العاملة المساهمة في بناء المجتمع ثقافيًّا وروحيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، والمرأة المكرّسة التي تقف ذاتها على خدمة الله وجميع الناس.

6. الإيمان عطيّة مجّانيّة من الله لكلّ إنسان، لكي يستحضره في حياته، تأتي أفعاله في إطار الحقيقة والخير والجمال. هذا الإيمان يحتاج إلى إنمائه وتغذيته بكلام الله في الكتب المقدّسة، وإلى المحافظة عليه بالصلاة والممارسة الدينيّة. تساءل الربّ يسوع ذات مرّة أمام تلاميذه: "إذا عاد إبن الإنسان، أتراه يجد إيمانًا على الأرض؟" (لو 18: 8 )…


هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

عظة غبطة البطريرك يوسف العبسي في أحد الذخائر المقدّسة والقدّيس غريغوريوس بالاماس

Next
Next

قداسة البابا تواضروس الثاني يدشّن مذابح وأيقونات كنيسة السيّدة العذراء أرض الجولف مصر الجديدة